مفهوم الوسطية والاعتدال في الإسلام
تُعرّف وسطية الإسلام بأنها التوازن بين التطرف والتحرر، إذ تشير إلى كونها الطريق المستقيم الذي يُسلك بين طرفين. وقد أشاد الله -سبحانه وتعالى- بأمّة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في القرآن الكريم بقوله: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). ويتجلى في هذه الآية تكريم الأمّة ووعيها بواجباتها نحو البشرية. كما تبرز الوسطية أنها صفة من صفات الخير والاعتدال، وهي متوافقة مع الفطرة السليمة التي خُلق عليها الإنسان.
يمتاز الإنسان بتقلباته ما بين الفتور والنشاط، ولذلك جاء الإسلام ليُقنّن هذه التحولات بتوجيهاته الوسطية التي تلائم الطبيعة البشرية. ويتجلى ذلك في تصنيف أهل السنة كأساس للوسطية، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين).
الوسطية والاعتدال في القرآن والسنة
تتجلى وسطية الإسلام في العديد من الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تدل على عدم التفريط أو الغلو. ومن الأدلة على ذلك:
- قال -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). في هذه الآية مشهدٌ واضح لتمييز الإسلام عن المغاليّن والمحرفين عن الطريق الصحيح، إذ يُظهر أهل الصراط المستقيم كما أنهم بعيدون عن الإفراط والتفريط.
- وروى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (خطَّ لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطًّا ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ ثم خطَّ خطوطًا عن يمينِهِ وعن شمالِهِ ثم قال: هذه سُبُلٌ قال يزيدٌ: متفرِّقةٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليهِ). هذه الرواية توضح دور الوسطية كسبيل لمحاربة التشدد والضلال.
آثار الوسطية والاعتدال
تتعدد الآثار الإيجابية للتمسك بالوسطية والاعتدال في الفرد والمجتمع، ومنها:
- الاعتراف بالسنة النبوية كمصدر رئيسي للتشريع الإسلامي، والالتزام بأحكامها في الحياة اليومية.
- السعي المتواصل لاكتساب المعرفة، إذ يُفترض ألا يصل الفرد إلى مرحلة يتصور فيها أنه اكتفى من العلم، وهو ما يقع فيه المتطرفون. قال -تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
- ضرورة التحقق من الأخبار قبل نقلها إلى الآخرين وتداولها.
- استقاء العلم من أهله والالتزام بآدابه وأخلاقياته.
- التفاعل الإيجابي مع الناس وتحمل الأذى، مع فهم مفهوم العزلة بشكل متوازن.
- إدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم بطريقة واضحة تتضمن حقوق وواجبات كل طرف، مما يساهم في تحقيق الاستقرار.
- التزام الأفراد في المجتمع بحقوقهم وواجباتهم، مما يؤدي إلى تعزيز التكافل الاجتماعي واستقرار الحياة.