آداب الاستماع إلى القرآن الكريم
أنزل الله عز وجل القرآن الكريم ليكون دليل هداية يُرشدنا إلى سبيل الرشاد. وقد أمرنا بتلاوته، والاستماع إليه بتروٍ، والتفكر في معانيه، والعمل بتعاليمه. وجعل الله أجرًا لمن يقوم بذلك، محذرًا من هجرانه، كما أرشدنا إلى آداب الاستماع والتلاوة، حيث قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وفي تفسيره، أوضح السعدي الفرق بين الاستماع والإنصات، حيث قال: “الإنصات هو التخلي عن الحديث أو الانشغال بما يمنع من الاستماع، بينما الاستماع يعني أن يُلقي المستمع سمعه بحضور القلب، ويتأمل ما يستمع إليه”. وفيما يلي نستعرض آداب الاستماع للقرآن الكريم.
انتباه القلب
يجب على مستمع القرآن أن يُحضر قلبه عند الاستماع، لتنبيه القلب بمعاني الآيات. وقد مدح الله الذين يستمعون للقرآن وجعل ذلك سببًا في رحمتهم، في حين ذم الذين يعرضون عنه، فقال سبحانه: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
يعد الاستماع أكثر أهمية للمأموم في الصلاة الجهرية خلف الإمام، ويفضل على السامع أن يُسبّح عند سماع آية تحتوي على تسبيح، ويدعو عندما تتضمن آية دعاء، ويتعوذ عند وجود عذاب، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ).
هناك ثلاثة أشكال من السماع: سماع الإدراك، سماع الفهم، وسماع القبول والإجابة. فالسماع الإدراكي يتحقق من خلال حاسة السمع، بينما سماع الفهم هو ما ينفيه الله عن أهل الغفلة، في حين يُطلق الله عليهم في القرآن الصُمّ والبُكم. أما سماع القبول والإجابة فهو خاص بالخاصة من المقربين لأنه يجمع بين كافة أنواع السماع.
التفكر والتدبر
أمر الله سبحانه وتعالى بالتفكر والتدبر في القرآن، حيث قال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). والتدبر يعني النظر في عواقب الأمور والتفكير في مآلاتها. وقد شبه الله الذين لا يتدبرون القرآن بمن يحمل قفلاً على قلبه.
هناك فرق بين التدبر والتأثر عند سماع القرآن، حيث يخطئ البعض فيعتبرون الوجل والبكاء نتيجة الخشية تدبرًا، بينما التدبر هو عملية ذهنية تهدف إلى فهم معاني الآيات، في حين أن التأثر قد يكون نتيجة انفعالات جسدية أو عاطفية وقد يعود للتدبر أو لحالة الشخص في لحظة الاستماع.
سجود التلاوة
تعددت آراء العلماء حول حكم سجود التلاوة لمن يقصد الاستماع إلى قولين: الوجوب والسنية، والراجح أنه سنة. كما اختلفت آراء العلماء حول حكم سجود التلاوة للسامع غير المقصود، إلى أربعة أقوال: الوجوب، والسنية، والاستحباب، وعدم المشروعية، والراجح أنه سنة في حق السامع كما هو الحال بالنسبة للمستمع.
يعتبر سجود التلاوة خضوعًا لله تعالى، وهذا الحكم يسري على غير الصلاة، بينما في الصلاة يتبع المأموم الإمام؛ فإذا سجد الإمام للسجود يتعين على المأموم السجود، فإن لم يسجد الإمام فلا يسجد المأموم.
كبارية القرآن الكريم واحترامه
تتحقق عظمة القرآن الكريم من خلال الالتزام قدر الإمكان بآداب الاستماع، لأن من يهمل الآداب يهمل السنن، ومن يترك السنن يبتعد عن الواجبات والفرائض، وقد يؤدي ذلك إلى ارتكاب المحرمات. لذا، يجب على المستمع أن يحترم سماع القرآن الكريم ويتجنب كل ما يشغله عن الالتفات إليه، مثل الضحك واللغو، والنظر إلى المشتتات.