قصيدة خفت نار نفسي باشتعال مفارقي
يقول الإمام الشافعي:
خفت نار نفسي باشتعال مفارقي
أظلمت ليلي عندما أضاء شهابها
أيا بومةً قد عششت فوق هامتي
رغمًا عني حين طار غُرابها
رأيت خراب العمر مني فزرتني
ومأواك من كل ديار خرابها
أأنعمُ بعيشٍ بعد أن حل عاري
طلائعُ شيبٍ ليس يغني خضابها؟
وعزة عمر المرء قبل مشيبه
وقد فنيت نفسٌ تولى شبابها
إذا اصفر لون المرء وابيض شعره
تنغص من أيامه مستطابها
فدع عنك سواءات الأمور فإنها
حرامٌ على نفس التقي ارتكابها
وأد زكاة الجاه واعلم بأنها
كمثل زكاة المال تم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام اكتسابها
ولا تمش في منكب الأرض فاخراً
فإنه بعد قليل يحتويك ترابها
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها
وسيق إلينا عذُبها وعذابها
فلم أرها إلا غرورًا وباطلًا
كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة
عليها كلابٌ همهم اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها
فطوبى لنفس أودعت قعر دارها
مغلقة الأبواب مرخى حجابها
قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء
من الأبيات الشعرية التي تحمل الحكمة للإمام الشافعي قصيدة “دع الأيام تفعل ما تشاء”، ويقول فيها:
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لنازلة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلاً على الأهوال جلدًا
وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
تستتر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعداء قط ذلا
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترجو السماحة من بخيل
فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنين
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواء
قصيدة أحبك حتى ترتفع السماء
يقول نزار قباني:
كي أستعيد عافيتي وعافية كلماتي. وأخرج من حزام التلوث الذي يلف قلبي. الأرض بدونك كذبة كبيرة.. وتفاحة فاسدة.. حتى أدخل في دين الياسمين وأدافع عن حضارة الشعر. وزرقة البحر.. واخضرار الغابات. أريد أن أحبك حتى أطمئن.. لا تزالين بخير.. لا تزالين بخير.. وأسماك الشعر التي تسبح في دمي لا تزال بخير.. أريد أن أحبك.. حتى أتخلص من يباسي.. وملوحتي.. وتكلس أصابعي.. وفراشاتي الملونة وقدرتي على البكاء.. أريد أن أحبك حتى أسترجع تفاصيل بيتنا الدمشقي: غرفةً.. غرفةً.. بلاطةً.. بلاطةً.. حمامةً.. حمامةً.. وأتكلم مع خمسين صفحية فُلّ كما يستعرض الصائغ. أريد أن أحبك، يا سيدتي في زمن.. أصبح فيه الحب معاقًا.. واللغة معاقة.. وكتب الشعر، معاقة.. فلا الأشجار قادرة على الوقوف على قدميها ولا العصافير قادرة على استعمال أجنحتها. ولا النجوم قادرة على التنقل.. أريد أن أحبك من غزلان الحرية.. وآخر رسالة من رسائل المحبين وتشنق آخر قصيدة مكتوبة باللغة العربية.. أريد أن أحبك.. قبل أن يصدر مرسوم فاشيستي وأريد أن تناول فنجانًا من القهوة معك.. وأريد أن أجلس معك.. لدقيقتين قبل أن تسحب الشرطة السرية من تحتنا الكراسي.. وأريد أن أعانقك قبل أن يلقوا القبض على فمي.. وذراعي.. وأريد أن أبكي بين يديك قبل أن يفرضوا ضريبة جمركية على دموعي.. أريد أن أحبك، يا سيدتي وأغير التقاويم وأعيد تسمية الشهور والأيام وأضبط ساعات العالم.. على إيقاع خطواتك ورائحة عطرك.. التي تدخل إلى المقهى.. قبل دخولك.. إني أحبك، يا سيدتي دفاعًا عن حق الفرس.. في أن تصهل كما تشاء.. وحق المرأة.. في أن تختار فارسها كما تشاء.. وحق الشجرة في أن تغير أوراقها وحق الشعوب في أن تغير حكامها متى تشاء.. أريد أن أحبك.. حتى أعيد إلى بيروت، رأسها المقطوع.. وإلى بحرها، معطفها الأزرق.. وإلى شعرائها.. دفاترهم المحترقة.. أريد أن أعيد تشايكوفسكي.. بجعته البيضاء.. وبول إيلوار.. مفاتيح باريس.. وفان غوخ.. زهرة (دوار الشمس).. ولأراغون.. (عيون إلزا).. ولقيس بن الملوح.. أمشاط ليلى العامرية.. أريدكِ أن تكوني حبيبتي حتى تنتصر القصيدة.. على المسدس الكاتم للصوت.. وينتصر التلاميذ.. وتنتصر الوردة.. وتنتصر المكتبات.. على مصانع الأسلحة.. أريد أن أحبك حتى أستعيد الأشياء التي تشبهنيو والأشجار التي كانت تتبعني.. والقطط الشامية التي كانت تخرمشني.. والكتابات.. التي كانت تكتبني.. أريد.. أن أفتح كل الجوارير التي كانت أمي تخبئ فيها خاتم زواجها.. ومسبحتها الحجازية.. بقيت تحتفظ بها.. منذ يوم ولادتي.. كل شيء يا سيدتي دخل في (الكومَا) فالأقمار الصناعية انتصرت على قمر الشعراء والحاسبات الإلكترونية تفوقت على نشيد الإنشاد.. وبابلو نيرودا. أريد أن أحبك، يا سيدتي.. قبل أن يصبح قلبي.. قطعة غيار تُباع في الصيدليات.. فأطباء القلوب في (كليفلاند) يصنعون القلوب بالجملة كما تُصنع الأحذية..
قصيدة محب لكم من هجركم يتوجع
يقول لسان الدين بن الخطيب:
مُحبٌّ لكم من هجركم يتوجع
نديماه منذ غبتم أسا وتفجع
سرى نفسًا عنكم فأضحى ونفسه
تذوب جوىً من طرفه فهي أدمع
أأحبابنا حتى الخيال قطعتُم
عذرتكم بل مقلتي ليس تهجع
فلا وحياة القرب لم أنس عهدكم
ولو أنني في البعد بالروح أفجع
سلوا النجم يشهد أنني بتت ساهداً
وإلا الدجي هل طاب لي فيه مضجع
أطالع أسفار الحديث تشاغلاً
لأقطع أسفاري بخبر يجمع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنا
وفي الليل ما لي مؤنس يتوجع
سوى أنني أبكي عليكم وأشتكي
إلى من يرى ما في الضمير ويسمع
يذكرني سلع ورامة عهدكم
ولكن بأشجاني أغص وأجرع
وقد أشبه الدمع العقيق بسفحه
فها هو أضحى من عيوني ينبع
عسى أن يعود الوصل قالت عواذلي
وكم ذا أمارِيهم وهيهات أن يعوا
نعم إن أعيش عاد الوصال مهنأً
ومن ذا الذي في البين بالعيش يطمع
ترى هل ألاقي زين خاتون بعدما
تناعت بنا السكنى وعاد المودع
وهل ألتقي تلك الطفيلة فرحةً
قريبًا كما فارقتُها وهي ترضع
صغيرة سن نابها أمر فرقتي
فمن أجلها سن الندامة يقرع
فوالله ما فارقتهم عن ملالة
وهل ملَّ ظامٍ مورداً فيه يشرع
ولكن ضيق العيش أوجب غربيتي
وسعيي لهم في الأرض كي يتوسعوا
فإن يسر الله الكريم بلطفه
رجعت ومثلي بالمسرّة يرجع
فيا عاذلي رفقاً بقلبى فإنه
على دون من فارقتُ يبكي ويجزع
مشيب وهم وانكسار وغربة
ومن دون ذا صمُّ الصفا يتصدع
صبرت على تجريعي الصبر لعله
شفائي فكان الصبر ما أتجرع
بليت بخصم ظل للحين حاكمي
أذل له من بعد عزي وأخضع
وأجمل ما عندي السكون لأنني
لمن أتشكى أو لمن أتعرض
أغب مزارى أحمِل الثقل عنهم
وأخضع والأيام لي ليس تخضع
وفضل فلان الدين عم ووجهه
لغيري يبدي الابتسامة ويسطع
أحاشيه أن يرضى بشكواي عامداً
وإني بما قد دل أو قل أقنع
إلى ابن علي قد رفعت قضيتي
وأرجو بهذا أن قدري يرفع
إلى الأوحَد القاضي الأجل ومن له
ثناءٌ تفوق المسك إذ يتضوع
رئيس إذا ما استبطأ الوفد جود من
أتوه أتاهُم جوده يتسارع
وفيه مع القدر العلي تواضع
وفيه عن الفعل الدني ترفع
وذي همة تفرى السيوف وإنها
لأمضى من السيف اليماني وأقطع
وحلم حكاه الطود والطود شامخ
يعز لديه المستجير ويمنع
وجود حكاه الغيث والغيث هامر
ولكن على طول المدى ليس يمنع
رئيس إذا أنشدته مدحك انثنى
وفي وجهه نور من البشر يلمع
تواضع لما لاح يمشي على الثرى
فوق الثريا كم له ثم مطلع
له قلم في مدةٍ من مداده
يعظم أحباباً وللضد يقمع
يفوح ويجنى يطرب الصحب يطعن ال
عدى فهو عود فضلُهُ متنوع
فلا قاطع حبلاً لمن هو واصل
ولا واصل حبلاً لمن هو يقطع
أيا ابن الكرام اسمع شكاية مفرد
غريب له في بحر جودك مشرع
لقد ضاقت الدنيا عليّ برحبها
وإن ضاقت الدنيا فعفوك أوسع
ولي فيك ودٌ ما يزعزعه الجفا
وهل زعزعت صمَّ الرواسي زعزع
فإن لم تعامل مثل عبدك بالرضى
فمن فيه بعدي للصنيعة موضع
لئن كنت قد بلِّغت عني مقالةً
لمبلغك الواشي أغش وأخدع
رأوك إلى ما ساء عبدك مسرعًا
فقالوا وزادوا ما أرادوا وأسرعوا
ولو كنت ترعى الود ما مِلت نحوهم
بسمع رعاكَ الله دهرًا ولا رعا
وكيف يعادي آل بيتك عاقل
وآل علي للمولاة موضع
لظهرُكَ أحمى من محيا عدوّه
ويسراكَ من يمناه أندى وأنفع
سأثني عليك الدهر ما أنت أهلُهُ
وبحر امتناضي زاخِرٌ فيكَ مترع
وقل لي إذا لم تنخدع بمادحي
ألم تتأكد أن من جاد يخدع
ومن يزرع النعما بأرضٍ كريمةٍ
سيحصد أضعاف الذي ظل يزرع
وما الشعر إلا دون قدرك قدره
وما يستوي في القدر باعٌ وإصبع
ولكنما سنّ الكرام استماعه
وتعظيم منشيه الذي يتصنع
وما كل من قال القريض أجاد في
المقال ولا كل المجيدين مبدع
فهاك قصيدًا شجعتني صفاتكم
عليها ففاقة كل ما قال أشجع
ودم في سعدات وعز ونعمة
تقارِع أبكار المعالي وتفرع
ولا رافع قدر لمن أنت واضع
ولا واضع قدر لمن أنت ترفع