أروع قصائد الشاعر حامد زيد
تُعد قصائد الشاعر الخليجي حامد زيد باللهجة الخليجية من أجمل ما كتب في هذا النوع الأدبي، ومن أبرز قصائده ما يلي:
قصيدة أهل الجنوب
وأعيني كلما عذّبني هبوب الغربي،
تشرق أشعة الغروب التي تذوب أمامي.
ويا ويل حالي كلما تذكرت لون الغروب،
فأفكاري تعود إلى الريم اللعوب وذكريات ترحالها.
ويجرّ قلبي كلما تذكّرت الريم اللعوب،
حرمت نفسي من كل شيء لا أستطيع تحمّله.
منذ غادرت ريم الحب، انقطعت عن كل الدروب،
لا أعيب في جمال العذارى، لكن قلبها فراغ.
منذ رحيلها، لم أجد ما يسكن قلبي من الحور،
ولا عثرت على من تناسبني لأعيش من أجلها.
لأن القلوب التي لا تخلص لأحبابها ليست قلوبًا،
والعشرة التي لا تبث الروح فيها لا نبحث عنها.
أما الوفاء الذي يُخفي عيوب الرجل عن الأعين،
أو الجفاء الذي يُخفي عيوب العرب وبلادهم.
ما أقسى الفراق عن أهل الجنوب،
ويا حسرتي على من كلما زعلت شدت رحالها.
كلما غادرت، تشتعل الأوجاع في صدري،
عيّيت أراضيها، وتنكّرت لي بجدالها.
كانت دروبي متاهات تنتهي بلا نهاية،
كانت طريقي عندما احتجت إلى الهروب.
كانت السماء التي ألجأ إليها عند الضيق،
لماذا تتحدّاني وأنا في كل الأحوال مغلوبٌ؟
لماذا حرمتني من قهر أعدائي وأحزانهم؟
لماذا تتجاهلني وأنا ليس جبانًا ولا كاذبًا؟
لماذا أرخصت دموعي وأنا لم أبكِ إلا لأجلك؟
لا تُرحم من قضى عامًا في عذاب،
لا تُهزّ دموع الفقيد الذي دمّعته أطلالها.
لم تخاف من محو السنين التي بنيناها حجرًا حجرًا،
لم تفكّر في الشفقة على حالتي أو حالها.
قولوا لها: إذا لم تذوب، سأجعلها تذوب،
قولوا لها: إذا كنت بحاجة لي، سأجمع الجراح لها.
عندما أستطيع محو هذا الخطأ، سأمحو كل الذنوب،
وإذا أحضرت لي حسنة، سأكون شكرًا مضاعفًا لها.
سأعتبرها وطنيًا وأجمع من ضلوعي أممًا،
وأرقى بها إلى مكانة لم يصل إليها أحد.
إن كنت مخطئًا، فأنا لست خاليًا من العيوب،
فإن الذنب يُغفر والناس تُجزى بأعمالها.
الفراق قاسٍ، والبعاد يضيّق الصدر الرحب،
تعبت من البحث عن حيلة لأعيد وصالها.
قولوا لها تعود، فإني لست مغصوبًا على البعاد،
إلا أن أكون قد نذرت أنَّها لم تُشأ العودة.
أو فلتحذر من الهراء لترجع وتبدأ من جديد،
فقد اكتفيت من الزعل، فكل الظروف مغلقة من حولي.
لقد حمّلت الكثير من الهموم والأعباء،
يكفيني أنَّني كلما هبت الرياح على صدري،
تشتاق عيني إلى الجنوب وتتذكّر حالها،
والمشكلة أنني كلما حنّت عيوني إلى الجنوب،
تذكّرني الريم اللعوب وذكريات ترحالها.
وعزّ الله إنني كلما جاءني ذكرى الريم اللعوب،
حرمت الإقدام على شيءٍ لا أستطيع تحمّله.
قصيدة الجمهرة
مشكلتي أنني لم أكن قادرًا على حساب صدمتهم،
استقبلتهم في صدري على ذكرى قصيدة وصوت.
صوتٌ يعتلي المنبر وكلماته لا تشبه أي خطاب،
وطيبة تزعزعت في صوت الخطيب ومنبره.
ليس هناك دمعة سقطت من أعين الأحباب في وجهي،
ولا زرق حزنٍ على غاليٌ ولا تفجير خيانة.
كل الذكريات التي تحملها معي هي من أصحاب الفراق،
والذي تبقى لدي من عذاب هو أصعب الطرق.
لأنني اجتنب الغرق.. عديت من فوق السحاب،
فكثيرةٌ من صحبي ورق لم أرى لطيبتهم مثيلًا.
والله ما وضعت بين الحقد والأخوة حجاب،
حتى أصبح رفاقي يدفعوني إلى الضيق أشكرهم.
البارحة بدأت ثورة من عناء الأجسام.
الأمس كان ثقل دم مؤلم ومربك،
لأن الكوارث لا تأتي إلا من المقربين.
وفي هذا الزمن، حتى الصديق الذي تثق به، تحذره،
أحبّ يا وجه الحسد، كيف اجتمعوا ثم غابوا.
كيف السنين التي أعطتني بعثرتهم بعثرة،
لا بارك الله في رفيقٍ يزعله كلمة عتاب.
لا تجمع الله بين رجالٍ تفرقهم مرةً،
الصاحب الذي لا يأتي من صحبته إلا العذاب.
نذرت إن لم يهجرني، سأكون أنا الذي سأهجره،
من يفتح لي باب الفراق، سأفتح له عشرين بابًا.
وإذا كان صديقي لا يقدرني، فأنا لا أقدره،
عودت نفسي كلّما حزمت سوف أذهب بعيدًا.
لا أصل وجهي لطموحي إلا إذا اختمت خبره،
إن روّحوا فأنا بري منهم يوم الحساب.
وإن جرحوني، قولوا لهم لم يؤثروا فيّ شعرًا.
هل فيهم لهم حولًا السنّ، ولا أخذوا مني جوابًا؟
أفضل دواء لمن يحاول استفزازك، تجاهله،
ما كنت أهتم بهم صغارًا، أفعل ذلك لشبابهم.
الصاحب الذي لم أحفظه لليوم الأسود، لم أدخّره،
شفني ولّدت أوراقهم في كتاب وأغلقت الكتاب.
يا زمن اجمع ما تفرق، وزع ما تقدر،
مَن يخاف من العطش، يترك لنا فرار السراب.
والذي لم يكن في سن الظلام ووحشته لا يسهر.
بعد اكتئاب البارحة، لم أعد أنا الذي يحمل الاكتئاب.
الطيبة جرتني، وأنا لست بحاجة لجذبها،
أنا تجرعت العطش حتى احترق وجهي وذاب.
كسرت بخاطري قبل أن تكسر الصداقة،
أنا خسرت مَن غيابه كان مختلفًا عن كل الغياب.
غفرت لمن لا يستحق الغفران،
أنا أكثر إنسان تعلم من كثرة ما أخطأ وأصاب.
أنا آخر من يتحدث في زمن الثرثرة،
أنا القصيدة التي خرجت من دفترها بمليون ناب.
وأنا الوحيد الذي جمع مليون ناب في دفتره،
تجرحني السهرات، حيلي وهدّته المصاعب.
دمعي هدر، وضحكي نادر، وضيعت الكثير من عمري،
شيب بعقول العرب، هيبة الرؤوس تُهاب.
جمعّت ناسٍ عمرهم لم يعرفوا الجمهرة،
لم أكن ذئبًا إلا لأن الأذكياء تحدوني.
لم أغيب إلا لأن العفو عند المقدرة،
ترى حالتك لا تحمل لصديقك كلمة عتاب.
إذا لم تنطق بها بوجهه، فلا تذمه بظهره،
في هذا الزمن لا يمتلي عيون الحاسد إلا التراب.
وإلا المحظوظ، الطلقة التي لا تصيبه تذكره،
تودك حين تأتيك الغلطة من الناس القريبين.
الصديق الذي لم أكسب محبته، لن أخسره.
قصيدة حد علمي
حدّ علمي بالحب يوم كنت بأسوأ حال،
يوم كانت ضحكتي طبيعةً، وعنادي سمة.
حدّ علمي بالحب يوم خفاقي ضائع،
قبل أن أهدم العشق وأبنيه من جديد.
حدّ علمي بالبكاء يوم كان القلب يتألم،
قبل أن أرى المسلم يموت على يد المسلمة.
قبل أن أرى المسلم يموت على يد المسلمة.
ليلةٌ عذبتني دون أن تؤتيني شيئًا،
منذ أن عرفت إحساسها كان بمثابة إشارة.
واليوم المكتئب واضح من بدايته،
ليلةٌ شعرت بأنها لا تجرؤ ولا تحمي.
مثل طفلٍ لم أُحقره حين عجزت أن أحرجه،
وأصبحت قليل الحيلة وكسرت ظهر البعير.
وبدأ جراح الموت من حيث أنهيته،
صار لي بالنظر إلى الحب مالا كنت أتوقعه.
شعرت بالظلم من إنسان لم أكن لأظلمه،
الصديق الذي أصرّ أن أبتعد عن عذابه.
الحُسن عزز أخطائه، والحظ خدمه،
لا تبتسم فكسر النور بعيون المبصرين.
كن كالشمس المغربية، تضيء بابتسامتها،
متوازن في قامته لا طويلٌ ولا قصير.
ممتلىء بالجمال من معصم لآخر،
يرتدي بلوان جنسي مميز ومدهش.
مثلما للرمش في العين قصة مبهمة،
كأنها تلقي رايات على شط غدير.
ومثلما لمّ الشتات بالشتات البسيط،
مع سواد يتنبأ، ما يثور إلا يُثير.
كالأشخاخ التي ينهمر عليها الريح ثم يجري.
قصيدة الليالي السرمدية
منذ أن عرفت، يا ليالي السرمدية،
كان الوصول أغلى طموحات الشاب في ريعان شبابه.
والمهابة لم تتجلى إلا لنفوس رديئة،
ليت في قلب الليالي للشباب قيمة ومهابة.
دنيا تجمع صفات الخجل والكبرياء،
يوم أتتني تفحصني في زمن الجهالة.
جئتها رجلًا يتزين بتقاليد الصحابة،
تجود بالمهر ولا تبخل بالعذاب.
عشتها بقلب رحيم يكره الظلم ويهاب،
لكنني أدركت ما ستكون عليه النهاية، وآخر هدية.
صحيح أن القصائد للجريح عذابه الأول،
ومن عرفكَ يا ليالي، وأنت أكثر من الهوية.
ومَن يحلف بهذا التراب مقتنع بما حدث،
مَن له القدرة على فرض طموحه في هذه الشراسة؟
مَن يتجرأ على تركك، وأنت ترابٌ وعزيز؟
السؤال يتكرر، والإجابة ليست واضحة.
ليت والله ما تكونين جوابًا قاسيًا يا إجابة،
فالحبيب يخون أقرب الناس له، والصديق ينسى صديقه.
والقلوب التي تخالف ودادها أصبحت متشابهة،
والمعاني لا تجعل الطيبة، بل جود وحماية.
كلنا نضحك بوجهٍ مبتسم رغم الغدر والخداع!