المطر الأول
تحت رذاذ المطر الخفيف،
كانت شفتاها كزهرة تتفتح على بشرتي،
كما كانت عيناها أفقي يمتد من الماضي
إلى آمالي المستقبل.
كانت تلك الحبيبة لي،
هي تعويضي عن الفقد والفراق،
بعد أن احتواها القبر.
أتيت إليها مسافراً،
من شعلة المنجل،
وأناشيد تستمد قوتها من أعماق أبي،
تفيض بالمشاعر وتحفر في قلبي.
كان لي حديقة وأمانة في المطر الأول،
يا ذات العيون الداكنة،
كان لي معطف صوفي وبذور،
في عتبة بوابتك المفقودة،
عشت ليلاً ونهاراً.
لقد سألتني عن مواعيد كتبناها،
على دفتر من الطين،
وعن مناخ بلاد بعيدة،
وعن جسر اللاجئين،
وعن الأرض التي تحملها
في ثمرة تين،
سألتني عن المرايا المكسورة،
التي انفصلنا عنها منذ سنوات،
عندما ودعتها عند مدخل الميناء.
كانت شفتاها قبلة،
تخترق جلدي كصليب من الياسمين.
تذكرتُ ليلى والسنين الماضية
تذكرت ليلى وأياماً مضت،
أيام لم نخف فيها من اللهو،
ويوم كظل رمح، قصر ظله،
بالحديث عن ليلى حيث أنستني.
في ثمدين، لاحت نار وجه ليلى ورفاقها،
في ذات الجبال، تفوح منها رائحة القادم.
قال الرائد: ألمحتُ نجماً،
يظهر في ظلام الليل وحده،
فقلت: بل إنها نار ليلى التي تأججت،
في الأفق تشرق ضوءها لي.
ليت ركب القوم لم يقطعوا تلك الجبال،
وليته مشى ليلاً بأريجها.
يا ليل، كم من حاجات مهمة لي،
عندما أتيتُكم في الليل لم أعرف أسبابها.
يا صديقتي، إذا لم تبكياني، سأطلب
صديقاً يتفهم دموعي.
ما أستطيع أن أذكر أشعارا إلا بقدرة الشفاء،
فقد يجمع الله بين المحبين بعد أن
يظنان اعتقدوا أنهم لن يلتقوا مرة أخرى.
رحم الله أقواماً يقولون إننا
قد وجدنا على مر الأزمنة شفاءً للحب.
جمالها يتجدد كل يوم
جمالها يتجدد في كل لحظة،
لذا فإن عشقها لا يُحدد.
إن حُبي كجمالها لا ينتهي،
ومعاناتي كهجرها لا تنفد.
غير أن الخيال يأتي مثاراً من
طول انتظاري.
كان ذاك الخيال في عيني، لكن
عطره تعلق على يدي.
فتاة لها العادات فينا،
ولكل زمانٍ ما تعود.
هي بلا شك معاصر، إلا أن
ما فيها يقول لي: هي أمرأة رائعة.
حملت زينة الفيرق فوق العنق،
في عينيها جميل الحسن.
قد روى سحرها نورها فهو يجتذب
كل يومٍ من حولينا طيف الحسن.
وقد سمعنا من شفتيها
كلمات سحري، وفمها المرصع ينثر الفتنة.
كحل الجفن ممزوج بجمالها،
فقد شربنا من نخبها المولّد.
هي من جمالها تُميت وتُحيي،
ومن نعومتها تُحلّ وتُعقد.
إذا أظهرت لنا وجهها، وطأعت،
وأطلعتنا على جانب من شجرة الصّد،
فتنتني بأقحوان مبلل،
وجعلتني أسكن في عالم الياسمين.
وسعتني بالسحر لتبادل قتلي، لكن لم تعلم
بأني مُعزز بالمؤيد.
من رآه فقد تأيد، لكن
كرمه يبقى ثابتاً.
ملكٌ جوده يقرب منا،
كما أن فضلُه إلينا تزايد.
يهدي الحائرين في ظلام الليل
بنورٍ من دين محمد.
قد كسا الله جمالاً، لكن
في انتصاره على دينه حقق الأفضل.
أنقذ الدين بعزيمته، لذا فإن
ذِكره في الزمان مخلد ومكرّم.
هو أقوى مما تتدثر به الشمس،
وهو أعمق من القلوب الشجاعة.
فالهُم بوجه مُشرق وعز قوي،
فقد أتى في عيد يتجدد،
فلنا المعروف والعطاء،
وله المديح وثناء مستمر.
أحبكِ حتى ترتفع السماء قليلاً
ليستعيد جسدي عافيته،
وكلماتي تعود إلى صفائها،
وأخرج من غلاف التلوث
الذي يكتنف قلبي.
فالأرض بدونكِ
هي كذبة كبيرة،
وتفاحة فاسدة.
حتى أدخل في دائرة الياسمين،
وأدافع عن حضارة الشعر،
وزُرقة البحر،
وانسيابية الغابات.
أريد أن أحبكِ
حتى أطمئن أنكِ بخير،
لا يزال قلبك ينبض بالحياة.
وأسمائي التي تتراقص في دمي
لا زالت بخير.
أريد أن أحبكِ
حتى أرتاح من وطأة المستنقع،
وملوحة دمعي،
وتصلب أناملي.
أريد أن أشعر بألوان الحياة،
وبمدى قدرتي على بكاء الفرح.
أريد أن أحبكِ
حتى أستعيد تفاصيل منزلنا الدمشقي،
غرفةً غرفةً،
وبلاطةً بلاطةً،
وحمامةً حمامةً،
وأتحدث مع خمسين ورقة فُل،
كما يعرض الصائغ أصدافه.
أريد أن أحبكِ، يا سيدة القلب،
في زمنٍ
أصبح فيه الحب مُصاباً بالعجز،
واللغة تُعاني من العزلة.
وكتب الشعر مُعاقات.
فلا الأشجار قادرة على الوقوف على أرجلها،
ولا العصافير قادرة على استخدام أجنحتها،
ولا النجوم قادرة على الانتقال.
أريد أن أحبكِ،
بين غزلان الحرية،
وأحدث رسالة من عشيق،
وتُشَنقَ آخر قصيدة
مكتوبة باللغة العربية.
قلبي يعبر عن الحب المضطرب
قلبي من الحب لا يتوقف،
يعيش على أهواء الجمال،
وإن اتصل بي الأحباب،
فقلبي يشكوه حاله.
قلبي يهتم بحالتي،
يعاني في خفايا آلام الأماني.
من عمق الحب قد تسرب الدمع،
حتى ارتشف من ماءه،
وأحلامي قد تأرجحت في بحر بلا إرساء،
في تجاعيد الذاكرة.
وأنا أتعهد بأن أستمرحب،
وأن أعود لأمي، لترجعني لحضنها.
وكلما مر الوقت، أستعيد ذكرى تلك النوبة،
وأناديني وأدعو لي.
إلى ذاك الحبيب الذي قد غاب،
ليرجع لي بحضوره،
لأستعيد بقايا الحنين.
فلا تنفك العواطف تُعيد نبض القلب،
بداخلي، لحظة غيابك.