أبو فراس الحمداني: تحليل قصيدة “أراك عصي الدمع”

قصيدة أراك عصي الدمع

قصيدة أراك عصي الدمع
قصيدة أراك عصي الدمع

ألف هذه القصيدة الشاعر أبو فراس الحمداني، وفيما يلي نورد بعض أبياتها الشهيرة:

أراكَ عصيَّ الدَمعِ شيمتُكَ الصبرُ

هل هناك أمرٌ أو نهيٌ للهَوى عندك؟

نعم، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لوعةٌ

لكن مثلّي لا يُفشي له سِرّاً!

عندما يحلّ الليل أمدّ يدي للهوى

وأُذَلّلُ دمعاً من حولي بنرجسية الكبرياء

حَرَقة شوقٍ تكاد تُشعل النار بين جوانحي

إذا أذكّتُها الصبابَةُ والتفكيرُ

أُعَلّقُ نفسي بالوصال، والموت دون ذلك

إذا متّ ظمآناً فلا ينزل القطرُ!

حفظتُ وضَيّعتِ المودةَ بيننا

وأحسنُ من بعضِ الوفاءِ لكِ العذرُ

فما الأيامُ إلا صحائفٌ

من كفِّ كاتبِها بشرٌبنفسي من الغادينَ في الحيّ غادةٌ

هوايَ لها ذنبٌ، وبَهجتُها عذرُ

تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي

لأذناً بها عن كلّ واشيَةٍ وقرُ

بدأت أهلي في الحال، لأنني

أرى أن داراً، لستِ من أهلها، قفرةٌ

وحاربتُ قومي في هواكِ، وإنهم

وإيّايَ، لو لا حبّكِ الماءُ والخمرُ

فإن كان ما قال الوشاةُ ولم يكن

فقد يهدم الإيمانُ ما شيّدَه الكفرُ

وفّيتُ، وفي بعض الوفاء مذلّةٌ،

لإنسانةٍ في الحيّ شيمتُها الغدرُ

وقورٌ، ورَيِعانُ الصبى يستفزّها،

فتأرَنُ أحياناً كما تأرِن المُهرُ

تسائلني: من أنتَ؟ وهي عليمةٌ

وهل بفتىً مثلي على حالهِ نُكرٌ؟

فأجبتها كما شاءت وشاءَ لها الهوى:

قتيلُكِ! قالت: أيهمْ؟ فهم كثرٌ

فأجبتها: لو شئتِ لم تتعنتي،

ولم تسألي عنّي وعندكِ بي خبرٌ!

فقالت: لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا

فأجبتُ: معاذَ الله بل أنتِ لا الدهرُ

وما كان للأحزان، لولاكِ، مَسلكٌ

إلى القلب، لكن الهوى للبلى جسرٌ

وتهلِكُ بين الهزلِ والجدّ مهجةٌ

إذا ما عداها البين عذّبها الهجرُ

فأيقنتُ أنه لا عزّ بعدي لعاشقٍ،

وأن يدي مما علِقتُ به صفرٌ

وقلبتُ أمري فلا أرى لي راحةً،

إذا البين أنساني ألحتّ بي الهجرُ

فعدتُ إلى حكم الزمانِ وحكمِها

لها الذنبُ لا تُجزي بهِ ولي العذرُ

كأني أنادي دون ميثاءَ ظبيةً

على شَرَفٍ ظماءَ جَلَّلَها الذعرُ

تجفلُ حيناً، ثم ترنو كأنها

تُنادي طلاً بالوادِ أعجزه الحضرُ

فلا تُنكِريني، يا ابنةَ العَمّ، إنهُ

لَيَعْرِفُ من أنكرتهِ البدو والحضرُ

ولا تُنكِريني، إنني غير مُنكرٍ

إذا زلّتِ الأقدام واستُنزلَ النصرُ

وإنني لجَرّارٌ لكلّ كتيبةٍ

معوّدةٍ أن لا يُخلَّ بها النصرُ

وإنني لنزالٌ بكل مخوفةٍ

كثيرٍ إلى نزّالها النظرُ الشزرُ

فأظْمَأُ حتى ترتوي البيضُ والقَنا

وأَسْغَبُ حتى يشبعَ الذئبُ والنسرُ

ولا أصبَحُ الحيَّ الخلوفَ بغارةٍ

ولا الجيشَ ما لم تأتِهِ قبلي النذرُ

ويا ربَّ دارٍ، لم تَخَفْني، مَنيعَةً

طَلعتُ عليها بالرَدى، أنا والفجرُ

وحَيٍّ رَدَدْتُ الخيلَ حتى ملكتُهُ

هزيماً ورَدَّتْني البراقعُ والخمرُ

وساحبةَ الأذيال نَحوي، لقيتُها

فلم يلقَها جافي اللقاء ولا وعْرُ

وهَبْتُ لها ما حازَهُ الجيشُ كلّهُ

ورُحْتُ ولم يُكشَفْ لأبياتِها سترٌ

ولا راحَ يُطغيني بثوابِهِ الغنى

ولا باتَ يَثْنيني عن الكرمِ الفقرُ

وما حاجتي بالمالِ أبغي وفورَهُ

إذا لم أفِرْ عِرْضي فلا وقرَ الوَفرُ

أُسِرْتُ وما صَحبي بعُزلٍ لدى الوغى،

ولا فَرَسي مُهرٌ، ولا ربّه غمرُ

ولكن إذا حُمّ القضاءُ على امرئٍ

فليس له برٌّ يقيه، ولا بحرُ

وقال أُصَحابي: الفرارُ أو الردى؟

فقلتُ: هما أمران، أحلاهما مُرٌّ

ولكنني أمضي لما لا يعيدني،

وحسبك من أمرين خيرهما الأسرُ

يقولون لي: بعتَ السلامةَ بالردى

فقُلتُ: أما والله، ما نالني خُسرُ

وهل يتجافى عنّيَ الموتُ ساعةً

إذا ما تجافى عنّيَ الأسرُ والضرُ؟

هو الموت، فاختر ما عَلا لكَ ذكرهُ

فلم يمتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذكرُ

ولا خيرَ في دفع الردى بمذلّةٍ

كما رَدّها، يوماً، بسوءَتِهِ عمرو

يمُنّون أن خلوّا ثيابي، وإنّما

عليّ ثيابٌ، من دمائهم حمرُ

وقائمُ سيفٍ فيهمُ اندقّ نصلهُ،

وأعقابُ رمحٍ فيهمُ حُطّمَ الصدرُ

سَيَذْكُرُني قومي إذا جدّ جِدُّهُمْ،

وفي الليلة الظلماءِ يُفْتَقَدُ البدرُ

فإن عشتُ فالطعنةُ التي يعرفونها

وتلك القَنَا والبيضُ والضُمَرُ الشقرُ

وإن مُتُّ فالإنسانُ لا بدّ مَيِّتٌ

وإن طالَتِ الأيامُ، وانفَسَحَ العمرُ

ولو سدّ غيري ما سَدَدْتُ اكتفوا بهِ

وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُفرُ

ونحنُ أناسٌ، لا توسّطَ عندنا،

لنا الصدرُ دونَ العالمينَ أو القبرُ

تَهونُ علينا في المعالي نفوسُنا

ومن خطبَ الحسناءَ لم يُغليه المهرُ

أعزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العلا،

وأكرمُ من فوقَ الترابِ ولا فخرُ

Scroll to Top