قصيدة العصفور
- مقتطفات من شعر نزار قباني:
لو أننا حميناه من برد الشتاء قليلا..
وحميناه من العين قليلا..
لو غسلنا قدميه بمياه الورد وورق الآس قليلا..
آه .. لو كنا أخذناه إلى ساحات باريس العظيمة
وتصورنا معه..
مرةً في ساحة (الفاندوم) أو في ساحة (الباستيل)
أو على الضفة اليسرى من نهر السين..
آهٍ .. لو تدحرجنا على الثلوج معه..
وهو يرتدي القبعة الزرقاء يجري..
ودموعي مثل جدول يجري معه..
آه .. لو كنا أخذناه إلى عالم (ديزني)..
وركبنا في القطارات التي تمر بين ملايين
من الفراشات نحو قوس قزح..
آه .. لو استجبنا لأمانيه الصغيرة..
وآهٍ.. لو تناولنا معه البيتزا في روما..
وتجولنا في أحياء فلورنسا..
وتركناه ليرمي الخبز لطيور (البندقية)..
فلماذا هرب العصفور منا، يا شقية؟
لقد رسمناه بالأهداب والعيون
ونحتناه بأحداق المحبين
وانتظرناه طويلاً .. طويلاً
فلماذا هرب العصفور منا؟
دون أن يوجه التحية…
ربما لو أنتِ من جنتك الخضراء، يا سيدتي..
لم تطرديه ..
وربما .. لو أنك، يا سيدتي، لم تقتليه..
لكان سلطان زمانه..
وربما … لو كان حياً
دخل الشمس على ظهر حصانه
وربما .. لو قال شعراً..
يقطر السكر من تحت لسانه
وربما .. لو شاء يوماً أن يغني..
يخرج الورد على قوس كمانه..
وربما .. لو بقي حياً..
حرك الأرض بكنف بنانه..
لا تقولي : (لا تؤاخذيني ) ..
فقد كان قضاءً وقدر..
هل يكون الجهل والسخف قضاءً وقدر؟
قمراً كان..
ومن يقتل، يا سيدتي، ضوء القمر؟
وترًا كان..
ومن يقطع من عودٍ وتر؟
مطرًا كان ..
ولن يأتي إلينا مرةً أخرى المطر..
لو أعطيته الفرصة، يا سيدتي..
ربما كان المسيح المنتظر…
آه .. يا قاتلة الحلم الجميل المبتكر..
إنه لمؤسف أن يقتل الإنسان حلمًا..
إنه لمحزن أن تحطمي في الأفق نجماً..
يا التي تبكين طوال الليل عصفور الأمل
سبق السيف العزل..
لا تلوميني إذا ما يبس الدمع في عيني
وصار القلب فحما..
فأنا كنت أباً..
برائع الأحلام.. لكن
أنتِ، يا سيدتي، لم تكوني أماً..
قصيدة الحاكم والعصفور
قال نزار قباني:
أجوبُ الوطن العربي
لأقرأ شعري للجمهورْ
فأنا متأكدٌ
أن الشعر رغيف يُخبز للجمهورْ
وأنا مقتنعٌ – منذ البداية –
أن الحروف أسماك
وأن الماء هو الجمهورْ
أتجول في الوطن العربي
وليس معي إلا دفترْ
يرسلني المخفر للمخفرْ
يرميني العسكر للعسكرْ
وأنا لا أحمل في جيبي إلا عصفورْ
لكن الضابط يوقفني
ويريد جوازًا للعصفورْ
تحتاج الكلمة في وطني
لجواز مرورْ
ابقى ملحوظًا ساعاتٍ
منتظراً فرمان المأمورْ
أتأمل في أكياس الرمل
ودمعي يعبر بحورًا في عيني
وأمامي كانت لافتة
تتحدث عن (وطن واحد)
تتحدث عن (شعب واحد)
وأنا كالجُرذ هنا قاعد
أتقيأ أحزاني..
وأدوس كل شعارات الطباشير
وأظلُّ على باب بلادي
مرميًا..
كالقدح المكسور
أبيات في وصف الطيور
- قال الشاعر بدر الحويفي الحربي:
والله لو لا غايتي ما أنقل الطير
ما أنقل على كفي خفوق الجناحي
أبي اليا قفت تقل شعف معصير
واقفت تعقد مع سهال فياح
لا تلني واقفى يخطرف له السير
جايع وحاديه الزعل من صياحي
لاطقها بالصايدين المواخــير
طاحت تدوس ونجم الطير صاحي
- وقال أيضًا:
وما ينقص الرجال كثر المخاسير
لا صار دون الوجه ما هو سفاحي
والقل ما عذرب رجال بهم خير
والمال ماعز الرجال الشحاحي
بس اتركوني يالوجيه المسافير
هذا الي وافق عليه اقتراحي
أبيات في وصف الهدد وتصوير جمال الطير
قال الشاعر بدر الحويفي الحربي:
ومعنا قطامي يصيد الحباري
لحاق لكوبر له الخرب شله
خطو اشقر جثل من الريش عاري
افحج مخاليبه سوات الاهله
به دق ريش مثل دق الخزاري
مهًدف ورا مناكب مستقلة
منخر وبوز فيه عدت مواري
يحتر به راع النظر لا فطت له
ما هو بكفاخ طفوق زعاري
طلعه حقاق لا شافهن ساوقن له
لا شافهن متطاولات المذاري
عقد وحق الطلع والسير تلّه
ويحول الي طار منهم اجباري
ذبّاح الي يوم هَد سجّدن له
يازين طلعه بالضحى والعصاري
لمن خشنت الغلب خيشن له
- وقال أيضًا:
اليا أصبحت روس النوازي مطلة
عقب الجليد نكسر الثلج تكسير
ثم أصبح القرانس من عقب طله
يوجس براسه مثل دق المسامير
وستطلعوا خطوا اشقر عاتن له
حرش الكفوف يمزر الخرب تمزير
والبارحة حل المساء قد حصل له
عشاء خفيف من ابرق الريش تنسير
لا فرعو وشافهن ودرجن له
وادلج وراع الجمس كفه على القير
وتضايقن عقب الفضا وحضرن له
وسلط عـلى وحده وذلـك مخامير
واليا المشبب عندهن مزهبه له
بالـي ندبها طير الريش تطير
والخرب طقة ما تعدى محلّه
والي تروح طيار ما عينت خير
بطياارها شفنا غياره وخله
زمت وحولها ولي المقادير
أعلق بها الي عوقهن سهمة له
شيهان عوق ملوعات المعاشير
حديث مع الطير
قال الشاعر جميل حسين الساعدي:
ما سرُّ هذا الصمت ما الأمرُ
لم قد هجرت البحر يا طيرُ
وجلست فوق الرمل مُعتكفًا ً
ونسيت أنّك طائرٌ حرُّ
يا طيرُ أفصح عن شجَاكَ فكمْ
آذى وآلمَ في الهوى سترُ
لا تخفِ أشياءً وتكتمها
فغدًا تُذاعُ ويُعرفُ السرُّ
العشقُ يغلبنا فيظهرُ في
نظراتنا ويبثُّه الثغرُ
كن صاحبي يا طيرُ في سفري
بح لي بما قد ضمّه الصدرُ
فلعلنا نلقى الخلاصَ معًا
فأنا أسيرٌ طال بي الأسرُ
بحرُ من الآلام يحملني
مدٌّ معاناتي ولا جَزرُ
ليلٌ من الأحزان يصحبني
ليلٌ طويلٌ ما له فجرُ
عندي حكايـات مُحيّرةٌ
سطّرتها بالدمع يا طيرُ
معروفةٌ للبحر خُطّ لها
في كل صفحةٍ موجةٍ سطرُ
رحل الحبيب فما له أثرٌ
فالعيش بعد غيابه مُرنُ
أنا منذ أعوام تؤرّقني
ذكراه يسعر في دمي الجمْرُ
سكران من ألم ومن ندم
سكران لا كأس ولا خمرُ
الدار لمّا غاب مظلمةٌ
من وحشةٍ وكأنّها قبرُ
فدفاتري في كل زاويةٍ
قد بُعثرت وتشتّت الفكرُ
كانت تشعُّ ببهجةٍ فغدت
يبكي على صفحاتها الشعرُ
والمزهريّاتُ التي عَبَقَتْ
بالعطر فارق زهْرها العطرُ
حزني كعشقي لا يحيط به
أفقٌ ولا بحرٌ ولا برُ
أنا ها هنا يا طيرُ من زمنٍ
اسأل يُجبك الرمل والصخرُ
غنيّتُ لحن العاشقين ومن
هجروا الديار ومن هنا مرّوا
لحنٌ صداه الموج ردّدهُ
فإذا الشواطئ حالها سكرُ
سأظلّ أينما سرت أنشدهُ
ما عشتُ حتّى ينقضي العمرُ
حان الرحيل فهل تُرافقني
يا طيرُ إن موعدك الفجرُ
إن كنتَ هذا البحر تعشقهُ
فلتبقَ حيث الموج والبحرُ