أسباب نزول سورة الكهف
نظرة عامة على سورة الكهف وأسباب نزولها
تعتبر سورة الكهف من السور المكية، حيث يتفق الجميع على أنها تحتوي على مائة وعشر آيات. سُمِّيت السورة بهذا الاسم لأنها تتناول بالتفصيل قصة أصحاب الكهف. أما بالنسبة لأسباب نزولها، فكان النضر بن الحارث معروفًا بجولاته واهتمامه بحضارات الشعوب في تلك الفترة. وقد كان من المتلاعبين في قريش، ويمثل جزءاً من الأذى الذي تعرض له النبي -عليه السلام- بسبب حديثه وفن سرد القصص، ما أدى إلى توجيه الأنظار بعيدًا عن رسالته ودعوته.
خاطب النضر قومه قائلاً: إن محمداً كان قبل دعوته معروفًا بالصدق والأمانة، وكان أفضل رجال قريش. وعندما أعلن أنه نبي، اتهمناه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، رغم أننا نعرف الشعر والكهانة والسحر، ولم نجد فيما جاء به علامات للجنون.
حث النضر الأوضاع ليعملوا شيئًا بخصوص هذا الأمر، فأخذت قريش نصيحته وأرسلت مع النضر وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود في المدينة. وقد أكدت قريش أنهم يمتلكون معرفة لا نملكها، باعتبارهم أهل الكتاب الأول. جاءوا إليهم ليتحققوا من أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، موضحين لهم صفاته وما جاء به.
أوصى أحبار اليهود النضر وعقبة أن يسألا النبي عن ثلاث قضايا: عن الفتية الذين غادروا في الزمن القديم وما كانت قصتهم، وعن الرجل الذي جاب الأرض وما كانت أخباره، وعن الروح وما هي. فإذا أجابهم، فهو نبي يجب أن يتبعوه.
عندما عادا إلى مكة، أخبراً قريشًا بأنهما جلبا فصلًا بينكم وبين محمد، وأن الأحبار طلبوا منهما أن يسألاه عن بعض الأمور، إن أجاب، فهو نبي، وإن لم يفعل، فهو كاذب، تابعوا ما تريدون معه. لكن عندما سألوه بالأسئلة الثلاثة، قال -عليه الصلاة والسلام-: “سأخبركم بما سألتم عنه غدًا”، لكنه لم يقل إن شاء الله، مما جعلهم ينصرفون عنه.
نزول الوحي بسورة الكهف
ظل النبي -صلى الله عليه وسلم- حائرًا لثلاثة أيام، حزينًا بسبب الشائعات التي أطلقها أهل مكة عنه واعتباره متأخرًا بالرد على أسئلتهم. كان ذلك بمثابة عتاب له، لأنه لم يذكر “إن شاء الله”، فنزلت الآية الكريمة: (وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا* إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَاذكُر رَبَّكَ إِذا نَسيتَ وَقُل عَسى أَن يَهدِيَنِ رَبّي لِأَقرَبَ مِن هـذا رَشَدًا).
ثم جاءه جبريل -عليه السلام-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “يا جبريل، إن القوم سألوني عن ثلاث خصال”، فأجابه جبريل: “بهم أتيتك”، وتتمثل هذه الخصال في:
- ما أنزله -تعالى- في قصة أصحاب الكهف:
(أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا عَجَبًا* إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ) حتى (وَاتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دونِهِ مُلتَحَدًا).
- ما أنزله -تعالى- حول خبر الرجل الطواف:
(وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا* إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا) حتى (قالَ هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعدُ رَبّي حَقًّا).
- ما أنزله -تعالى- حول الأمر بالروح:
(وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا).
الدروس المستفادة من سورة الكهف
تعتبر هذه السورة بمثابة ملاذ آمن لمن يحفظها، وتحفظهم من الفتن -بإذن الله-، وفيما يلي بعض الفوائد:
- (مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)
فهي تمثل حماية من الفتنة الكبرى، حيث إن أول ما يأتي به الدجال هو الفتنة في العقيدة.
- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطرح السورة ثلاثة أمثلة على هذه المبادئ:
- ذو القرنين الذي غيّر الفساد بيده وبنى السد.
- أخو صاحب الجنتين الذي حاول نصح صاحبه بلسانه قائلاً: (أَكَفَرتَ بِالَّذي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًا).
- أصحاب الكهف الذين اعتزلوا الناس خوفًا من الفتن، ودعوا لهم في قلوبهم، خصوصًا خلال فترة الشباب.
- تناولت السورة قصصًا تُعد مفاتيحًا للأمان من الفتنة، وتذكيرًا برابط العبد مع ربه، كأنها تروي عصور الأمة منذ بدايتها، ومن بينها:
- فتنة العقيدة من خلال قصة أصحاب الكهف.
- فتنة الزينة الدنيوية من المال والبنين، فلا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الفقر يعني الكفر.
- فتنة العلم والسلطة.
وهذا يتجلى في قصة سيدنا موسى مع الخضر -عليهما الصلاة والسلام-، وقصة ذي القرنين، حيث تمثلان أعظم الفتن، وتتطلبان تواضعًا ورحمة وعدلاً، لزيادة الخشية لله -تعالى-.