شعر المتنبي في الغزل
في عينيك ما يمرّ به القلب وما واجهته، وللحب ما تبقى مني وما زال موجودًا. لم أكن من الذين يدخل العشق قلوبهم، ولكن من ينظر إلى جفونك يعشق. وبين الرضا والسخط، والقرب والبعاد، مجال لدمع العين المتراقص. وأجمل الحب ما شكك في وصاله، وفي الفراق فهو الأمل الذي يسعى ويتوق.
مغرم في سكر الإدلال، شفعتي إليّ من شبابي بصوتك الرقيق، وسحر ابتسامتك الواضحة. سترت وجهي عنه فقبل شعري. وأرتادتني غزلان كجيدك فلم أتبين الفرق بين عاطل ومطوق. وليس كل من يحب يعف عندما يكون وحده، عفتُ ورضيت الحب والخيول تلتقي.
سقى الله أيام الصبا ما يسرها، ويفعل فعل البابلي المعمّر. عندما تلبسين الزمن مستمتعة به، تتشققين بينما الثياب لم تتشقق. ولم أرَ كالأعين يوم فراقهم، إذ بعثت بكل ما في القلوب من الم وألم.
أدرت عيونًا مبهوتة، كأنها مركبة أعينها فوق الزئبق، مساء يبعُدنا عن النظر إلى البكاء، وعن لذة الوداع خوفًا من الفراق. نودعهم والبُعد فينا كأنما هو رمح ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق.
قواضي مواضٍ نسج داود عندها، إذا سقطت فيها كنسج الخدرنق. هوادٍ لأمراء الجيوش كأنها تختار أرواح الأبطال. تقطع إليهم كل درع وجوشن، وتفري إليهم كل سور وخندق. تغزو بها بين اللوقان وواسط، وتتركها بين الفرات وجلق، وترجعها حمراء كأنها دماء من إحسان المتدقق.
فلا تبلغه ما أقول، فإنه شجاع، كلما ذُكر الطعن اشتاق. ضروب بأطراف السيوف بنانته، تلعب بأطراف الكلام المتشقق. كسائل يسأل الغيث نقطة، كعاذل قال للفلك ارْفق. لقد جُدتَ حتى جُدتَ في كل ملّة، وحتى أتاك الحمد من كل منطق.
رأى ملك الروم إقبالَك للنّدى، فقام مقام المجتدي المتملق. وخلى الرماح السمهري صاغرًا لأدرب منه بالطعن وأحذق. وكاتب من أرض بعيدة مرادها قريب على خيل حواليك سبق. وقد سار في مسراك منها رسوله، فما سار إلا فوق هامات مثقوبة.
فلما دنا أخفى عليه مكانه، شعاع الحديد البارق المتألق. وأقبل يمشي في البساط فما درى، إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي. ولم يثنِك الأعداء عن مهجاتهم، بمثل خضوع في كلام منمق. وإذا كنتَ قد كاتبته قبل هذه، كتبت إليه في قذال الدمسق.
فإن تعطه منك الأمان فاسئل، وإن تعطه حد الحسام فأخلق. وهل ترك البيض الصوارم منهم، حبيسًا لفادي أو رقيقًا لمعتق؟ لقد وردوا ورد القضا شفراته، ومروا عليها رصدقاً بعد رصدق. بلغت بسيف الدولة النور رتبةً، أنرت بها ما بين غرب وشرق.
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق، أراه غباري ثم قال له الحق. وما كمد الحسّاد شيء قصدته، ولكنه من يزحم البحر يغرق. ويمتحن الناس الأمير برأيه، ويغضي على علم بكل مخرق. وإطراق طرف العين ليس بنافع، إذا كان طرف القلب ليس بمطرق.
فيا أيها المطلوب جاوره تمنع، ويا أيها المحروم يممه ترزق. ويا أجبن الفرسان صاحبه تجترأ، ويا أشجع الشجعان فارقه تفرق. إذا سعت الأعداء في كيد مجده، سعى جده في كيدهم سعي محنق. وما ينصر الفضل المبين على العدوى، إذا لم يكن فضل السعيد الموفق.
شعر نزار قباني في الغزل
أحبك جدًا، وأعلم أن الطريق إلى المستحيل طويل. وأعلم أنكِ سيدة النساء، وليس لي بديل. وأعلم أن زمن الحنين انتهى، ومات الكلام الجميل. لستِ النساء ماذا نقول؟ أحبك جدًا.
أحبك جدًا، وأعلم أني أعيش في منفى وأنتِ في منفى، وبيننا ريح وغيم وبرق ورعد وثلج ونار. وأعلم أن الوصول لعينيك وهم، وأعلم أن الوصول إليك انتحار. ويسعدني أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية، ولو خيروني، لكررت حبك للمرة الثانية.
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر، أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر. أحبك جدًا، وأعلم أني أسافر في بحر عينيك دون يقين، وأترك عقلي ورائي وأركض، أركض خلف جنوني.
أما امرأة تمسك القلب بين يديها، سألتك بالله لا تتركيني. لا تتركيني، فماذا أكون أنا إذا لم تكوني؟ أحبك جدًا، وجدًا وجدًا، وأرفض من نار حبك أن أستقيل، وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيل؟ وما يهمني إن خرجت من الحب حيًا، وما يهمني إن خرجت قتيلاً.
شعر ابن جرير في الغزل
لقد كتمتُ الهوى حتى هيمنني، لا أستطيع لهذا الحب كتمانًا. كاد الهوى يوم سلمانين يقتلني، وكاد يقتلني يومًا ببيدانا. وكاد يوم لوى حواء يقتلني، لو كنت من زفرات البين قرحانا.
لا بارك الله فيمن كان يحسبكم، إلا على العهد حتى كان ما كانا. من حبكم فاعلمي للحب منزلة، نهوى أميركم، لو كان يهوانا. لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياكِ من أسباب دنيانا.
يا أم عثمان إن الحب عن عرض، يصبى الحليم ويبكي العين أحيانًا. ضنت بمورد كانتا لنا شرعًا، تشفي صدَى مستهام القلب صديانًا. كيف التلاقي ولا بالقيظ محضركم، منا قريب ولا مبداءك مبدانًا؟
نهوى ثرى العرق إذ لم نلق بعدكم، كالعُرق عرقًا ولا السلان سلانا. ما أحدث الدهر مما تعلمون لكم، للحبل صرمًا ولا للعهد نسيانًا. أبُدل الليل، لا تسري كواكبه، أم طال حتى حسبتُ النجم حيرانًا.
يا رب عائدة بالغور لو شهدت، عزّت عليها بدير اللج شكوانا. إن العيون التي في طرفها حور، قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا.
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به، وهن أضعف خلق الله أركانًا. يا رب غابطنا، لو كان يطلبكم، لا قَى مباعَدة مِنكم وحرمانًا. أرَيْنَهُ الموت حتى لا حياة به؛ قد كن دننك قبل اليوم أديانًا.
طار الفؤاد مع الخود التي طرقتْ، في النوم طيبة الأعطاف مبدانا. مثلوجة الريق بعد النوم واضعة، عن ذي مثان تمجُ المسك والبانا. قالت تعزفان القوم قد جعلوا، دون الزيارة أبوابًا وخزانا.
لمّا تبيّنتُ أن قد حيل دونهم، ظلت عساكر مثل الموت تغشانا.
شعر أحمد شوقي في الغزل
لقد لامني يا هند في الحب لائمٌ، محبٌ إذا عدد الصحاب حبيب.
فما هو بالواشي على مذهب الهوى، ولا هو في شرع الوداد مريب.
وصفَت له من أنتِ ثم جرى لنا، حديث يهم العاشقين عجيب.
وقلت له صبرًا فكل أخي هوى، على يد من يهوي غدًا سيتوب.