قيس بن الملوح
يُعتبر قيس بن الملوح شاعراً عربياً رقيقاً عُرف بلقب “مجنون ليلى”، وذلك ليس بسبب جنونه، بل بسبب حبه الشديد لليلى العامرية، التي نشأ وتربى معها. واجه قيس رفض عائلتها لزواجه منها، مما دفعه للبدء في نظم الأشعار. وُلد قيس في منطقة نجد وعاش في القرن الأول الهجري في بادية العرب.
قصة حبه مع ليلى
تشير العديد من السير والتراجم إلى أن قيس بن الملوح كان في الواقع ابن عم ليلى. فقد نشأ الاثنان معاً في طفولتهما وتربيا برفقة بعضهما، حيث كانا يرعيان الأغنام في مرحلة الصبا. يظهر ذلك في شعره عندما قال:
تعلَقت ليلى وهي ذات تمائم
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا
إلى اليوم لم نكبر، ولم تكبر البهم
كما ذكر السيد فالح الحجيّة في كتابه (الغزل في الشعر العربي) أن قيس أحب ليلى، بنت سعد العامري، كونها ابنة عمه. نشأ الاثنان معاً وتشاركوا ذكريات الطفولة، فوقع الحب بينهما. ولكن مع مرور الزمن، وخصوصاً بعد بلوغ ليلى، قررت عائلتها حجبها عنه. وهكذا وجدت قيس يتذكر أيّام طفولته مع ليلى ويتمنى أن تعود تلك الأيام البريئة.
تقدم قيس بخطبة إلى عمه طالبًا يد ليلى بعد أن جهز مهراً كبيراً، حيث عرض خمسين ناقة حمراء. لكن أهلها رفضوا زواجها منه، فاتخذت العادات العربية من عشق المحبوب علنًا عاراً وفضيحة. ولا تزال بعض هذه العادات موجودة في بعض الأرياف. قيل إن الرفض جاء أيضا بسبب نزاع بين والديهما حول مسألة مالية، حيث اعتقد والد ليلى بأن عائلة قيس قد سرقت حقه.
في تلك الأثناء، تقدم ليلى خاطب آخر من قبيلة ثقيف يُدعى ورد بن محمد، وعرض عليها عشرة من الإبل وراعيها. اغتنم والد ليلى هذه الفرصة وزوجها منه على الرغم من رفضها. ورحلت ليلى مع زوجها إلى الطائف، بعيدًا عن قيس. يُقال إنه حين تم تقدم الخطيبين، أُعطيت ليلى الحق في الاختيار، ولكن أهلها هددوها بأنها إن لم تختار ورداً ستواجه العواقب. لذا، اختارت ورداً رغماً عنها.
وبعد ذلك، تاه قيس في الصحاري والغابات ينشد أشعاره ويتغنى بحبّه الضائع، حيث وُجد لاحقًا جثةً ملقاةً بين الحجارة.
أروع أبيات قيس بن الملوح
- أَلَيسَ اللَّيلُ يَجمَعُني وَلَيلى
كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني
تَرى وَضَحَ النَّهارِ كَما أَراهُ
وَيَعلوها النَّهارُ كَما عَلاني
- وقالوا لو تشاء سلوت
عنها فقلت لهم فانِّي لا أشَاءُ
وكيف وحبُّها عَلِقٌ بقلْبي
كما عَلِقَتْ بِأرْشِيَةٍ دِلاءُ
لها حبّ تنشّأ في فؤادي
فليس له-وإن زُجِرَ- انتِهاءُ
وعاذلة تقطعني ملاماً وفي
زجر العواذل لي بلاء
- ألاَ لا أرى وادي المياهِ يُثِيبُ
ولا النَّفْسُ عنْ وادي المياهِ تَطِيبُ
أحبّ هبوط الواديين وإنّني
لمشتهر بالواديين غريب
أحقاً عباد الله أن لست وارداً
ولا صادراً إلّا عليّ رقيب
ولا زائِراً فرداً ولا في جَماعَةٍ
من الناس إلا قيل أنت مريب
وهل ريبة في أن تحن نجيبة
إلى إلفها أو أن يَحِنّ نَجيبُ
وإنَّ الكَثِيبَ الفرْدَ مِنْ جانِبِ
الحِمى إليّ وإن لم آته لحبيب
ولا خير في الدّنيا إذا أنت لم تزر
حبيباً ولم يَطْرَبْ إليكَ حَبيبُ
لَئِن كَثُرَت رُقابُ لَيلى فَطالَما
لَهَوتُ بِلَيلى ما لَهُنَّ رَقيبُ
وَإِن حالَ يَأسٌ دونَ لَيلى فَرُبَّما
أَتى اليَأسُ دونَ الشَّيءِ وَهوَ حَبيبُ
وَمَنَّيتَني حَتّى إِذا ما رَأَيتِني
عَلى شَرَفٍ لِلنّاظِرينَ يَريبُ
صَدَدتِ وَأَشمَتِّ العُداةَ بِهَجرِنا
أَثابَكِ فيما تَصنَعينَ مُثيبُ
أُبَعِّدُ عَنكِ النَفسَ وَالنَّفْسُ صَبَّةٌ
بِذِكرِكِ وَالمَمشى إِلَيْكِ قَريبُ
مَخافَةَ أَن تَسعى الوُشاةُ بِظِنَّةٍ
وَأَكرَمُكُم أَن يَستَريبَ مُريبُ
فَقَد جَعَلَت نَفسي وَأَنتِ اِختَرَمتِها
وَكُنتِ أَعَزَّ النّاسِ عَنكِ تَطيبُ
فَلَو شِئتِ لَم أَغضَب عَلَيكِ وَلَم يَزَل
لَكِ الدَّهرَ مِنّي ما حَيِيتُ نَصيبُ
أَما وَالَّذي يَتلو السَّرائِرَ كُلَّها
وَيَعلَمُ ما تُبدي بِهِ وَتَغيبُ
لَقَد كُنتِ مِمَّن تَصطَفي النَّفسُ
خُلَّةً لَها دونَ خِلّانِ الصَّفاءِ حُجُبُ
وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّما
عَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ
تَلَجّينَ حَتّى يَذهبَ اليَأسُ بِالهَوى
وَحَتّى تَكادَ النَّفْسُ عَنكِ تَطيبُ
سَأَستَعطِفُ الأَيامَ فيكِ لَعَلَّها
بِيَومِ سُروري في هَواكِ تَؤوبُ
- لو سيل أهل الهوى من بعد موتهم
هل فرجت عنكم مذ متّم الكرب
لقال صادِقُهُمْ أنْ قد بَلِي جَسَدي
لكن نار الهوى في القلب تلتهب
جفّت مدامع عين الجسم حين بكى
وإنّ بالدّمع عين الرّوح تنسكب
- إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ
أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ
لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له حر
الصّبابة والأوجاع والوصب
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت
يا للرّجال فهل في الأرض مضطرب
البين يؤلمني والشّوق يجرحني
والدّار نازحة والشّمل منشعب
كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ
عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ
- فؤادي بين أضلاعي غريب
يُنادي مَن يُحبُّ فلا يُجيبُ
أحاط به البلاء فكل يوم
تقارعه الصّبابة والنّحيب
لقد جَلبَ البَلاءَ عليّ قلبي
فقلبي مذ علمت له جلوب
فإنْ تَكنِ القُلوبُ مثالَ قلبي
فلا كانَتْ إذاً تِلكَ القُلوبُ
- هوى صاحبي ريح الشّمال إذا جرت
وأهوى لنفسي أن تهبّ جنوب
فويلي على العُذّال ما يتركونني
بِغمِّي، أما في العَاذِلِين لبِيبُ
يقولون لو عزيت قلبك لا رعوى
فَقلْتُ وَهَلْ لِلعَاشقِينَ قُلُوبُ
دعاني الهوى والشّوق لمّا ترنّمت
هَتُوفُ الضُّحَى بَيْنَ الْغُصُونِ طرُوبُ
تُجَاوِبُ وُرْقاً إذْ أصَخْنَ لِصَوْتِهَا
فَكُلٌّ لِكُلٍّ مُسْعِدٌ وَمُجيبُ
فقلت حمام الأيك مالك باكياً
أَفارَقْتَ إلْفاً أَمْ جَفاكَ حَبِيبُ
تذكرني ليلى على بعد دارها
وليلى قتول للرّجال خلوب
وقد رابني أنّ الصّبابة لا تجيبني
وقد كان يدعوني الصّبا فأجيب
سَبَى القلْبَ إلاَّ أنَّ فيهِ تَجلُّداً
غزال بأعلى الماتحين ربيب
فكلم غزال الماتحين فإنّه
بِدَائِي وإنْ لَمْ يَشْفِنِي لَطَبِيبُ
فدومي على عهد فلست بزائل
عن العهد منكم ما أقام عسيب
- لَئن كَثُرَتْ رُقَّابُ لَيْلَى فَطالَمَا
لهوت بليلى ما لهن رقيب
وإن حال يأس دون ليلى فربّما
أتى اليأس دون الشّيء وهو حبيب
وَمَنَّيْتِنِي حَتَّى إذَا مَا رَأيْتِنِي
عَلَى شَرَفٍ لِلنَّاظِرينَ يرِيبُ
صَدَدْتِ وَأشمَتِّ الْعُدَاة َ بِهَجْرِنَا
أثابَكِ فِيمَا تَصْنَعِينَ مُثيِبُ
أُبَعِّدُ عَنْكِ الْنَّفْسَ والنَّفْسُ صَبَّةٌ
بِذكْرِكِ وَالمَمْشَى إليْك قَرِيبُ
مخافة أن تسعى الوشاة مظنة
وأُكْرمكُمْ أنْ يَسْتَريبَ مُريبُ
أما والذي يبلو السّرائر كلّها
ويعلم ما تبدي به وتغيب
لقد كنت ممّن تصطفي النّفس
حلة لَهَا دُون خُلاَّنِ الصَّفَاءِ حُجُوبُ
وَإنِّي لأَسْتَحْيِيكِ حَتَّى كَأنّما
عليّ بظهر الغيب منك رقيب
تلجين حتّى يذهب اليأس بالهوى
وَحَتَّى تَكادَ النَّفْسُ عَنْكِ تَطِيبُ
سأستعطف الأيام فيك لعلها
بِيَوْمِ سُرُوري في هَوَاك تَؤُوبُ
- ذكرتك والحجيج لهم ضجيج
بمكة والقلوب لها وجيب
فَقُلْتُ وَنَحْنُ فِي بَلدٍ حَرامٍ بِهِ
والله أُخْلِصَتِ القلُوبُ
أتوب إليك يا رحمن ممّا
عملت فقد تظاهرت الذّنوب
فأما من هوى ليلى وتركي
زِيارتَها فَإنِّي لا أَتوبُ
وكيف وعندها قلبي رهين
أتوب إليك منها أو أنيب
- أَحِنُّ إلى لَيْلَى وإنْ شَطَّتِ النَّوَى
بليلى كما حن اليراع المنشب
يقولون ليلى عذبتك بحبّها
ألا حبذا ذاك الحبيب المعذّب
- إن الغواني قتلت عشّاقها
ياليت من جهل الصّبابة ذاقها
في صدغهن عقارب يلسعننا
ما من لسعن بواجد ترياقها
إنّ الشّقاء عناق كل خريدة
كَالْخيْزُرَانة ِ لا نمَلُّ عِناقَهَا
بِيضٌ تُشبَّهُ بِالْحِقَاقِ ثُدِيُّهَا
من عاجة حكت الثّدي حقاقها
يدمي الحرير جلودهن وإنّما
يُكْسَيْنَ مِنْ حُللِ الْحرِيرِ رِقَاقَهَا
زَانَتْ رَوَادِفَهَا دِقاقُ خُصُورِهَا
إنّي أحب من الخصور دقاقها
إنَّ الَّتِي طَرَقَ الرِّجَالَ خَيَالُهَا
ما كنْتُ زائِرَهَا ولا طرَّاقَهَا
- عقرت على قبر الملوح ناقتي
بِذي الرَّمْث لَمَّا أنْ جَفاهُ أقارِبُهْ
فَقُلْتُ لها كُونِي عَقيراً فإنَّني
غداة غد ماش وبالأمس راكبه
فلا يُبْعِدنْكَ اللّه يابْنَ مُزَاحمٍ
فكُلُّ امْرِىءٍ لِلمَوْتِ لابُدّ َشاربُه
- سأبكي على ما فات منّي صبابة
وأندب أيام السّرور الذّواهب
وأمنع عيني أن تلذ بغيركم
وإنِّي وإنْ جَانَبْتُ غَيْرُ مُجانِبِ
وخير زمان كنت أرجو دنوه
رَمَتْنِي عُيُونُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
فأصبحت مرحوما ًوكنت محسداً
فصبراً على مكروهها والعواقب
ولم أرها إلا ثلاثاً على منى
وعَهْدِي بها عَذرَاءَ ذَاتَ ذَوَائِبِ
تبدت لنا كالشّمس تحت غمامة
بَدَا حاجِبٌ مِنْهَا وَضَنَّتْ بِحَاجِبِ
- شُغِفَ الفؤادُ بِجارةِ الْجَنْبِ
فَظَللْتُ ذا أسَفٍ وذا كَرْبٍ
يا جارتي أمسيت مالكة
روحي وغالبة على لبّي
- فو الله ثم الله إنّي لدائباً
أفكّر ما ذنبي إليك فأعجب
ووالله ما أدري علام هجرتني
وأي أمور فيك يا ليل أركب
أقُطَعُ حَبْلَ الْوَصْل، فالموْتُ دُونَه
أمْ أشرَبُ كأْساً مِنْكُمُ ليس يُشْرَبُ
أم اهرب حتّى لا أرى لي مجاوراً
أم افعل ماذا أم أبوح فأغلب
فلو تلتقي أرواحنا بعد موتنا
ومِنْ دُونِ رَمْسَينا منَ الأْرضِ مَنْكِبُ
لظلَّ صدَى رَمْسِي وإنْ كُنْتُ رِمَّةً
لصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ وَيَطربُ
قصائد قيس بن الملوح
يحتوي ديوان قيس بن الملوح على مجموعة من القصائد المؤثرة، وإليك بعضاً منها:
أيَا وَيْحَ مَنْ أمسَى يُخَلَّسُ عَقْلُهُ
أيَا وَيْحَ مَنْ أمسَى يُخَلَّسُ عَقْلُهُ
فأصبح مذموماً به كل مذهب
خَلِيّاً مِنَ الْخُلاَّنَ إلاَّ مُعَذَّباً
يضاحكني من كان يهوى تجنبي
إذا ذُكِرَتْ لَيْلَى عَقَلْتُ وَرَاجَعَتْ
روائع قلبي من هوى متشعب
وقالوا صحيح مابه طيف جنّة
ولا الهمُّ إلاَّ بِافْتِرَاءِ التَّكّذُّبِ
وَلِي سَقَطَاتٌ حِينَ أُغْفِلُ ذِكْرَهَا
يَغُوصُ عَلَيْها مَنْ أرَادَ تَعَقُّبي
وشاهد وجدي دمع عيني وحبّها
برى اللّحم عن أحناء عظمي ومنكبي
تجنبت ليلى أن يلج بي الهوى
وهيهات كان الحب قبل التجنب
فما مغزل أدماء بات غزالها
بِأسْفَل نِهْيٍ ذي عَرَارٍ وَحلَّبِ
بِأحْسَنَ مِنْ لِيْلَى وَلاَ أمُّ فَرْقَد
غَضِيضَة ُ طَرْفٍ رَعْيُهَا وَسْطَ رَبْرَبِ
نَظَرْتُ خِلاَلَ الرَّكْبِ فِي رَوْنَقِ الضُّحى
بِعَيْنَيْ قُطَامِيٍّ نَما فَوْقَ عُرْقُبِ
إلى ظعن تحدى كأن زهاءها
نَوَاعِمُ أثْلٍ أوْ سَعِيَّاتُ أثْلَبِ
وَلَمْ أرَ لَيْلى غَيْرَ مَوْقِفِ سَاعَةٍ
بِبَطْنِ مِنى تَرمِي جِمَارَ المُحَصَّبِ
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر
مَعَ الصُّبحِ في أعقاب نجْمٍ مُغرِّب
ألاَ إنَّمَا غَادَرْتِ يَاأمَّ مَالِكٍ
وَيُبدِي الحصى منها إذا قَذَفَتْ به
حَلَفْتُ بِمَنْ أرْسى ثَبِيراً مَكانَهُ
عَليْهِ َضَبابٌ مِثْلُ رَأْس المُعَصَّبِ
وما يسلك الموماة من كل نقصة
طليح كجفن السّيف تهدى لمركب
خَوارِج مِنْ نُعْمَانَ أوْ مِنْ سُفوحِهِ
إلى البيت أو يطلعن من نجد كبكب
لقد عشت من ليلى زماناًأحبها
أرى الموت منها في مجيئي ومذهبي
ولما رأت أن التّفرق فلتة
وأنا متى ما نفترق نتشعب
أشارت بموشوم كأن بنانه
من اللّين هداب الدّمقس المُهذّب.
يقولون ليْلى بالْعِرَاقِ مَريضةٌ
يقولون ليْلى بالْعِرَاقِ مَريضةٌ
فَمَا لَكَ لا تَضْنَى وأنْتَ صَديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فإنّني
على كل مرضى بالعراق شفيق
فإنْ تَكُ لَيْلَى بالْعِرَاقِ مَرِيضَةً
فإنّي في بحر الحتوف غريق
أهِيم بأقْطارِ البلادِ وعَرْضِهَا
ومالي إلى ليلى الغداة طريق
كأنَّ فُؤَادِي فِيهِ مُورٍ بِقادِحٍ
وفيه لهيب ساطع وبروق
إذا ذَكرَتْها النفْس مَاتَتْ صَبابَةً
لَها زَفْرَةٌ قَتَّالةٌ وَشَهِيقُ
سبتني شمس يخجل البدر نورها
ويكسف ضوء البرق وهو بروق
غُرابِيَّة الْفرْعَيْنِ بَدرِيَّةٌ السَنا
وَمَنظَرُها بَادِي الْجَمَال أنِيقُ
وَقد صِرْتُ مَجْنُوناً مِنَ الْحُبِّ
هَائِماً كأنِّيَ عانٍ في القُيُودِ وَثِيقُ
أظلّ رَزيحَ الْعَقْل مَا أُطْعَمُ الكرَى
وللقلب منّي أنّة وخفوق
بَرى حُبُّها جِسْمِي وَقلبِي وَمُهْجَتِي
فلم يبق إلا أعظم وعروق
فلاَ تعْذلُونِي إنْ هَلَكْتُ تَرَحَّمُوا
عَليَّ فَفَقْدُ الرُّوحِ ليْسَ يَعُوقُ
وخطوة على قبري إذا متّ واكتبوا
قَتِيلُ لِحاظٍ مَاتَ وَهوَ عَشِيقٌ
إلى اللّهِ أشْكُو مَا أُلاَقِي مِنَ الْهَوَى
بليلى ففي قلبي جوى وحريق
ألا أيُّهَا الشَّيْخُ الَّذِي مَا بِنَا يَرْضَى
ألا أيُّهَا الشَّيْخُ الَّذِي مَا بِنَا يَرْضَى
شقيت ولا هنيت في عيشك الغضا
شقيت كما أشقيتني وتركتني
أَهيمُ مع الهُلاَّك لا أُطْعَمُ الْغَمْضَا
أما والذي أبلى بليلى بليتي
وأصفى لليلى من مودتي المحضا
لأعطيت في ليلى الرضا من يبيعها
ولو أكثروا لومي ولو أكثروا القرضا
فكم ذاكر ليلى يعيش بكربة
فَيَنْفُضَ قَلْبِي حين يَذْكرُهَا نَفْضَا
وحق الهوى إني أحس من الهوى
على كبدي ناراً وفي أعظمي مرضا
كأنَّ فُؤادِي في مَخالِبِ طَائِرٍ
إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم
عليَّ فما تَزْدَادُ طُولاً ولاَ عَرْضَا
وأُغْشَى فَيُحمى لي مِنَ الأرْضِ مَضْجَعِي
وَأصْرَعُ أحْيَاناً فَألْتَزمُ الأرْضَا
رَضيتُ بقَتْلي في هَوَاها لأنَّني
أرَى حُبَّها حَتْماً وَطاعَتَها فَرْضَا
إذا ذُكِرَتْ لَيْلَى أهِيمُ بِذِكْرِهَا
وكانت مُنى نفسي وكنت لها أرضى
وأن رمت صبراً أو سلواً بغيرها
رأيت جميع النّاس من دونها بعضا.
أيَا هَجَرْ ليْلى قَدْ بَلغْتَ بِيَ المَدَى
أيَا هَجَرْ ليْلى قَدْ بَلغْتَ بِيَ المَدَى
وَزِدْتَ عَلَى ما لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الهَجْرُ
عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها
فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْننا سَكَنَ الدَّهْرُ
فَيَا حُبَّها زِدْنِي جَوى كُلَّ لَيْلَةٍ
ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها
وينبت في أطرافها الورق النّضر
وَوَجْهٍ لَهُ دِيبَاجَة قُرشِيَّةٌ
به تكشف البلوى ويستنزل القطر
ويهتز من تحت الثياب قوامها
كَما اهتزَّ غصنُ البانِ والفننُ النَّضْرُ
فيا حبَّذا الأحياءُ ما دمتِ فيهمِ
ويا حبذا الأموات إن ضمّك القبر
وإني لتعروني لذكراك نفضة
كمَا انْتَفضَ الْعُصْفُرُ بلَّلَهُ الْقَطْرُ
عسى إن حججنا واعتمرنا وحرمت
زِيارَة لَيْلَى أنْ يَكُونَ لَنَا الأَجْرُ
فما هو إلا أن أراه افجاءة
فَأُبْهَتُ لاَ عُرْفٌ لَدَيَّ وَلاَ نكْرُ
فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصا
وبالصّخرة الصّماء لانصدع الصّخر
ولو أن ما بي بالوحش لما رعت
وَلاَ سَاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهْرُ