فتح مكة المكرمة
تُعَدُّ مكة المكرمة مهد الوحي ومكاناً مقدساً يقع في قلب الأمة الإسلامية، وهي المدينة التي عشقها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد قال في وصفها: “(ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ ولولا أنَّ قومِي أخرجُوني مِنكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ)”. فرغم كونه قد أُجبر على الخروج منها، إلا أنَّ قريش استمرت في محاربة دعوته. وقد شهدت تلك الفترة العديد من الحروب بين المسلمين وقريش، حيث كان النصر والهزيمة يتبادلان بين الطرفين.
لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستعجلاً في السعي لتحقيق النصر. فقد تحقق فتح مكة بعد أكثر من عشرين عاماً من بعثته، مما يدل على إيمانه العميق وعزيمته القوية. وقد أنزل الله -عز وجل- في القرآن بشرى للمؤمنين بفتح مكة قبل حدوث ذلك بعامين، قائلاً: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ).
عوامل فتح مكة
محاربة قريش للإسلام
تُلعب قريش دورًا بارزًا في مقاومة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث كانت هي أول من عارضه وصدّ الناس عنه خلال بداية بعثته، متهمةً إياه بالسحر والجنون. كما قاموا بممارسة شتى أنواع التعذيب ضد من اعتنق الإسلام، مما صعّب حياة المهاجرين ومنعهم من العودة.
بعد هجرة النبي إلى المدينة، كانت قريش من أوائل من واجه النبي عسكرياً، حيث اندلعت عدة معارك بين الطرفين كمعركة بدر وأحد. كما حرضت القبائل العربية ضد النبي في معركة الأحزاب. لذا كان من الضروري تحييد قوة قريش لكي يتسنى للإسلام الانتشار وتهدئة قلوب سكان جزيرة العرب.
صلح الحديبية
في محاولة لأداء العمرة، أقدمت قريش على منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدخول، وهو الأمر الذي أودى بهم إلى توقيع صلح مع النبي، عُرف بصلح الحديبية.
وقد تضمن هذا الصلح شروطًا تُوقف القتال بين الطرفين لمدّة عشر سنوات، حيث نصَّ على أن يُعاد المسلمون من أهل مكة إلى المدينة إذا رغبوا بذلك، بينما يُسمح لأهل المدينة بالعودة إلى مكة إذا أرادوا الكفر. وكانت من أبرز النقاط التي أدت لاحقًا إلى فتح مكة أنه كان من الممكن لأي شخص الالتحاق بحلف النبي أو قريش حسب اختياره.
دخلت قبيلة خزاعة في حلف النبي، بينما انضمت قبيلة بني بكر إلى قريش، وكانت بين القبيلتين عداوات قديمة، إلا أن النزاعات توقفت نتيجة لصلح الحديبية.
في السنة الثانية من الصلح، قامت مجموعة من خزاعة بأداء العمرة في مكة، تحت قيادة عمرو بن سالم الخزاعي، وقد ذهبوا بلا سلاح، متكلين على وجود الصلح.
الغدر والخيانة
استغلت بني بكر الفرصة لتسوية ثأرها من خزاعة، مما أدى إلى نقض العهد. واستشارت بني بكر قريش، التي أيدتهم. وفي ليلة من الليالي، بينما كانت خزاعة نائمة في حدود الحرم، قامت بني بكر بمهاجمتها، مما أسفر عن مقتل العديد منهم. كما طاردتهم بني بكر أثناء فرارهم إلى الحرم، متجاهلين حرمته.
تمكن عمرو بن سالم من النجاة وذهب إلى المدينة المنورة ليطلب النجدة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُخبره بنقض العهد من قريش. عند سماع النبي بذلك، غضب وحشد جيشًا يضم عشرة آلاف مقاتل للذهاب إلى مكة. وكانت نتيجة ذلك هو فتح مكة ودخول النبي إليها، وهدم الأصنام، وإعلان التوحيد في جزيرة العرب.