قد يكون فراق الحي عن عمد
للشاعر جرير:
لَعَلَّ فِراقَ الحَيِّ لِلبَينِ عامِدي
عَشِيَّةَ دُروبِ الرحيلِ الفَوارِدِ
لَعَمرُ الغَواني ما نَلتُم صَبابَتي
بِهِنَّ وَلَا تَحبيرَ نَسيجِ القصائِدِ
وكم من صديقٍ واصلٍ قد قُطعنا
وفَتَّنَا من مُستَحكِمِ الدينِ عابِدِ
فَإنَّ الَّتي يَومَ الحَمامَةِ قد صَبَا
لَها قَلبٌ تَوّابٌ إلى اللَّهِ ساجِدِ
رَأَيتُ الغَواني مولِعاتٍ لذِي الهَوى
بِحُسنِ المُنى وبُخلٍ عندَ المَواعِدِ
لَقَد طالَ ما صِدنَ القُلوبَ بِأَعيُنٍ
إلى قَصَبٍ زَينِ البُرى والمَعاضِدِ
أما الفراق فإنه غير معتاد
يقول المتنبي:
أَمّا الفِراقُ فَإِنَّهُ ما أَعهَدُ
هُوَ توأَمي لو أَنَّ بَينًا يُولَدُ
وَلَقَد عَلِمنا أَنَّنا سَنُطيعُهُ
لَمّا عَلِمنا أَنَّنا لا نَخلِدُ
وَإِذا الجِيادُ أَبا البَهِيِّ نَقَلنَنا
عَنكُم فَأَردَأُ ما رَكِبتُ الأَجوَدُ
مَن خاصَّ بالذَمِّ الفِراقَ فَإِنَّني
مَن لا يَرى في الدَهرِ شَيئًا يُحمَدُ
عندما دعا في الركب داعي الفراق
يقول ابن سناء الملك:
لَمَّا دعا في الرّكب داعي الفِراقِ
لبَّاه مَاءُ الدَمعِ من كُلماقٍ
يا دمعُ لم تَدعُ سِوى مُهجَتي
فَلِمَ تَطَفَّلْتَ بهذا السِّباكِ
وإن تكن خِفْتَ لَظَى زَفْرَتي
فأنتَ معذورٌ بهذا الإبَاقِ
وإن تكن أَسْرَعْتَ مِن أَنَّةٍ
إِنَّ لَها مِن أَنَنتي أَلف رَاقٍ
مَهلاً فما أَنتَ كَدَمْعٍ جَرَى
وَرَاقَ بل أَنتَ دِمَاءٌ تُراقَ
فقمتَ والأَجفانُ في عَبْرَةٍ
والدمعُ مع مَسأَلتِي في شِقاقٍ
أسقِي بمزنِ الحُزنِ روضَ اللَّوى
يا قَربَ ما أَثمَرَ لي بالفراقِ
وأُسْلِفُ التوديعَ سَكري لكي
يخدعَ قلبي بِتَلاقي التَّرَاقِ
هذا الفراق وهكذا الوداع
يقول الشاعر اللواح:
هذا الفراق وهكذا الوداع
مما يُفيض به حَشا وضلوع
نجد اللهيب على خَدودنا
عند الوداع وهن سلن دموع
شملٌ تصدع عند باكرة النوى
لولا النوى ما كان فيه صدوع
شيم الليالي هكذا بصروفها
يبلى الجديد ويفرق المجموع
قد تُرفَع المخفوض جَدًا تارةً
منا وطورًا يخفض المرفوع
كم مدقعٍ تلقاه دهقانًا وكم
دهقانها بصروفها مدفوع
تلقى وضيع القوم في درج العلا
ورفيعها دون العلاء وضيع
ألا نولي قبل الفراق قذوراً
يقول الأحوص الأنصاري:
أَلا نولِّي قَبلَ الفِراقِ قَذور
فَقَد حانَ مِن صَحبي الغَداة بُكورُ
نَوالَ مُحبٍّ غير قالٍ موَدِعٍ
وداعَ الفراقِ والزَّمانِ خَطورُ
إِذا أولجت مِنكُم بِنا العيسُ أَو غَدَت
فَلا وَصل إِلّا ما يجنُّ ضميرُ
مَوَدَّةُ ذي وُدٍّ تعرَّض دونَه
تَشائِي نَوىً لا تُستَطاعُ طحورُ
فَإِن تَحُلِ الأشغالُ دون نَوالِكم
وَيَنأَى المَزارُ فَالفُؤادُ أَسيرُ
وَيَركُدُ لَيل لا يَزالُ تَطاوُلاً
فَقَد كانَ يجلُو اللَّيلَ وَهوَ قَصيرُ
وَيُسعِدُنا صَرفُ الزَّمان بِوَصلكم
لَيالِيَ مَبدَاكُم قذور حَصيرُ
وَنَفنى وَلا نَخشَى الفراقَ وَنَلتَقي
وَلَيسَ عَلَينا فِي اللِّقاءِ أَميرُ
فراق ومن فارقتُ غير مذموم
يقول المتنبي:
فِراقٌ وَمَن فارَقتُ غَيرُ مُذَمَّمِ
وَأَمٌّ وَمَن يَمَّمتُ خَيرُ مُيَمَّمِ
وَمَا مَنزِلُ اللَذّاتِ عِندي بِمَنزِلٍ
إِذا لَم أُبَجَّل عِندَهُ وَأُكَرَّمِ
سَجِيَّةُ نَفسٍ ما تَزالُ مُليحَةً
مِنَ الضَيمِ مَرمِيًّا بِها كُلُّ مَخرَمِ
رَحَلتُ فَكَم باكٍ بِأَجفانِ شادِنٍ
عَلَيَّ وَكَم باكٍ بِأَجفانِ ضَيغَمِ
وَمَا رَبَّةُ القُرطِ المَليحِ مَكانُهُ
بِأَجزَعَ مِن رَبِّ الحُسامِ المُصَمِّمِ
فَلَو كانَ ما بي مِن حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
عَذَرتُ وَلَكِن مِن حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمى وَاِتَّقى رَميِي وَمِن دونِ ما اِتَّقى
هَوىً كاسِرٌ كَفّي وَقَوسي وَأَسهُمي
أما الفراق فقد عاصيته فأبى
يقول الشاعر ابن حيوس:
أَمّا الفِراقُ فَقَد عاصَيتُهُ فَأَبى
وَطالَتِ الحَربُ إِلّا أَنَّهُ غَلَبا
أَرانِيَ البَينُ لَمّا حُمَّ عَن قَدَرٍ
وَداعُنا كُلَّ جِدٍّ قَبلُهُ لَعِبا
أَشكو إِلى اللَهِ فَقدَ السَيفِ مُنصَلِتًا
وَاللَيثِ مُهتَصِرًا وَالغَيثِ مُنسَكِبًا
وَالعِلمِ وَالحِلمِ وَالنَفسِ الَّتي بَعُدَت
عَنِ الدَنيّاتِ وَالصَدرِ الَّذي رَحُبا
وَمَن أَعادَ حَياتي غَضَّةً وَيَدِي
مَلأى وَرَدَّ لِيَ العَيشَ الَّذي ذَهَبا
قَد كُنتُ أَكرَعُ كاساتِ الكَرى نُخَباً
وَبَعدَ بَينِكَ لَم أَظفَر بِهِ نُغَبا