تعتبر قضية انتشار شهادة الزور وممارستها من الموضوعات التي لم تحظ بالاهتمام الكافي. لذا، نسلط الضوء في هذا المقال على أسباب تفشي هذه الظاهرة وكيفية معالجتها بشكل فعال، إيماناً منا بأهمية محاربة هذه الفعلة المؤذية التي تضر بالمجتمع.
الشهادة الزور في الإسلام
تُعرَّف شهادة الزور بأنها قول الكذب ورفض قول الحق. إذ يُعد الاعتراف بالحقيقة واجباً على كل مسلم. وقد أكد الله في القرآن الكريم أن من يرتكب شهادة الزور يعد من أصحاب الآثام العظيمة. فشهادة الحق هي وسيلة لإظهار الحقيقة، بينما شهادة الزور تعني إخفائها وترويج الضلال.
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن الكبائر، ذكر أن من بينها شهادة الزور: “قول الزور، أو شهادة الزور”. [متفق عليه].
أسباب انتشار شهادة الزور
تتعدد أسباب انتشار شهادة الزور، ومنها الرغبة في دعم المشهود له سواء لأنه قريب أو صديق، أو من أجل الحصول على منافع مادية، أو حتى عن طريق النفاق. كما قد يسعى البعض إلى الإضرار بالمشهود عليه كنوع من السلوك المدمر.
تعتبر شهادة الزور من الكبائر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم. فقد تُعد هذه الشهادة بمثابة ضلال ونفاق، ومرتكبها قد كتب على نفسه الخسارة في الدنيا و العقاب في الآخرة.
استباحة الشهادة الزور في المجتمع
تهدف الشريعة الإسلامية إلى تحقيق العدل والسلام، لذا فإن شهادة الزور تعتبر محرمة. فهي تعرقل عمليات العدالة وتساعد على نشر الظلم بين الناس.
في الوقت الراهن، نجد أن البعض قد يستبيح شهادة الزور بسبب فقدان القيم والمبادئ، مما يؤدي إلى انشغال الأفراد بمصالحهم الخاصة على حساب الآخرين. وبالتالي، تصبح العدالة مجرد شعار، ويتم التضحية بمبادئ الأمانة والإخلاص بسبب التباعد عن الدين.
الآثار الناتجة عن شهادة الزور
تترك شهادة الزور آثارًا سلبية متعددة، ومنها:
- تخريب العدالة وتضليل الحكام، مما يعيق تحقيقها.
- النيل من حقوق المشهود عليه وتعريضه للظلم.
- تسلب الحقوق وتحدث فراغًا في الأمانة بين الأفراد.
- قد تؤدي إلى منح المشهود له حقوقًا ليست من حقه، في حين تُنزع حقوق المشهود عليه.
- تعتبر شهدات الزور انتهاكًا للحقوق والاستيلاء على أموال الأفراد بطرق غير مشروعة.
- تساهم في انتشار الفوضى والعشوائية في المجتمع.
- تزيد من معدلات الجرائم، حيث يشعر المجرمون أن شهادات الزور قد تقيهم العقاب.
- ترتبط شهادة الزور بغياب الأخلاق وفقدان الثقة، مما يؤدي إلى تدمير المجتمع.
كيفية إثبات شهادة الزور
وفقاً لجمهور الفقهاء، يُثبت وجود شهادة الزور من خلال الاعتراف، حيث تعتبر جريمة خطيرة. إذا اعترف المدعى عليه بارتكابه هذا الفعل، يُعد ذلك دليلاً قاطعاً على جريمته. ولا يثبت وقوع شهادة زور إلا بوجود بيّنة قوية تدل على ذلك، كأن يشهد الشخص بوجوده في مكان معين بينما تُظهر الأدلة خلاف ذلك.
وفي حال عدم ثبوت شهادة الزور، يجب تأجيل البحث وإعادة التقييم، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [سورة الأحزاب: الآية 5].
أساليب معالجة مشكلة الشهادة الزور
لمكافحة شهادة الزور بصورة نهائية، يجب اتخاذ الخطوات التالية:
- إعادة تدريس القيم الأخلاقية في المناهج التعليمية بمختلف مستوياتها وتهيئة بيئة مناسبة لتعليمها.
- التوعية بأن الكذب محرم، وأن للكاذب عقوبات قاسية، وذلك عبر وسائل الإعلام.
- توعية الأهل بضرورة تعليم الأبناء عن المحرمات الكبرى.
- تطبيق عقوبات صارمة على شهود الزور لتكون عبرة للجميع.
- تسليط الضوء على القوانين التي تنظم عقوبات شهود الزور والتأكيد على أهمية الردع.
- تعاون المجتمع ككل لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الشهادة الزور.
حكم شهادة الزور
لم يتم تحديد عقوبة بعينها لشهادة الزور، وتباينت آراء الفقهاء حول العقوبات المناسبة. وقد أفاد بعض الفقهاء وجوب التعزير لشاهد الزور حال ثبوت تهمة الشهادة له، وقد ورد عن عمر – رضي الله عنه – أنه أقر بذلك.
آراء الفقهاء حول حكم شهادة الزور
وجدنا من خلال دراستنا أنه لا خلاف بين الفقهاء حول ضرورة تعزير شاهد الزور، لكن اختلافاً في نوع العقوبة المستحقة. ويدعم المذهب الشافعي والحنابلة بعض آراء المالكية بأن ذلك يعود لتقدير الحاكم، سواء كان العقاب عبر الجلد أو الحبس.
يميل المذهب الشافعي إلى أن العقوبة لا تتجاوز الأربعين سوطًا، بينما يرى بعض الفقهاء من المالكية والحنفية أن العقاب يجب أن يكون علنياً كموعظة للآخرين. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض…”
الشهادة الزور في القرآن
ورد عن علي -رضي الله عنه- موقفًا يشير إلى أهمية الشهادة في الزواج وكيف أن شهادة الزور يمكن أن تؤدي إلى نتائج وخيمة. كما أن القرآن الكريم جاء رافضًا لكل ما يهدد حقوق الناس ويدعو إلى إذكاء الظلم، حيث تشكل شهادة الزور من الكبائر التي تتطلب التوبة وإرجاع الحق لأصحابه.
إذا ثبت أن هناك شهادة زور أدت إلى سجن أحدهم، فإن الحكم يكون باطلاً ويجب الإفراج عن الشخص المشهود عليه. وتجدر الإشارة إلى أن محاكمة الشاهد يجب أن تكون عادلة ومحايدة، بغية رد المظالم لأهلها سواء كانت مالية أو سمعة.