قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
يستهل الشاعر أبو الطيب المتنبي قصيدته التي تحمل عنوان “الخيل والليل والبيداء تعرفني” بجملة معبرة تعكس مشاعره:
واحر قلباه ممن قلبه شبم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتم حبا قد برى جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته
فليت أنا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة
وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم
وكان أحسن ما في الأحسن الشيم
فوت العدو الذي يممته ظفر
في طيه أسف، في طيه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت
لك المهابة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيئًا ليس يلزمها
أن لا يواريهم بحر ولا علم
أكلما رمت جيشًا فانثنى هربًا
تصرفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كل معترك
وما عليك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر
تصافحت فيه بيض الهندو اللمم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا
بانني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر العمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
وجاهل مده في جهله ضحكي
حتى اتته يد فراسة وفم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
ومهجة مهجتي من هم صاحبها
أدركته بجواد ظهره حرم
رجلاه في الركض رجل واليدان يد
وفعله ما تريد الكف والقدم
ومرهف سرت بين الجحفلين به
حتى ضربت وموج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الوحش منفردا
حتى تعجب مني القور والأكم
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
قصيدة كم قتيل كما قتلت شهيد
ينشد الشاعر المتنبي في قصيدته المتميزة “كم قتيل كما قتلت شهيد”:
كم قتيل كما قُتلت شهيد
لبياض الطلى وورد الخدود
وعيون المهى ولا كعيون
فتكت بالمتيّم المعمود
درّ درّ الصباءة أيام تجري
ذيوولي بدار أثلة عودي
عمرك الله! هل رأيت بدوراً
طلعت في برقع و عقود؟
راميات بأسهم ريشها الهد
تشق القلوب قبل الجلود
يترشفن من فمي رشفاتٍ
هن فيه أحلى من التوحيد
كل خمصانة أرق من الخمر
بقلب أقسى من الجلمود
ذات فرع كأنما ضُربت العنبر
فيه بماء ورد وعود
حالِك كالغداف جثلي دجوب
أثيث جدع بلا تجعيد
تحمل المسك عن غدائرها الريح
وتفتر عن شنيب برود
جمعت بين جسم أحمد والسقم
وبين الجفون والتسهيد
هذه مهجتي لديك لحيني
فانقُصي من عذابها أو فزيدي
أهل ما بي من الضّنا بطلٌ سيدا
بتصفيف طُرّة وبجيد
كل شيء من الدماء حرامٌ
شربه ما خلا ابنة العنقود
فاسقينيها فداءً لعينيك نفسي
من غزال وطاري في تليدي
شيبة رأسي وذلتي ونحولي
ودموعي على هواك شهودي
أي يومٍ سررتني بوصلٍ
لم ترعني ثلاثةً بصُدود
ما مقامي بأرض نخلة إلا
كمقامة المسيح بين اليهود
مفراشي صهوة الحصان ولكي
قميصي مسرودة من حديد
لأمةٌ فاضةٌ أضاءة دلاس
أحكمت نسجها يدَا داود
أين فضلي إذا قنعت من الدهر
بعيشٍ معجّل التّنكيد؟
ضاق صدري وطال في طلب الرزق
قيامِي وقَلّ عنه قعودي
أبدًا أقطع البلاد ونجمي
في نُحوس وهمّتي في سُعُود
ولعلّي مؤمّلٌ بعض ما أبلغ
باللطف من عزيز حميد
لسريٍ لباسه خشنُ القطن
ومرويّ مروٍّ لبس القرود
عش عزيزًا أو متّ وأنت كريمٌ
بين طعن القنَا وخفق البنود
فرؤوس الرماح أذهب للغيظ
وأشفى لغلّ صدر الحَسود
لا كما قد حييت غير حميد
وإذا متَّ متَّ غير فقيدِ
فاطلب العزّ في لظى ودع الذل
ولو كان في جنان الخلود
يُقتل العاجز الجبان وقد يجتاز
عن قطع بخنق المولود
ويُوقى الفتى المخشّ وقد خوّض
في ماء لبّة الصنديد
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجودِ
وبهم فخر كل من نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد
إن أكُنْ معجبًا فعجبٌ غريبٌ
لم يجد فوق نفسه من مزيد
أنا تِرب الندى ورب القوافي
وسمّام العدى وغیظ الحَسود
أنا في أُمّةٍ تدارَكَهَا اللّهُ
غريبٌ كصالحٍ في ثمود
قصيدة لا تحسبوا ربعكم ولا طلله
يقدم الشاعر المتنبي من خلال قصيدته “لا تحسبوا ربعكم ولا طلله” رسائل مؤثرة:
لا تحسبوا ربعكم ولا طلله
أوّل حيٍ فراقكم قتله
قد تَلِفَتْ قبله النفوس بكم
وأكثرَتْ في هواكم العذلة
خلا وفيه أهلٌ وأوّحشنا
وفيه صُرمٌ مروّحٌ إبله
لو سار ذاك الحبيب عن فلكٍ
ما رضيَ الشمسَ برجُه بدله
أحبّه والهَوَى وأدؤره
وكُل حبٍ صبابَةٌ ووَلَه
يَنصُرُها الغيثُ وهي ظامئةٌ
إلى سِواهُ وسحبها هطلَه
واحَرَبَا منكِ يا جَدايَتَهَا
مُقيمَةً، فاعلَمي، ومُرْتَحِلَه
لو خلطت المسك والعَبير بها
ولَست فيها لخلتَها تفلَه
أنا ابنُ من بعضُه يَفُوقُ أبَا الـ
باحثِ والنّجلُ بعضٌ من نجلَه
وإنّما يَذكرُ الجُدودَ لهم
من نفرُوهُ وأنفدوا حيَلَه
فخرًا لعضبٍ أرُوحُ مُشتملَه
وسَمَهَرِيٍّ أرُوحُ مُعْتقلَه
وليَفْخَر الفخرُ إذ غدوتُ به
مُرْتَدِيًا خيرَه ومُنْتَعِلَه
أنا الذي بيّن الإلهُ به الـ
أقْدارَ والمَرءُ حَيْثُمَا جَعَلَه
جوهرةٌ تفرح الشّرافُ بها
وغصّةٌ لا تُسِيغُها السفلة
إنّ الكذابَ الذي أُكَادُ بِهِ
أهْوَنُ عِندي مِن الذي نَقَلَه
فلا مُبالٍ ولا مُداجٍ ولا
وانٍ ولا عاجزٌ ولا تُكَلَه
ودارِعٍ سِفْتُهُ فَخرَّ لَقًى
في المُلْتَقى والعَجاجِ والعَجَلَه
وسامِعٍ رُعْتُهُ بقافيةٍ
يَحارُ فيها المنقِّحُ القُوَله
وربما أُشْهِدُ الطعامَ مَعِي
مَن لا يُساوي الخُبزَ الذي أكَلَه
ويُظهِرُ الجهلَ بي وأعْرِفُهُ
والدُرُّ دُرٌّ برغم مَنْ جَهِلَه
مُسْتَحِيًّا من أبي العشائر أن
أَسْحَبَ في غَيْرِ أرضِهِ حُلَلَه
أسْحَبُها عنده لدى مَلِكٍ
ثِيابُهُ مِنْ جَليسِهِ وجِلَه
وبِيضُ غِلْمانِهِ كُنَائِلِهِ
أوّلُ مَحمُولِ سَيْبِهِ الحَمَلَه
ما ليَ لا أمِدَحُ الحُسَينَ ولا
أبْذُلُ مِثْلَ الوَدِّ الذي بَذَلَه
أأخْفَتِ العَينُ عندَهُ أثَرًا
أم بَلَغَ الكَيْذُبانُ ما أَمَلَه
أم ليسَ ضَرّابَ كلّ جُمجمَةٍ
مَنْخُوّةٍ سَاعةَ الوَغَىر زَعِلَه
وصاحبَ الجودِ ما يُفارِقُهُ
لو كان للجودِ مَنْطِقٌ عَذَلَه
وراكِبَ الهولِ لا يُفَتِّرُهُ
لو كان للهَوْلِ مَحْزِمٌ هَزَلَه
وفارسَ الأحمرِ المُكَلَّلَ في
طَيءٍ المُشْرَعَ القَنَا قِبَلَه
لمّا رأتْ وَجهَهُ خِيولُهُمُ
أقْسَمَ بالله لا رأتْ كَفَلَه
فأكْبَرُوا فِعْلَهُ وأصْغَرَهُ؛
أكبرُ مِن فِعْلِهِ الذي فَعَلَه
القاطعُ الواصلُ الكَمِيلُ فَلا
بَعضُ جميلٍ عن بعضهِ شَغَلَه
فواهِبٌ والرماحُ تشجُرهُ
وطاعِنٌ والهِباتُ مُتصلَه
وكُلّما أمّنَ البِلادَ سَرَى
وكلّما خِيفَ مَنْزِلٌ نَزَلَه
وكُلّما جاهَرَ العَدُوَّ ضحًى
أمكَنَ حتى كأنّهُ خَتَلَه
يَحْتَقِرُ البِيضَ واللِّدانَ إذا
سَنَّ علَيهِ الدّلاصَ أو نثَلَه
قد هَذَبَتْ فَهْمَهُ الفقاهَةُ لي
وهَذّبَتْ شِعريَ الفصاحةُ له
فصِرتُ كالسيفِ حامدًا يدهُ
لا يحمدُ السيفُ كل مَنْ حَمَلَه
قصيدة ما أنصف القوم ضبه
يقول الشاعر المتنبي في رائعته “ما أنصف القوم ضبه”:
ما أنصف القوم ضبة
وأمه الطرطبة
رموا برأس أبيه
وباكوا الأم غلبة
فلا بمن مات فخر
ولا بمن نيك رغبة
وإنما قلت ما قلـ
ت رحمة لا محبة
وحيلة لك حتى
عذرت لو كنت تأبه
وما عليك من القتـ
ل إنما هي ضربة
وما عليك من الغد
إنما هو سبة
وما عليك من العا
ر أن أمك قحبة
وما يشق على الكلـ
ب أن يكون ابن كلبة
ما ضرها من أتاها
وإنما ضر صلبه
ولم ينكها ولكن
عجانها ناك زبه
يلوم ضبة قوم
ولا يلومون قلبه
وقلبه يتشهى
ويلزم الجسم ذنبه
لو أبصر الجذع شيئًا
أحب في الجذع صلبه
يا أطيب الناس نفسًا
وألين الناس ركبة
وأخبث الناس أصلًا
في أخبث الأرض تربة
وأرخص الناس أما
تبيع ألفًا بحبة
كل الفعول سهام
لمريم وهي جعبة
وما على من به الدا
ء من لقاء الأطبة
وليس بين هلوك
وحرة غير خطبة
يا قاتلا كل ضيف
غناه ضيح وعلبة
وخوف كل رفيق
أباتك الليل جنبه
كذا خلقت ومن ذا الـ
ذي يغالب ربه
ومن يبالي بذم
إذا تعود كسبه
أما ترى الخيل في النخـ
ل سربة بعد سربة
على نسائك تجلو
فعولها منذ سنبة
وهن حولك ينظرن
والأحيراح رطبة
وكل غرمول بغل
يرين يحسدنقنبه