الحزن
يُعتبر الحزن شعورًا نفسيًّا يسبب الألم والقلق، ويُعبر عن حالة من عدم الرضا الناتجة عن مواقف صعبة تواجه الإنسان. ويتجلى الحزن عبر مشاعر سلبية تؤدي إلى الانطواء وانخفاض النشاط، كما قد يحفز البكاء في بعض الأحيان. أما الشعر الحزين، فهو التعبير الفني الذي يصف مشاعر الحزن أو أسبابها. في هذه المقالة، سنقوم بعرض مجموعة من الأبيات الشعرية الحزينة.
وصفة عربية لمداواة الحب
نزار قباني هو شاعر ودبلوماسي سوري معاصر، وُلد في دمشق في 21 مارس 1923م. تخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق عام 1945، وانضم إلى وزارة الخارجية السورية. من أبرز أشعاره الحزينة:
تَصوَّرتُ حُبَّكِ
طَفْحًا على جلدِي
أداويه بالماء أو بالكُحولْ
وبرَّرت إصابتي باختلاف المناخْ
وعلَّلتها بتغير الفصولْ
وكنتُ إذا سألوني أقولْ
هواجسُ نَفْسٍ
وضَرْبَةُ شمسٍ
وخَدْشٌ صغيرٌ سَيزولْ
تَصوَّرتُ حبك نهرًا صغيرًا
سَيُحيي المراعي ويَرْوي الحقولْ
ولكنه اجتاحَ حياتي
فأغرَقَ كلَّ القرى
وأتلفَ كلَّ السُهُولْ
وجرَّ سريري
وجدران بيتي
وخَلَّفني فوق أرض الذهولْ
تَصوَّرتُ في البدءِ
أنَّ هواكِ يمرُّ كالعَصْفورِ
وأنكِ شَطُّ الأمانْ
وبرُّ السلامْ
وقدَرتُ أن القضية بيني وبينكِ
ستكون بسيطة ككل القضايا
وأنكِ ستذوبين كالنقش على المرايا
وأنَّ مُرور الزمانْ
سيقطع كل جُذور الحنانْ
وستغمر بالثلج كل الزوايا
تَصوَّرتُ حماسي لعينيكِ كان انفعالًا
كأي انفعالٍ
وأن كلامي عن الحب كان كأيّ حديث يُقالْ
لكنني أدركتُ الآن أنني كنتُ قصيرَ الخيالْ
فما كان حبُّكِ طَفْحًا يُداوى بماء البنفسج واليانسونْ
ولا كان خَدْشًا طفيفًا يُعالَج بالعشب أو بالدُهُونْ
ولا هو نوبة بَرْدٍ
ستختفي عند رحيل رياح الشمالْ
لكنه كان سيفًا ينام بلحمي
وجيشَ احتلالٍ
وأوَّلَ مرحلةٍ في درب الجنونْ
قصيدة بلقيس
كتب نزار قباني قصيدة “بلقيس” في رثاء زوجته التي توفيت في انفجار سفارة العراق في بيروت، وقد صدرت هذه القصيدة عام 1982م:
شُكراً لكم
شُكراً لكم
فحبيبتي قُتِلَت وصار بإمكانكم
أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدةْ
وقصيدتي اغتيلتْ
وهل من أُمَّةٍ في الأرضِ
سِوانا تغتالُ القصيدة
بلقيسُ
كانتْ أجملَ الملكاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيسُ
كانت أطولَ النخلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا مشَتْ
ترافقها طواويسٌ
وتتبعُها أيائلْ
بلقيسُ يا وجعي
ويا ألم القصيدةِ حين تلمسُها الأناملْ
هل يا تُرى
بعد شعركِ سوف ترتفعُ السنابلْ
يا نينوى الخضراءَ
يا غجريةً شقراءَ
يا أمواج دجلةَ
تلبسُ في الربيعِ أحلى الخلاخِلْ
قتلوكِ يا بلقيسُ
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ
تلك التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ
أين السمؤلُ
والمهلهلُ
والغطاريف الأوائلْ
فقبائلٌ أكلتْ قبائلْ
وثعالبٌ قَتَلَتْ ثعالبْ
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ
قسمًا بعينيك اللتين إليهما
تأوي ملايينُ الكواكبْ
سأقولُ يا قمري عن العرب العجائبْ
فهل البطولة كذبةٌ عربيةٌ
أم أن التاريخ كاذبٌ مثلنا
بلقيسُ
لا تتخلي عني
فإن الشمسَ بعدكِ
لا تُضيء على السواحلْ
سأقول في التحقيق
إن اللص أصبح يرتدي ثوبَ المقاتلْ
وأقول في التحقيق
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاولْ
وأقولُ
إن حكاية الإشعاع أسخف نكتةٍ قيلتْ
فنحن قبيلة بين القبائلْ
هذا هو التاريخ يا بلقيسُ
كيف يُفرِّقُ الإنسانُ
ما بين الحدائق والمزابلْ
بلقيسُ
أيَّتها الشهيدةُ والقصيدةُ
والمطهَّرة النقيةْ
سبأٌ تبحثُ عن مليكتها
فرُدِّي للجماهير التحيةْ
يا أعظمَ الملكاتِ
يا امرأةً تُجسّدُ كل أمجادِ العصور السومريةْ
بلقيسُ
يا عصفورتي الأحلى
ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعةً تناثرَ فوق خد المجدليةْ
أَتُرى ظلمتكِ إذْ نقلتكِ
ذاتَ يومٍ من ضفاف الأعظميةْ
بيروتُ تقتلُ كل يومٍ واحدًا مِنَّا
وتبحثُ كل يومٍ عن ضحيةٍ
والموتُ في فنجانِ قهوتنا
وفي مفتاح شقتنا
وفي أزهار شرفتنا
وفي ورق الجرائد
والحروف الأبجديةْ
ها نحنُ يا بلقيسُ
ندخلُ مرةً أخرى لعصر الجاهليةْ
ها نحنُ ندخلُ في التوحش
والتخلف والبشاعة والوضاعة
ندخلُ مرةً أخرى عصور البربريةْ
حيث الكتابةُ رحلةٌ
بين الشظية والشظيةْ
حيث اغتيالُ فراشةٍ في حقليها
صار القضيةْ
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ
فهي أهمُّ ما كَتبوه في كُتبِ الغرامْ
كانت مزيجًا رائعًا
بين القطيفة والرخامْ
كان البنفسجُ بين عينيها
ينامُ ولا ينامْ
بلقيسُ
يا عطرَ ذاكرتي
ويا قبرًا يسافر في الغمام
قتلوكِ في بيروتَ مثل أي غزالةٍ
من بعدما قَتَلوا الكلامْ
زهرة الحزن
قاسم حداد وُلِد في البحرين عام 1948م، ودرس في مدارس البحرين حتى السنة الثانية ثانوية. بدأ العمل في المكتبة العامة من عام 1968م حتى عام 1975م، وله العديد من الأشعار الحزينة من بينها:
هذه الهاربة العينين والجرح الذي يضحك
أمي
هذه الخاصرة التعبى من الحزن وبرد
الجهة الأخرى ومني
هي أمي
هذه الثلجية القدمين
من حوَّل هذا الليل قنديلاً يغني
آه يا أمي
لقد أعطيتني صوتًا له طعم الملايين
التي تمشي إلى الشمس وتبني
كنت في صدرك عصفورًا
رمته النار سمته يداً تخضر
ها عصفورك الناري في السجن يغني
أنت يا هاربة العينين والجرح الذي يضحك
اغني
ليس بين الضوء والأرض التي تمشي وتحتار وبيني
غير هذا الأفق المحمر والوقت وأمي
آه يا أمي التي خاطت لي الثوب بعينيها
لماذا لا يمر الثوب بالسجن
لماذا لا تخيطين لنا أثوابنا الأخرى
تمدين المناديل التي تمسح حزني
ولم الرعب الذي حولني شعراً
على جدران سجني
لا يحيل الشجر الشوكي في أحداقك التعبى
عصافير تغني
آه يا هاربة العينين يا العرس الذي يبكي
أنا منك كلام طالع كالبرق من ليل الأساطير
وأنت وردة العمر التي تطلع مني
فلماذا يهرب الحزن إلى خديك يا زهرة حزني
ولماذا
وطن يلبس قبل النوم تاريخًا
وبعد النوم تاريخًا ويستيقظ بعد
الموعد المضروب لا يعرف بابًا للدخول
وطني هذا حلَ الظاهرة في خارطة
البحر استوت رملاً لماذا
وطني هذا أم الثورة صارت نهرًا للدم
هذا وطن لا يخجل الآن من الألوان
والصورة بالأسود والأبيض
هل يذكر هل تختلط الألوان
في عين بلادي هل أقول
وطني الآن بلا نافذة
يدخل السُواح من باب على السوق
يبيعون بلادي
وأنا منفلت أبتكر الأطفال والشعر
بلادي تخلع الأستار في الليل
كما قال صديقي
وصديقي كان لا يخجل من عورات
هذا الوطن الواقف في الحلق
لماذا تخجلون
وطن أتخمه الجوع فهل تأخذه الغفوة
وطني هذا أم الغربة أم قائمة البحر
أم الغاب أم القافلة الغاربة الآن
أم الأم التي تنسج ثوبًا للسجون
والتي تدخل في وجه بلادي في المساء
تخرج الآن مع الحلم
وهذا وطني هذي بلادي هذه أمي
لا أدري حدود الوطن الأم
البلاد
لك يا هاربة العينين والجرح الذي
يرقص في الحزن أغاني الجديدة
أنت في ذاكرة التاريخ ورد عاصف يأتي
وفي السجن قصيدة