أسباب انقطاع الرزق
إن الله سبحانه وتعالى قد أقسم في كتابه العزيز على أن الرزق مقدر ومقسوم، فهو الذي خلق جميع الكائنات وجعل لها رزقها، كما قال الله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ). وقد تنوعت مصادر الرزق والطرق المؤدية إليه بين الناس، فهناك من يحصل على رزق وفير بجهد قليل، وآخرون يحتاجون إلى جهود مضاعفة لنيل ما يريدون.
على الرغم من تأكيد الله على تقسيم الرزق، إلا أن العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تدعو إلى العمل والسعي لأسباب الرزق. فعلى سبيل المثال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ – أَحْسِبُهُ قَالَ: إلى الجَبَلِ – فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ ويَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ). لذا، من الضروري فهم أن الرزق مقدر، لكن البحث عنه واجب على كل مسلم بالتواكل على الله، كما يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ). وهناك عدة أسباب قد تؤدي إلى انقطاع الرزق، منها:
الذنوب والمعاصي
إن الذنوب والمعاصي تلعب دورًا بارزًا في حرمان العبد من خيري الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، مما يعني أن ما يصيبكم من مصائب نتيجة لأفعالكم. وهذا النص يشير بوضوح إلى تأثير الذنب على انقطاع الرزق.
على الرغم من أن الذنوب يمكن أن تكون سببًا لانقطاع الرزق، إلا أن التوبة والاستغفار يشكلان سبيلًا لرضا الله عز وجل وقربه. كما دعا سيدنا هود -عليه السلام- قومه للقيام بذلك، حيث قال: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ). وقد أشار القرطبي إلى أن الاستغفار يجلب الرزق والأمطار، مما يعد دليلاً مهمًا على فضل الاستغفار.
قطع الأرحام
تعتبر قطع الأرحام من الأسباب القوية لانقطاع الرزق، كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أنس بن مالك، حيث قال: (مَن سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). مما يدل على أن صلة الرحم تجلب الرزق، بينما يمكن أن يؤدي قطع الرحم إلى نقصه.
تتضمن صلة الرحم أنواع عديدة، مادية ومعنوية، والتي تساهم جميعها في زيادة الرزق، سواءً كان ذلك رزقًا ماديًا أو معنويًا يتمثل في البركة والرضا والراحة. لذلك، يُعتبر توجيه صلة الأرحام من أهم القربات والطاعات التي يحقق من خلالها الإنسان الرزق الوفير.
قلة التوكل على الله
يُشير ابن رجب -رحمه الله- في تفسيره لحديث: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) إلى أن الاعتماد على الأسباب المادية فقط، مع افتقار التوكل على الله، يمكن أن يكون سببًا لفقد الرزق. ولكن إذا توسل العبد بالله وتوكل عليه بصدق، فسوف يُرزق كما يرزق الطير، التي تخرج جائعة ثم تعود وقد شبع بطنها.
تتضمن ملاحظات ابن رجب أهمية التوكل على الله كأحد الأسباب الدينية الرئيسة لجلب الرزق، مما يستدعي التأمل في كيف أن التوكل هو البوابة لتحقيق كافة الخيرات والرزق.
عدم أداء الحقوق المالية
تشير الآيات القرآنية إلى أن عدم أداء الحقوق المالية له تأثير كبير، حيث قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى* وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى). وهذا يوضح أن التيسير قد يكون في الآخرة، ولكنه يمكن أن يظهر أيضًا في هذه الحياة، مما يؤدي إلى انقطاع الرزق.
لذا، فإن تحقيق البركة في المال يتطلب الالتزام بأداء الحقوق المالية، سواء كانت واجبة كالزكاة أو مستحبة كالصدقة. فزيادة المال تأتي من الإنفاق والعطاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)، وأيضًا: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
- كسب المال الحرام
لقد حرم الله أنواع الكسب غير المشروع وأكل أموال الناس بغير حق مثل الغصب والسرقة، والنهب، والقمار، والرشوة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ). ومن صور كسب المال الحرام ما يلي:
- أكل مال اليتيم
وفي تحريم أكل أموال اليتامى، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
- أكل الربا
وفي تحريم الربا يقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
تتضمن هذه الآيات تحذيرًا واضحًا من التعامل بالمال الحرام. ونتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يسافر طويلًا ويطلب من الله، لكن طعامه وشرابه وملبسه جميعها من الحرام، فسأله: (فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟). هذا التحذير يعكس كيف أن المال الحرام يمكن أن يؤدي إلى انقطاع الرزق.