الحب والغزل
يعتبر الحب من أجمل المشاعر التي تنشأ بين شخصين، حيث يعبر عن الإعجاب القوي والانجذاب تجاه آخر. من علامات الحب الاهتمام بالآخر والرغبة في مشاركته النشاطات والهوايات. أما بالنسبة لشعر الغزل، فهو نوع من الشعر يركز على وصف محبوبته وإبراز محاسنها. ينقسم شعر الغزل إلى نوعين: الغزل العذري والغزل الصريح. وقد عُرف الغزل منذ العصر الجاهلي وحتى عصر الإسلام، حيث استمر الشعراء في كتابة قصائد غزلية تعكس ذوقهم الرفيع. في هذا المقال، سنستعرض بعض القصائد الغزلية الرائعة.
إكسير الحياة
حمد بن خليفة أبو شهاب، وُلِدَ عام 1936 في إمارة عجمان، كان من الأوائل الذين قدموا برامج شعرية عبر تلفزيون الكويت من خلال برنامجه “مجلس الشعراء” عام 1971. كتب العديد من القصائد التي تعكس الوضع العام للأمة العربية، وتوفي في جنيف نتيجة نوبة قلبية حادة في 19 أغسطس 2002. من أبرز أشعاره في الغزل قصيدته التي نقتطف منها ما يلي:
أرى الشعر إلا فيك تزهو سطوره
ويُنساب من فرط السرور نميره
فأنت له يا قرة العين واحة
يحف بها روض تهادى غديره
فإن حلقت ألفاظه وتألقت
معانيه فالحب الجميل أميره
يوجهه للبيّنات فيرتوي
من المنهل العذب المصفى شعوره
فأنت له يا نفحة العمر ظله
ومغناه في دنيا الهوى وزهوره
وأنفاسه من طيب رياك تنتشي
ولولاك ما طابت ونثت عطوره
ولولاك ما غنى على البان ساجع
ولا رفرفت في الخافقين طيوره
ولولاك ما حلو الزمان ومره
بمجد ولا برد الفضا وهجيره
فحبك إكسير الحياة وروحه
ومأوى فؤاد لم يجد من يجيره
سواك وأما في سواك فليس لي
مراد وقلبي ما سواك يثيره
وما قلت من شعر ففيك نظيمه
وما قلت من نثر ففيك نثيره
أبى الشعر إلا فيك يا غاية المنى
تضيء بنور الرائعات سطوره
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي
يعتبر امرؤ القيس جندح بن حجر بن الحارث من أبرز الشعراء العرب، حيث وُلِد في نجد لعائلة كندية ووالدته فاطمة بنت ربيعة، واعتنق الديانة الوثنية. يُعتبر من شعراء المعلقات وقد أثر بشكل كبير على الشعر العربي من خلال نقله إلى آفاق جديدة. واحدة من أجمل قصائده في الغزل هي:
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي
وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
قليل الهموم ما يَبِيتُ بأوجالِ
وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه
ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ
دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ
ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ
وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طَلا
من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ
وتحسِبُ سلمى لا نزالُ كعهدنا
بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ
لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً
وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال
ألا زعمت بسبابة ُ اليوم أنني
كبرت وأن لا يحسنُ اللهو أمثالي
كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ
وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي
وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَة ٍ
Bِآنِسَة ٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ
يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِها
كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ
كأنَّ على لباتها جمرَ مُصطل
أصاب غضى جزلاً وكفِّ بأجذال
وَهَبّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَا
صباً وشمال في منازلِ قفّال
ومِثْلِكِ بَيضاءِ العوارِضِ طَفْلة ٍ
لعوبٍ تُنَسِّيني إذا قُمتُ سِربالي
إذا ما الضجيعُ ابتزها من ثيابها
تَمِيلُ عَلَيهِ هُونَة ً غَيرَ مِجْبالِ
كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه
بما احتسبا من لين مس وتسهال
لَطِيفَة ُ طَيّ الكَشْح غيرُ مُفَاضَة ٍ
إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجّة ً غَيرَ مِثقالِ
تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها
بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ
نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّها
Mَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها
سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ
المطر الأول
محمود درويش، واحد من أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، وُلِدَ عام 1941 في قرية البروة بفلسطين، وتوفي في الولايات المتحدة الأمريكية في 9 أغسطس 2008. له العديد من الدواوين والأشعار، ومن بينها قصيدة تعبر عن الغزل كما يلي:
في رذاذ المطر الناعم
كانت شفتاها
وردة تنمو على جلدي
وكانت مقلتاها
أفقاً يمتدّ من أمسي
إلى مستقبلي
كانت الحلوة لي
كانت الحلوة تعويضا عن القبر
الذي ضم إلها
وأنا جئت إليها
من وميض المنجل
والأهازيج التي تطلع من لحم أبي
نارا وآها
كان لي في المطر الأول
يا ذات العيون السود
بستان ودار
كان لي معطف صوف
وبذار
كان لي في بابك الضائع
ليل و نهار
سألتني عن مواعيد كتبناها
على دفتر طين
عن مناخ البلد النائي
وجسر النازحين
وعن الأرض التي تحملها
في حبّة تين
سألتني عن مرايا انكسرت
قبل سنين
عندما ودّعتها
في مدخل الميناء
كانت شفتاها
قبلة
تحفر في جلدي صليب الياسمين
عيون المها مالي بسحرك من يد
ابن الساعاتي، المعروف برضوان بن محمد الساعاتي، شاعر وموسيقي وسياسي وخطاط، تلقّى تعليمه من والده في علم الفلك والميكانيك. أكمل رضوان عام 1203 كتاباً في علم الساعات وعُرف بشغفه. واحدة من قصائده التي صنفها النقاد على أنها قصيدة غزل هي:
عيونَ المها مالي بسحركِ من يدِ
ولا في فؤادي موضع للتجلُّدِ
رويداً بقلبٍ مستهامٍ متيَّمٍ
ورفقاً بذا الجفن القريح المسهَّد
قفي زوّدينا منك يا أمَّ نالكٍ
فغيرُ كثيرٍ وقفة المتزوّد
ففي الظعن ألوى لا يرقُّ لعاشقٍ
سرى منجداً لكنَّه غير منجد
وبيض الطُّلى حور المناظر سودها
وما كحلتْ أجفانهنَّ بإثمد
لعلَّ رجاءً فات في اليوم نيله
يداركهُ حظٌ فيدرك في الغد
بليت بفعم الرّدف لدنٍ قوامهُ
ضعيف مناط الخصر أهيفَ أغيد
ترى يجتني كفُّ الهوى ثمر المنى
بهِ من قضيب البانة المتأَوّد
ذللت لسلطان الهوى بعد عزَّةٍ
وليست لذلٍ قبلها بمعوَّد
ويزعمُ أنَّ السلم بيني مبينه
فما بالُ سيفِ اللحظ ليس بمغمد
تأمل جبيناً واضحاً تحت طرَّةٍ
ترى الصبح في جنحٍ من الليل أسود
سرى القلبُ منه بين نور وظلمة
فمن أجلها أنيَ أضلُّ وأهتدي
وقفتُ أعاطيه كؤوس عتابه
غداة صحا من سكرتي وتلدُّدي
وأعطفُ منهُ غصنَ بانٍ يقلُّه
من الردف ملءَ العين والقلب واليد
وخصرٍ ضعيفٍ مثل صبري نطاقه
متى شئتَ يحللْ أو متى شئت يعقد
ومالت بعطفي قدهِ نشوة الصّبا
إلى خلقٍ سبط وصدغ مجعَّد
فما شئت من حسنٍ وحزنٍ مضاعف
ونغمة إدلالٍ وأنَّة مكمد
ولم أر مثل الحب يهدر شرعهُ
دماً سفكت أجفانهُ عن تعمُّد
ولا مثل هذا الدهر أشكو فعاله
إليه فلا يعدى عليه ويعتدي
إذا ما جنت أحداثه طلَّ حكمها
وهاك يدي إن الحوادث لا تدي
لياليه أعداء الفضيلة والنُّهى
فقد عصفتْ سوداً بكل مسوَّد
ضلالاً له لو رقَّ بعد تشتُّتٍ
لشمل العلى أو لان بعد تشدُّد
إلا آن يغلو في القطيعة بعدما
بعثتُ بها هوجاءَ موّارةَ اليد
تزيد على هام الجبال شراسةً
وفي بطن وادٍ أو على ظهر فدفد
أمنتُ بظلِ العادل الملك ظلمّهُ
فنال عليٌّ ما أبتغى بمحمَّد
إذا خدرت رجلي تذكرت من لها
قيس بن ذريح الليثي يُعتبر شاعراً معروفاً في شعر الغزل، حيث تزوج من محبوبته لبنى لكنهما انفصلا بعدها. تزوجت لبنى من شخص آخر ولكنهما اجتمعا مرة أخرى بعد طلاقها. توفي قيس في عام 61 هـ بعد وفاة لبنى مباشرة. من أشعاره الغزلية المعبرة:
إِذَا خَدِرَتْ رِجْلِي تذكَّرتُ مَنْ لَهَا
فناديتُ لُبْنَى باسْمِهَا ودعوتُ
دَعَوْتُ التي لو أنّ نَفْسي تُطِيعُني
لَفَارَقْتُهَا مِنْ حُبِّهَا وَقَضَيْتُ
بَرَتْ نَبْلَها للصَّيْدِ لُبْنَى وَرَيَّشَتْ
وريَّشتُ أُخرَى مِثلهَا وَبَرَيْتُ
فلمَّا رَمَتِني أَقصدتني بِسَهمِهَا
وأَخْطَأْتُها بالسَّهْمِ حِينَ رَمَيْتُ
وَفَارَقْتُ لُبْنَى ضَلَّة ً فَكَأَنَّني
قرنتُ إِلى العيُّوقِ ثمَّ هويتُ
فَيَا لَيْتَ أَنِّي مُتُّ قَبْلَ فِرَاقِهَا
وَهَلْ تُرجعَنْ فَوْتَ القضيَّة ِ لَيْتُ
فَصِرْتُ وَشَيْخِي كالذي عَثَرَتْ بِهِ
غَدَاة َ الوَغَى بَيْنَ العُدَاة ِ كُمَيْتُ
فَقَامَتْ ولَمْ تُضررْ هناكَ سَويَّة ً
وَفَارِسُها تَحْتَ السَّنابِكِ مَيْتُ
فإنْ يَكُ تهيامِي بِلُبْنَى غَوَاية ً
فَقَدْ يا ذَرِيحَ بْنَ الحُبَابِ غَوَيْتُ
فَلاَ أنْتَ ما أمَّلْتَ فيَّ رأَيْتَهُ
وَلاَ أنا لُبْنَى والحَيَاة َ حَوَيْتُ
فَوَطِّنْ لِهُلْكِي مِنْكَ نَفْساً فإنَّني
كأنكَ بي قَدْ يا ذَرِيحُ قَضَيْتُ