قصيدة سعي الفتى في عيشه عباده
- يقول أحمد شوقي:
سَعْيُ الفَتى في عَيْشِهِ عِبادَةٌ
وَقائِدٌ يَهديهِ إِلَى السَّعادَةِ
لِأنَّ بالبَذلِ يَقُومُ الكَونُ
وَاللَّهُ للمُجتهِدينَ نِعمَ العَونُ
فَإن شِئتَ هَذِهِ حِكَايَةٌ
تُعَدُّ في هَذا المَقامِ غايَةٌ
كَانَت بِأَرْضٍ نَملَةٌ تَنبُلُ
لَم تَسلُ يَوماً مَتَعَ البَطَالَةِ
وَاشْتَهَرَت في النَملِ بالتَقَشُّفِ
وَاتَّصَفَت بِالزُّهَدِ وَالتَصَوُّفِ
لَكِن يَقُومُ اللَّيلَ مَن يَقتاتُ
فَالبَطْنُ لا تَملؤهُ الصَّلَواتُ
وَالنَملُ لا يَسعى إِلَيهِ الحَبُّ
وَنَملَتي شَقَّ عَلَيْهَا الدَأبُ
فَخَرَجَت إِلَى اِلتِماسِ القُوتِ
وَجَعَلَت تَطوفُ بِالبُيُوتِ
تَقُولُ هَل مِن نَملَةٍ تَقِيَّةٌ
تُنعِمُ بِالقُوتِ لِذي الوَلِيَّةِ
لَقَد عَيِيتُ بِالطَوى المُبَرِّحِ
وَمُنذُ لَيلَتَينِ لَم أَسَبِّحِ
فَصاحَتِ الجاراتُ يا لَلعارِ
لَم تَترُكِ النَملَةُ لِلصِرصارِ
مَتى رَضينَا مِثلَ هَذِهِ الحَالَةِ
مَتى مَدَدْنَا الكَفَّ لِلْسُؤالِ
وَنَحْنُ في عَينِ الوُجودِ أُمَّةٌ
ذَاتُ اِشتِهارٍ بِعُلُوِّ الهمَّةِ
نَحمِلُ ما يَصْبِرُ الجِمالُ
عَنْ بَعضِهِ لَو أَنَّهَا نِمالٌ
أَلَم يَقُل مَن قَوْلُهُ الصَّوابُ
مَا عِندَنا لِسائِلٍ جَوَابٌ
فَامضِ فَإِنَّا يا عَجُوزَ الشُّومِ
نَرى كمالَ الزُّهْدِ أَنْ تَصُومِي
قصيدة فلوس الشغل ما تأخير
- يقول أحمد شوقي:
فلوس الشغل لا تتأخَّـر
شغل اليوم من عاداتي
أينَ الحسابُ، حسابُ بيت البيك، هل
أحضرته لنراه في نظرات
هي ذي الدفاتر، ناطقات في يدي
بكمال ضبط الدخل والنفقات
لخّصتها لأميرتي وأتيت أعـ
ـرضها على الأعتاب مختصرات
هذا صادرٌ، هذا واردٌ، هذا سايرٌ
هذا حسابات أبو البركات
من بعد إنعاماتِ جمكياتٍ، يو
ميات، صرفيات، توريدات
هذا جفالك، هذا عماراتٌ كما
هذا مطابخٌ، ثم يا مولاتي
لا رأيَ لي في ثمُ، يا حنا، اختصر
يا ضيعةَ الأيامِ والساعاتِ
هذا الخلاصة، يا أميرة، فاسمعي
لي بالقراريطِ وبالحبات
قد كان عند البيك من عامٍ مضى
عشرون ألفاً حلوة الطلعات
ألفان منها مال ذاك العام والبَاقي
ضرائبُ، تسعة لم تأتِ
لم تأتِ، كيف رأيتمو تحصيلها
هذا، لعمري، البغي في الغايات
حنا لقد أقعدتني وأقمتني
أكذلك يفعل سائر البيكات
لا، إذ من العادات ما لا يستوي
فيه البيكاتُ، لكونهم درجات
وبأيما كيفيةٍ تحصيلها
ومن الجباة، فهنّ شرّ جباة
هل في دم الفلاح سرّ الكيميا
أم هل يدين لكل باغٍ عاتي
تحصيلها سهل مع القرصات وال
كيات والجلدات والشنقات
والضرب فوق الظهر، وهو مطاوعٌ
والضرب فوق البطن، وهو مواتي
وأمرّ من ذا بيع واحدةٍ للنعا
ج أو التي بقيت من البقرات
الآن بان لي الرشاد بوجهه
وعرفت مصدرَ هذه الظلمات
وقنطت من مرجوّ عودك يا علي
ورجوعَ بيتك ظافرَ الرايات
قصيدة العمل
- يقول الشاعر الصوارمي خالد سعد:
قلتُ والقولُ حديثٌ
ذو شجونٍ ومعاني
يا بني قومي هبوا
وأتركوا هذا التواني
اعملوا في كل جدٍّ
عفَّةُ الأيدي التفاني
ما رأينا عاجزاً حاز
على سهم الرهانِ
لا ولا فاز جَبانٌ
أي فوز للجبانِ
لا ولم يرْتَقِ شَعْبٌ
هَمُّه مَدح الغوانى
يا شباب المجد هيا
حطموا قيد الهوَانِ
وثبةٌ رَنَّ صَداها
ألهبت كل جَنَانِ
إنما العلياء نجمٌ
دُونَه كل طِعانِ
إنما الدنيا سباقٌ
نحو آفاق الزمانِ
كيف يحلو اللهو يوماً
كيف نرنو للحِسَانِ
هزني بالأمس طيفٌ
في دجى الليل احتواني
وكأن الطيفَ وحيٌ
فَهُوَ نامُوسُ البيانِ
قائلاً لا تستريحوا
أين عَزمٌ كالسِّنانِ
صوت داعٍ للمعالي
إنَّهُ لَحْنٌ شَجَاني
حطموا الجام وسيروا
بعِظاتٍ كالجُمَانِ
قلتُ والقولُ حديثٌ
ذو شجونٍ ومعاني
إنما الأخلاقُ قومي
هيَ مِرقاةُ الأماني
قصيدة فكرة العمل
- يقول الشاعر قاسم حداد:
الفارغُ من الدلالات
كلما بالغَ في طرح صوته
ضاجاً
مجلجلاً
يجهر بجرأة خطابه الفجّ،
كلما شَغرَ به المكان
وفرغت التجربة من أخباره
وخرجَ عن فكرة العمل.
كلما تكاثر بالكلام
شحّتْ دلالاته
وشَحُبَ المعنى.
من قصيدة اشهدي يا مصر أعمال البنين
- يقول الشاعر أحمد محرم:
اشهدي يا مصر أعمال البنين
وانظري الآيات حيناً بعد حين
كشف الحدثان عن مكنونها
فأزال الشك عن وجه اليقين
ذلك الجد فذوقي مره
وخذيه من أكف اللاعبين
اشربي الكأس دهاقاً واسمعي
عظة المخمور بين الشاربين
أنت خنت البر إذ لم تعرفي
موضع الخائن والبر الأمين
تجعلين الأمر فوضى ما له
من نظامٍ واضحٍ للمستبين
وترين الناس ناساً كلهم
من مناجيد وصرعى خامدين
أضلالاً منك تجزين الألى
أفسدوا الأمر جزاء المصلحين
وتقيمين رجالاً نقضوا
عهدك الأوفى مقام المخلصين
إيه يا مصر ألما تعلمي
حادثات الدهر في ماضي السنين
أيه يا مصر اذكريها وانظري
أي شعبٍ شعبك العاني الحزين
وكلي الأمر إلى الله فما
لك في الدنيا سواه من معين
عدة الأقطار في شدتها
وغيات الأمم المستضعفين
يدفع الأهوال عن مكروبها
حين لا يرجى دفاع الناصرين
ويعيد الميت من آمالها
مشرق الطلعة وضاح الجبين
مالك الملك مضت أحكامه
وجرت أقداره في العالمين
ما لنفسٍ قوةٌ في ملكه
جلّ ذو القوة والحول المتين
تذهب الهزة من أسطوله
بأساطيل الملوك القادرين
وإذا ما هم يوماً جنده
فالمنايا للجنود الغالبين
سائل الغبراء كم من دولٍ
ذهبت آثارها في الغابرين
حملتها أعصراً ثم انطوت
في عصور الذاهبين الأولين
همدت في جانبٍ من بطنها
يسع الأحياء منا أجمعين
سل عن التيجان وانظر هل ترى
فيه شيئاً من عروش المالكين
وتأمل هل لهم في جوفه
من جنودٍ أو بنودٍ أو سفين
قلب الترب فكم في الترب من
دولةٍ صرعى ومن ملكٍ دفين
معرض الأجيال إن طفت به
فتمهل واتئد في الطائفين
واجعل المصباح في ظلمته
عبرة الموت لقومٍ مبصرين
إنما الدنيا حياةٌ تنقضي
وحديثٌ نافعٌ للذاكرين
وضح الحق لقومٍ جاهلين
فانظري يا مصر ماذا تأمرين
أنت لله بناءٌ قائمٌ
تلتوي عنه أكف الهادمين
صابري الأحداث مهما مكرت
وثقي بالله خير الماكرين
لا تراعي إن من آياته
ما يراعي فيك من دنيا ودين
اطلبي ما شئت منه وارقبي
حكمه في شعبك العاني الرهين
أهي الأحداث لا تنصفنا
فتعالى الله خير الحاكمين