أبرز مقامات ابن الوردي
تتضمن أعمال ابن الوردي خمس مقامات بارزة، حيث تناولت قضايا كانت تثير اهتمام المجتمع في زمانه، مثل التصحيح الاجتماعي والتوجيه. من بين هذه المقامات، نجد ما يلي:
المقامة الصوفية
تتناول هذه المقامة رحلة ابن الوردي إلى القدس، بحثًا عن حقيقة معينة. يروي خلالها الكثير عن التصوف وطبيعته، داعيًا الله لتوفير أسباب التصوف له. وفي مسيرته، يلتقي بعشرة رجال، من بينهم شيخ حكيم، حيث يبدأ بطرح أسئلته عن أصول التصوف وقواعده، بالإضافة إلى صفات المتصوفين الحقيقيين. ومع تقدم الحوار، يضيف الشيخ سؤالًا عاشرًا، مما يُبرز الفهم العميق للمنهج الصوفي، حيث اعتمد ابن الوردي في هذه المقامة أسلوبًا إصلاحيًا، مُشيرًا أيضًا إلى بعض عيوب التصوف.
“حكى إنسان من معرة النعمان: سافرت إلى القدس الشريف سفرا مُتنكرًا. ومرت بي في الطريق وادٍ صادفت فيه لفحة من الرمضاء، فرأيت فيه عينًا كعين الخنساء، تجري على صخر، ويقول ماؤها: أنا سيد مياه هذا الوادي ولا فخر، فرويت غليلي من تلك العين، ولكن تذكرت ظمأ الحسين وزالت عني سرور عيني بذكراه، وكيف يُسيّر الماء على رأسه في خدمة الوردات، ويطوف بنفسه سواءً العاكف فيه والباد لي.”
المقامة الأنطاكية
تبدأ هذه المقامة برحلة إلى أنطاكية، حيث يُبدي ابن الوردي إعجابه بجمال مناظرها. وعند وصوله إلى والي المدينة، يكتشف أنه في حالة من الحزن بسبب زيادة الأجانب فيها على حساب العرب، وعدم وعي العرب بالخطر الذي يواجههم. وتتجلى في هذه المقامة الروح القومية بشكل واضح.
“قلت: لله در فصاحتك! ما سبب عدم راحتك؟ قال: لقد جمعت هذه المدينة بين عرب وروم وأنا أعاني معهم في الحي القيوم. لا أستطيع التحمل بينهم، لو رأيتهم لوليت هربًا. ومن يطيق الاتحاد بين الضدين؟ أم من يستطيع مودة الأعداء؟ وكيف ينجح المقيم في أنطاكية في الاستفادة، وقد دُحس الغريب بين ظهرانيهم؟”
المقامة المنبجية
تتناول هذه المقامة رحلة ابن الوردي إلى مدينة منبج، ويرى أنها قد تغيرت بشكل واضح من حيث الأماكن ومواطن الأنس. يتجه بعدها إلى المدرسة النورية، حيث يجد المعلم شابًا، فيقرر إحراجه ببعض الأسئلة التي تتعلق بالسياسة والحس القومي، ويقوم أيضًا بانتقاد مدينة منبج نتيجة التغييرات التي حدثت فيها.
“حكى إنسان من معرة النعمان: دخلت منبج في إحدى أسفاري، فوجدت مدينة كمدن الأمصار، إلا أن الزمن قد صغر من اسمها، ولبس المحدثون لها حدودها ورسمها، فمساجدها تسجد على الدثور، ومشاهدها تحزن على من غاب عنها، ومراسيها فقدت القوة، وفقدت الأنس، والمدارس درّست إلا واحدة.”
المقامة المشهدية
تستند المقامة المشهدية إلى مفهوم المشاهد، أي القبور، حيث يقرر ابن الوردي زيارة القبور. بعد أن قطع مسافات طويلة، يظهر له شخص يطرح عليه سؤالًا حول سبب زيارته لتلك المشاهد. يوضح له أن الزيارة قد تكون باطلة، حيث تناولت هذه المقامة موضوعًا فقهيًا وأظهرت حرمته، مشيرة إلى أن زيارة القبور تُشغل الإنسان عن دنياه وتذكره بحساب الآخرة.
“قال إنسان من معرة النعمان: غلبت النفس اللوامة وجمعت شمل السفر، وبدأت رحلتي وكنت مُسرعًا. وبينما كنت أُحلق في الفضاء، رأيت غبارًا قد ارتفع وظهرت سحب، فقابلني أمير كبير. وعند قربه مني، سألني عن سبب زيارتي، وأخبرته بما لدي، فقال: لقد بطل هذا أيها البطل، وقد أظهر أئمة الأمة أن ذلك خطأ وخطل.”
مقامة صفو الرحيق في وصف الحريق
عند وصول ابن الوردي إلى دمشق في رحلة له، صادف الحريق الكبير الذي وقع عام 740 هـ، حيث وصف هذا الحدث وزار الأماكن التاريخية والأسواق فيها. وقد جعلت ألسنة اللهب ليل دمشق نهارًا، وذكر مبادرة والي دمشق في التفاعل مع الحريق. وتناول أيضًا الواقع السياسي الذي منع تيسير الحقائق والتعبير عن الرأي.
“حدث الحريق في دمشق وذهبت في طياته الأموال والأرواح، واحترقت المنارة الشرقية… حيث تم إعدام أحد عشر رجلًا وبعد أن أخذ منهم ألف ألف درهم، سلم بعضهم…”، كما يقول:
وعادت دمشق فوق ما كان حسنها
وأمست عروسًا في جمالٍ متجدد
وقالت لأهل الكفر موتوا بغيظكم
فما أنا إلا للنبي محمد
ولا تذكروا عندي معابد دينكم
فما قصبات السبق إلا لمعبد