تحف جميل بثينة في الحب العذري
- أقسمتُ لها بأرواحٍ تتألمُ،
لقد عانت نفسي بسببكم وتحملتُ
أقسمتُ يمينًا، يا بثينة، بصدقٍ
فإن كنتُ كاذبًا فقد ضللتُ
إذا كان جلدٌ غير جلدكِ قد رافقني
فقد واجهتني دون الحجابِ شارعتُ
ولو دعا داعٍ منكَ إلى جنازتي،
لكنتُ بين يدي الرجال أعيشُ
- أتتعجب إن سُحِرْتُ لصوتٍ حادٍ،
حدا بي زلزالٌ يتدفق عبر وادٍ
فلا تعجب، فإن الحب قد أصبح ،
لبثنة في ظلام القلبِ
- إنني أبحث في هذا الوجود بمكافحتي
لأرى الوجوه، فلا أرى سواكِ
قالوا ويخلقُ أربعين مشابهةً
من أربعينك، لا أريد سواكِ
- ارحميني فقد بليتُ؛ فحسبُ لي
بعضُ هذا الداءِ، يا بثينةُ، يكفيني
لامنني فيكِ يا بثينةُ، أصدقي،
لا تلوموا، فقد جَرحَ الحبُ قلبي
زعم الناس أن دائي طبي،
أنتِ والله، يا بثينة، طبيبي.
أجمل ما كتب جميل بثينة في الغزل
- أطلق الله، في عيني بثينة، السهام
وفي جماليةٍ من أنيابها، بالكرناتِ
فقد رمتني بسهمٍ، ريشهُ الكحلُ لم يضرني
في ظواهر جلدي، ولكنه ينزف في القلب
ألا ليتني، قبل ما قلتي، شِبتُ لي،
من المُخيفِ القاضي سمامُ الذرائحِ
قمتُ ولم تدركي خيانتي
ألا رُبّ ظانٍ للربح ليس بالرابحِ
فلا تحمليها، واجعليها جريمةً
لقد عرفتُ منها في نشوة المحاتِ
أبستقبلُ ذنبي، أنني قد ظلمتها،
وإني أبقيتُ سِرها غير مُفصحٍ
- ظهرت، لعينكِ من بثينة نارٌ
فدموعُكَ درةٌ وغزارُ
والحب، أولُ ما يجيء لجاجةً
تأتي به وتسوقه الأقدارُ
حتى إذا اقتحمَ الفتى لجّة الهوى،
جاءت أمورٌ لا يُحتمل كبارُ
ما من رفيقٍ ألفَ لرفيقه،
إلا إلى حبل رفيقه انقطارُ
وإذا أردت، لن يخونكِ من يُخفي،
حتى تشيعَ حديثكِ الإظهارُ
كتمانُ سركِ، يا بثينة، إنما،
عند الأمين، تُخفى الأسرارُ
- نسيمُ وجهكِ، كأنّ حديثها
دُرٌ تحدّرَ نظمُه، مبعثر
محطوطةٌ المتنين، مضمرةٌ الحشى،
ريّا الروادف، خَلّقُها ممكور
لا جمالها كالذي، لا كدلالها
دليلٌ، ولا كوقارها توقير
إنّ اللسانَ بذكرها لموكلٌ،
والقلبُ مصدودٌ، والخواطرُ صور
ولئن جَزَيتِ الودَّ مني مثله،
إني بذلك، يا بثينة، جديرٌ
أجمل ما كتب جميل بثينة عن الفراق
- وكان الفراق عند الصباح
عن مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريبةً ولم
يستخفا إلى مُنكرٍ
- ألا ليت ريّان الشباب يعودُ
ودهرٍ مضى، يا بثينة، يعودُ
فنبقى كما كنا نكون، وأنتمُ
قريبٌ، وإذا ما تقدِّمين زهيدٌ
- أيا ريح الشمال، أم تنظريني
أهيم وأنا بادي النحولِ؟
هبي لي نسمةً من ريح بثينةٍ
ومنيّ بالهبوبِ على جميلٍ
وقولي: يا بثينة، يكفي نفسي
قليلكِ، أو أقل من القليلِ
- وأطعتِ فيَّ عُواذل فهجرتيني
وعصيتِ فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأبتت حبل وصالكُم
مني ولستُ وإن جهدن بفعلِ
فرددتهن وقد سعيتِ بهجرِكُم
لمّا سعيتِ له بأفوق ناصلِ
يَعضَضن من غيظٍ عليَّ أناملي،
ووددتُ لو يعضضن صممَ جَندَلِ
ويقلن إنكِ يا بثينة بخيلةً
نفسي فداءكِ من ضنينٍ باخلِ!
- رحلَ الخليطُ جمالَهم بسوادِ،
وحدا، على أثر الحبيبة، حادا
ما إن شعرتُ، ولا علمتُ بينهم
حتى سمعتُ الغرابَ ينادي
لما رأيتُ البينَ، قلتُ لصاحبي
أنفصمتْ مصدعةٌ القلوب فؤادي
بانوا، وغُدِرَ في الديار متيمٌ
كَلِفٌ بذكركِ، يا بثينةُ، صادِ
قصيدة تقول بثينة
تقولُ بثينة لما رأتْ
فنونًا من الشعر الأحمر:
كبرتَ، جميلُ، وأودى الشباب،
فقلتُ: بثينَ، ألا فاقصري
أتنسينَ أيامنا باللّوى،
وأيامنا بذوي الأجفر؟
أما كنتِ أبصرتني مرّةً،
ليالي، نحن بذي جَهْوَرٍ
ليالي، أنتم لنا جيرةٌ،
ألا تذكرين؟ بلى، فاذكري!
وإذ أنا أغيدُ، غَضُّ الشباب،
أجُرُّ الرداءَ مع المئزرِ،
وإذ لمتني كجناح الغراب،
تُرجِلُ بالمسك والعنبرِ
فغيّرَ ذلكَ ما تعلمين،
تغيّرَ ذا الزمن المنكرِ
وأنتش كؤلؤةِ المرزبان،
بماء شبابكِ، لم تُعصري
قريبانِ، مَربَعُنَا واحدٌ،
فكيف كبرتُ ولم تكبري؟..