أركان الزواج في المذاهب الأربعة. يعتبر الزواج من العقود المقدسة التي أقرها الله سبحانه وتعالى. وبموجب هذا العقد، يُتاح للرجل الاستمتاع بالمرأة وفقًا للضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية.
تعريف الزواج لغوياً
- من الناحية اللغوية، يُعرف الزواج بأنه مصدر الفعل الثلاثي ‘زوج’، ويشير إلى الاقتران أو الارتباط الوثيق. وعندما يتفق شخصان على عقد الزواج، يُطلق عليهما لقب الزوج والزوجة.
- يرى بعض العلماء أن مصطلح الزواج في اللغة يعني الوطء، كما يُقال “تناكحت الأشجار” أي التحمت معًا.
- كما يُستخدم كلمة الزواج للإشارة إلى النكاح، الذي يُفهم بعبارة الضم والجمع، حيث يُقال “نكح المطر الأرض” بمعنى اختلط بها بشكل عميق.
تعريف الزواج اصطلاحاً
- الزواج هو العقد الذي يتضمن إباحة وطء المرأة، سواء من خلال ألفاظ النكاح المتعارف عليها مثل “زوجتك نفسي” أو باستخدام ألفاظ كناية أخرى تدل على الزواج.
- ويصف بعض العلماء الزواج بأنه عقد دائم ومقدس بين الرجل والمرأة، يهدف إلى استمتاع كل منهما بالآخر وبناء أسرة إسلامية متماسكة.
أركان الزواج في المذاهب الأربعة
- تباينت آراء الفقهاء بشأن أركان الزواج، حيث اعتبر بعضهم أن العقد له ركن واحد فقط، بينما رأى آخرون أنه يتكون من خمسة أركان. إلا أن العلماء اتفقوا على وجود هذه الأركان الضرورية.
1- صيغة العقد
- تُعد صيغة العقد الركن الأساسي المتفق عليه بين جمهور الفقهاء الأربعة، حيث يتطلب استكمال الزواج وجود ألفاظ معينة، إذ بدون هذه الألفاظ، لا ينعقد العقد ولا يترتب عليه أي أثر.
- تنقسم صيغة عقد الزواج إلى قسمين: الإيجاب والقبول. الإيجاب هو الكلام الذي يصدر من أحد العاقدين، بينما القبول هو اللفظ الذي يرد من العاقد الآخر.
- يشترط أن يصدر الإيجاب والقبول بألفاظ واضحة وصريحة تعبر عن رغبة العاقدين. وقد اختلف الفقهاء حول الصيغة التي تُعتبر كافية لانعقاد الزواج.
- يعتبر جمهور الفقهاء أن الزواج يمكن أن يتم بأي لفظ يدل على التملك، مثل: التزويج والنكاح والهبة والتمليك، شرط أن تتوافر النية بين العاقدين.
- يمكن أيضاً استكمال الزواج بألفاظ عامة هدفها إتمام العقد، شريطة أن يفهم الشهود أن المقصود بهذه الألفاظ هو إتمام الزواج.
- على الرغم من تعدد الألفاظ، هناك من يشترط استخدام ألفاظ الزواج والنكاح تحديداً، نظراً لأن أسمائهما محددة في القرآن الكريم.
- أما من لا يتحدث العربية، يمكنه استخدام تعابير واضحة تُعبر عن المغزى من العقد.
2- الصداق
- يكون الصداق، المعروف أيضاً بالمهر، ركنًا أساسيًا في عقد الزواج حسب آراء أغلب الفقهاء. استندوا في ذلك إلى قوله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نَحْلَةً).
- وكذلك من السنة النبوية، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (التمس إلى خاتم من حديد)، مما يُبرز أهمية المهر في صحة الزواج، حتى لو كان شيئًا قليلاً.
- علاوة على ذلك، فقد أجمعت الصحابة على أن الزواج لا يتم بدون مهر، لذا فلا يجوز للطرفين الاتفاق على إلغاء المهر من الحالة الشرعية لعقد النكاح.
3- العاقدان
- أما الركن الثالث لعقد الزواج فهو العاقدان، أي الرجل والمرأة اللذان يجرى بينهما عقد الزواج، ويطلق عليهما الزوج والزوجة.
- كل من الرجل والمرأة يعتبر ركيزة مستقلة، حيث لا يمكن عقد الزواج أو اعتباره صالحًا بحضور أحدهما دون الآخر.
- تجب أن تكون المرأة خالية من الموانع الشرعية التي تحظر الزواج، مثل أن تكون متزوجة أو مطلقة لم يكتمل عدتها.
- من الموانع الشرعية أيضًا ارتداد الزوجة عن الإسلام أو أن تكون غير من أهل الكتاب أو أن تكون أمة في حالة رغبتها الزواج من حر.
- أما الزوج، فلا يمكن أن يكون له عدة زوجات أكثر من أربعة، ولا يجوز له الجمع بين الأختين.
4- الشهود
- يتطلب عقد الزواج وجود شاهدين مسلمين بالغين وعاقلين ليكون العقد صحيحاً. يجب أن يكون الشاهد قادراً على فهم ما يجري حوله.
- كما يجب أن يفهم الشهود لغة الحوار بين العاقدين. وقد أجاز الإمام الحسن البصري أن يكون الشاهد كفيفاً.
5- الولي
- اختلف الفقهاء حول ما إذا كان الولي ركنًا في عقد الزواج أم لا، ولكن البعض اعتبره ضرورة، حيث لا يتم العقد دون وجوده.
- استندوا في ذلك إلى قوله تعالى (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن).
- تتعلق هذه الآية بحالة معقل بن يسار عندما أراد إعادة خطبة أخته بعد انقضاء عدتها، ولكن عارضه، مما أدى إلى نزول الآية.
- أما الحديث النبوي الذي يُشدد على دور الولي فقال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أنكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات)، مما يدل على أهمية وجود الولي في العقد.
ما هي شروط صحة عقد الزواج؟
- تُقسم شروط صحة عقد الزواج إلى أربعة أنواع، وهي: شروط الانعقاد، شروط الصحة، شروط النفاذ، وشروط الجواز.
1- شروط الانعقاد
- هي تلك الشروط التي يجب توفرها في جميع أركان عقد الزواج، سواء كانت مجتمعة أو منفصلة.
- توجد هذه الشروط في العناصر الأساسية لعقد الزواج، وإذا انعدم أي شرط منها، يصبح العقد باطلاً وفقًا لإجماع الفقهاء.
- تنقسم شروط الانعقاد إلى نوعين: الأول يتعلق بالعقدين، بحيث يجب أن يكون كلاهما عاقلًا بالغًا؛ فلا يُمكن عقد الزواج لصبي غير بالغ أو لشخص فاقد للأهلية.
- الثاني يتعلق بالمكان، حيث يجب أن يكون المجلس واحداً بحيث يتم الإيجاب والقبول في نفس اللحظة والمكان.
أقسام شروط الانعقاد
- يجب أن يكون كلا من الزوج والزوجة عاقلين بالغين، فلا يصح عقد الزواج لصبي غير بالغ أو لمجنون.
- من شروط الانعقاد أيضًا هو اتحاد المجلس، أي يجب أن يصدر الإيجاب والقبول في نفس اللحظة وفي نفس المكان.
- لا يجوز أن تظهر أي رغبة من أحد الطرفين في عدم الارتباط، إما بصفة صريحة أو ضمنية، لأن ذلك قد يؤثر على صحة العقد.
- يجب أن يتطابق القبول مع الإيجاب، حتى ولو تم ذلك بشكل ضمني، وإلا سيفقد العقد صلاحيته ويترتب على ذلك عدم صحة الزواج.
شروط الصحة
- تتطلب شروط الصحة من أجل أن يكون للعقد أثر شرعي. وإذا فُقد أحد هذه الشروط، قد يُعتبر العقد فاسداً وفقًا لبعض العلماء، وباطلاً عند آخرين.
- من بين شروط صحة عقد الزواج، تجنب حالات التحريم؛ حيث يجب ألا تكون الزوجة محرمة على الرجل سواء بالتحريم الدائم أو المؤقت.
- تتطلب الصحة وجود شاهدين على عقد الزواج، والبعض يذهب إلى إمكانية وجود رجل وامرأتين كأربعة شهود.
2- شروط النفاذ
- تشترط أيضاً أن يكون العاقد بالغاً عاقلاً. وفقاً للعلماء، فإن نكاح الصبي العاقل لا يعتبر نافذاً حتى لو كان العقد قد تم.
- فإن إجراء عقد الزواج للصبي يعتمد على إجازة وليه، وإذا بلغ الصبي قبل الإجازة، فلا يُعتبر العقد نافذاً.
3- شروط اللزوم
- تُعتبر هذه الشروط أساس استمرار العقد أو إنهائه. إذا فُقد أحد شروط اللزوم، أصبح العقد جائزا وقابلاً للفسخ.
- من شروط لزوم النكاح أن لا يحق لأي من الزوجين أو وليهما المطالبة بفسخ العقد بعد حدوثه بشكل صحيح.
- إذا كان لأحدهما الحق في طلب الفسخ، يبقى عقد الزواج صحيحاً ولكنه غير لازم، بحيث يمكن للزوجة أن تطلب الفسخ إذا اكتشفت عيباً في زوجها لا يمكنها تحمله.
أهداف الزواج
- يساعد الزواج على حماية النفس من الوقوع في المحرمات والانحراف وراء الشهوات، بالإضافة إلى الحد من انتشار الفواحش والزنا في المجتمع.
- كما يساهم في الحفاظ على النسل من الانقراض، حيث يُعتبر الله أنعم علينا بتعمير الأرض بالنسل الصالح.
- يساهم الزواج في تحقيق الاستقرار النفسي والجسدي للزوجين، ويعزز من وجود جو من الرحمة والمودة بينهما.
- يؤدي إلى تحقيق الكمال الإنساني، حيث تُوزع الحقوق والواجبات بين الزوجين وفقاً لما ينص عليه الشرع القائم على العدالة والرحمة.
- يتطلب التعاون لتأسيس حياة مشتركة قائمة على التفاهم والتعاون بين الزوجين.
الحكم الشرعي للزواج
- تتغير الأحكام الشرعية للزواج بحسب الظروف، فقد يعتبر واجبًا أو مباحًا أو حتى مكروهًا في بعض الحالات.
- قد يصبح الزواج واجبًا إذا كان الشخص بالغا عاقلاً وقادرًا على تحمل تكاليفه، ولا يستطيع منع نفسه من الوقوع في المحرمات.
- أما إذا كان الشخص قادرًا على نفقة الزواج ولكنه يستطيع تحصين نفسه من الزنا، فسيكون الزواج مستحبًا له.
- من جهة أخرى، يُعتبر الزواج محظورًا إذا كان بإمكان الشخص أن يُلحق الأذى بزوجته، مثل المصاب بأمراض معدية.
- أما إذا كان الشخص قادرًا على تحصين نفسه ولكنه يخشى توصيل الأذى لزوجته عند الزواج، يُعتبر في هذه الحالة مكروهًا.