احذر من شغف الدنيا
يقول الشاعر أبو العلاء المعري في قصيدته:
لا تسكن الدنيا فإن سكنها
سقمٌ يبرز الأجسام من أثوابها
أشعر بالخوف من شرورها، أنتظر
آلامها لا من لأكوابها
فلْتفعل النفس الجميل، لأنه
خيرٌ وأفضلٌ لا لأجل ثوابها
في بيته الحكيم الصادق
فأتوا بيوت القوم من أبوابها
والتباين بين الرؤساء يشهد مُقسمًا
إن المعاشر لم تهتدِ لصوابها
وإذا لصوص الأرض أعيوا والِياً
ألقى السؤال بها على توابها
حصدتها فلاةٌ للغنى فأصابها
نفرٌ وصارت الغيب عن جَوّابها
آوى الله الأنام فما أوى
لِمصاليحها ولا المؤابية
الحِرص لا يستعبد الأدب
كما يقول الشاعر أبو العتاهية:
ما استعبد الحِرص من له أدب
للرجل في الحرص همّة عجب
لله عقل الحريص كيف له
في كل ما لا يناله طلب
ما زال حرص الحريص يطعمه
في دركه الشيء دون العطب
ما طاب عيش الحريص قط ولا
فارقه التعس منه والنصب
البغي والحرص والهوا فتنٌ
لم ينجُ منها عجمٌ ولا عربُ
ليس على المرء في قناعته
إن هي صحّت أذى ولا نصب
من لم يكن بالكفاف مقتنعاً
لم تكفه الأرض كلها ذهبُ
من أمكن الشك من عزيمته
لم يزل الرأي منه يضطرب
أريك الرضا إذا ما أغلقت النفس بابها
وصف أبو الطيب المتنبي:
أريك الرضا لو أخفت النفس خافياً
وما أنا عن نفسي ولا عنك راضياً
أيُمنًا وإخلافًا وغدرًا وخسّةً
وجبناً أينشت لي أم مخازياً
تظن ابتساماتي رجاءً وغبطةً
وما أنا إلا ضاحكٌ من رجائيا
وتعجبني رجلاك في النعل إنني
رأيتُك ذا نعل إذا كنت حافياً
وإنك لا تدري ألونك أسودٌ
من الجهل أم قد صار أبيض صافياً
ويذكرني تخييط كعبك شقهُ
ومشيك في ثوب من الزيت عارياً
ولولا فضول الناس جئتُكَ مادحًا
بما كنت في سري به لك هاجياً
فأصبحت مسرورًا بما أنا مُنشداً
وإن كان بالإنشاد هجوك غالياً
فإن كنت لا خيراً أفدت فإنني
أفدتُ بلحظي مشفريك الملاهي
ومثلُك يُؤتى من بلاد بعيدةً
ليُضحك ربّات الحداد البواكيا
ألا عُدْ صباحاً يا الطلل البالي
يقول امرؤ القيس:
ألا عِم صباحاً أيها الطلل البالي
وهل يعمن من كان في العصور الخالية
وهل يعمن إلا سعيدٌ مُخلدٌ
قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وهل يعمن من كان أحدث عهده
ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
ديارٌ لسلمى عافياتٌ بذيلٍ
ألحَّ عليها كل أسحم هطّال
وتحسب سلمى لا تزال ترى طلّاً
من الوحش أو بيضاءً بمثائها مُحلال
وتحسب سلمى لا نزال كعهدٍ
بوادي الخزامى أو على رَسِ أَوْعال
ليالي سلمى إذ تريك مُنَصّبًا
وجيداً كجيد الرئم ليس بمِعطال
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وأن لا يُحسن اللهو أقراني
لمن طلل هاج الفؤاد المتيما
يقول جرير:
من طلل هاج الفؤاد المتيماً
همَّ بسلمانين أن يتكلما
أمنزلتي هند بناظرةً أسلما
وما راجع العرفان إلا توهماً
وقد أذنت هندُ حبيباً لتصرما
على طول ما بلى بهندٍ وهيمَا
وقد كان من شأن الغوي ظعائنٌ
رفعت الكُسا والعَبقري المُرقما
كأن رسوم الدار ريش حمامةٍ
مَحاها البِلى فاستعجمت أن تتكلما
طوى البين أسباب الوصال وحاولت
بكِنَهِل أسباب الهوى أن تتجذما
كأن جمال الحي سربلن يانعاً
من الوارد البطحاء من نخل ملهما
عظيم الناس من يبكي العظاما
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
عظيم الناس من يبكي العظاما
ويندبهم ولو كانوا عظاما
وأكرم من غمام عند محلٍ
فتى يُحيي بممدحته الكراما
وما عذر المقصرين عن جزاءٍ
وما يجزيهم إلى كلاما
فهل من مُبلغٍ غليوم عنّي
مقالاً مرضياً ذاك المقاما
رعاك الله من ملكٍ همامٍ
تعهد في الثَّرى ملكاً هماما
أرى النسيان أظمَأَهُ فلما
وقفتَ بقبره كنت الغماما
تُقرّب عهدَهُ للناس حتى
تركت الجليل في التاريخِ عاماً
أتدري أي سلطان تُحيي
وأي مملكة تهدي السلاما
دعوت أجل أهل الأرض حرباً
وأشرفهم إذا سكنوا سلاما
يا خبر سرّ به مسمعي
كما قال إيليا أبو ماضي:
يا نبأ سرَّ به مسمعي
حتى تمنّى أنه الناقل
أعاش في نفسي المنى مثلما
يُحيي الجديب الواكف الهاطل
عرفت منه أن ذاك الحِمى
بالصيد من فطياننا آهِلُ
عصابة كالعقد في أكرِن
يعتز فيها الفضل والفاضل
من كل مقدام رجيح النهى
كالسيف إذ يصقله الصقل
البدر من أزراره طالعٌ
والغيث من راحته هاملُ
وكل طلق الوجه موفورِهِ
في بردتَيْهِ سيدٌ مائلُ
شبيهة الشَّرق انعمِ واسلمي
كي تسلم الآمال والآملُ
الناس ما لم يروك أشباه
يقول أبو الطيب المتنبي:
الناسُ ما لم يرَوكَ أشباهُ
والدهر لفظٌ وأنت معناهُ
والجود عينٌ وأنت ناظرُها
والبأس باعٌ وأنت يمناهُ
أفدي الذي كل مأزقٍ حرِجٍ
أغبَرَ فرسانه تحاماهُ
أعلى قانة الحسين أوسطها
فيهِ وأعلى الكميّ رِجلاهُ
تنشد أثوابُنا مديحهُ
بألسُنٍ ما لها أفواهُ
إذا مرَرنا على الأصم بها
أغنَتهُ عَنْ مِسمَعَيهِ عَيناهُ
سبحانَ من خارَ للكواكبِ بالـ
بعدِ ولو نِلنَ كُنَّ جدواهُ
طربت وهاجني البرق اليماني
يقول عنترة بن شداد:
طَرِبتُ وهاجَني البَرقُ اليَماني
وذكّرني المنازل والمغاني
وأضرم في صميم القلب نار
كضربي بالحسام الهندواني
لعمرك ما رماح بني بغيضٍ
تخون أكُفَّهُم يوم الطعانِ
ولا أسيافهم في الحرب تنبو
إذا عُرف الشجاع من الجبانِ
ولكن يضربون الجيش ضربًا
ويقرون النُسور بلا جِفانِ
ويقتحمون أهوال المنايا
غداة الكر في الحرب العوانِ
أعبلَةُ لو سألتِ الرمحَ عنّي
أجابتك وهو مُنطلِقُ اللسانِ
بأني قد طرقت ديار تيمٍ
بكل غضنفرٍ ثبّت الجنانِ
وخطتُ غُبارها والخيل تَهوي
وسيفي والقنا فرسارِهانِ