تقدم لكم مقال مجموعة من أشعار الشاعر جرير بن عطية، الذي يُعتبر من ألمع الشعراء في العصر الأموي. يُعرف جرير بقدرته الفائقة على التعبير، وخصوصاً في قصائد الحب.
إضافةً إلى ذلك، كان له أسلوب متميز في فن الهجاء والمدح. وُلِدَ جرير في منطقة نجد، حيث عاش حياته بأكملها وتوفي فيها. قضى معظم سنوات عمره بين شعراء عصره، حيث كان يتبادل الشعر معهم ويُنافسهم فيه.
في هذا المقال، سنقدم لكم مجموعة مختارة من أجمل قصائد الشاعر الكبير جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي.
أشعار جرير في الحب
تُعد قصيدة “بان الخليط ولو طوعت ما بانا” واحدة من أجمل قصائد جرير في الحب، التي كتبها في أسلوب الغزل، إليكم بعض أبياتها:
قصيدة بان الخليط ولو طوعت ما بانا
بانَ الخليل وَلَو طوِّعت ما بانا.
وَقَطَّعوا مِن حبالِ الوَصلِ أَقرانا.
حَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتغي بَدَلاً.
بِالدارِ داراً وَلا الجيرانِ جيرانا.
قَد كنت في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍ.
مرَوَّعاً مِن حِذارِ البَينِ مِحزانا.
يا رَبّ مكتَأِبٍ لَو قَد نعيت لَه.
باكٍ وَآخَرَ مَسرورٍ بِمَنعانا.
لَو تَعلَمينَ الَّذي نَلقى أَوَيتِ لَنا.
أَو تَسمَعينَ إِلى ذي العَرشِ شَكوانا.
كَصاحِبِ المَوجِ إِذ مالَت سَفينَته.
يَدعو إِلى اللَهِ إِسراراً وَإِعلانا.
يا أَيّها الراكِب المزجي مَطِيَتَه.
بَلِّغ تَحِيَّتَنا لقّيتَ حملانا.
بَلِّغ رَسائِلَ عَنّا خَفَّ مَحمَلها.
عَلى قَلائِصَ لَم يَحمِلنَ حيرانا.
كَيما نَقول إِذا بَلَّغتَ حاجَتَنا.
أَنتَ الأَمين إِذا مستَأمَنٌ خانا.
تهدي السَلامَ لِأَهلِ الغَورِ مِن مَلَحٍ.
هَيهاتَ مِن مَلَحٍ بِالغَورِ مهدانا.
أَحبِب إِلَيَّ بِذاكَ الجِزعِ مَنزِلَةً.
بِالطَلحِ طَلحاً وَبِالأَعطانِ أَعطانا.
يا لَيتَ ذا القَلبَ لاقى مَن يعَلِّله.
أَو ساقِياً فَسَقاه اليَومَ سلوانا.
أَو لَيتَها لَم تعَلِّقنا علاقَتَها.
وَلَم يَكن داخِلَ الحبّ الَّذي كانا.
هَلّا تَحَرَّجتِ مِمّا تَفعَلينَ بِنا.
يا أَطيَبَ الناسِ يَومَ الدَجنِ أَردانا.
قالَت أَلِمَّ بِنا إِن كنتَ منطَلِقاً.
وَلا إِخالكَ بَعدَ اليَومِ تَلقانا.
يا طَيبَ هَل مِن مَتاعٍ تمتِعينَ بِهِ.
ضَيفاً لَكم باكِراً يا طَيبَ عَجلانا.
ما كنت أَوَّلَ مشتاقٍ أَخا طَرَبٍ.
هاجَت لَه غَدَوات البَينِ أَحزانا.
يا أمَّ عَمروٍ جَزاكِ اللَه مَغفِرَةً.
ردّي عَلَيَّ فؤادي كَالَّذي كانا.
أَلَستِ أَحسَنَ مَن يَمشي عَلى قَدَمٍ.
يا أَملَحَ الناسِ كلِّ الناسِ إِنسانا.
يَلقى غَريمكم مِن غَيرِ عسرَتِكم.
بِالبَذلِ بخلاً وَبِالإِحسانِ حِرمانا.
لا تَأمَنَنَّ فَإِنّي غَير آمِنِهِ.
غَدرَ الخَليلِ إِذا ما كانَ أَلوانا.
قَد خنتِ مَن لَم يَكن يَخشى خِيانَتكم.
ما كنت أَوَّلَ مَوثوقٍ بِهِ خانا.
لَقَد كَتَمت الهَوى حَتّى تَهَيَّمَني.
لا أَستَطيع لِهَذا الحبّ كِتمانا.
كادَ الهَوى يَومَ سَلمانينَ يَقتلني.
وَكادَ يَقتلني يَوماً بِبَيدانا.
وَكادَ يَومَ لِوى حَوّاءَ يَقتلني.
لَو كنت مِن زَفَراتِ البَينِ قرحانا.
لا بارَكَ اللَه فيمَن كانَ يَحسِبكم.
إِلّا عَلى العَهدِ حَتّى كانَ ما كانا.
مِن حبَّكم فَاِعلَمي لِلحبِّ مَنزِلَةً.
نَهوى أَميركم لَو كانَ يَهوانا.
لا بارَكَ اللَه في الدنيا إِذا اِنقَطَعَت.
أَسباب دنياكَ مِن أَسبابِ دنيانا.
يا أمَّ عثمانَ إِنَّ الحبّ عَن عَرضٍ.
يصبى الحَليمَ وَيبكي العَينَ أَحيانا.
ضَنَّت بِمَورِدَةٍ كانَت لَنا شَرَعاً.
تَشفي صَدى مستَهامِ القَلبِ صَديانا.
كَيفَ التَلاقي وَلا بِالقَيظِ مَحضَركم.
مِنّا قَريبٌ وَلا مَبداكِ مَبدانا.
نَهوى ثَرى العِرقِ إِذ لَم نَلقَ بَعدَكم.
كَالعِرقِ عِرقاً وَلا السلّانِ سلّانا.
ما أَحدَثَ الدَهر مِمّا تَعلَمينَ لَكم.
لِلحَبلِ صرماً وَلا لِلعَهدِ نِسيانا.
أَبدِّلَ اللَيل لا تَسري كَواكِبه.
أَم طالَ حَتّى حَسِبت النَجمَ حَيرانا.
يا ربّ عائِذَةٍ بِالغَورِ لَو شَهِدَت.
عَزَّت عَلَيها بِدَيرِ اللجِّ شَكوانا.
إِنَّ العيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ.
قَتَلنَنا ثمَّ لَم يحيِينَ قَتلانا.
يَصرَعنَ ذا اللبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ.
وَهنَّ أَضعَف خَلقِ اللَهِ أَركانا.
يا ربّ غابِطِنا لَو كانَ يَطلبكم.
لاقى مباعَدَةً مِنكم وَحِرمانا.
أَرَينَه المَوتَ حَتّى لا حَياةَ بِهِ.
قَد كنَّ دِنَّكَ قَبلَ اليَومِ أَديانا.
طارَ الفؤاد مَعَ الخَودِ الَّتي طَرَقَت.
في النَومِ طَيِّبَةَ الأَعطافِ مِبدانا.
مَثلوجَةَ الريقِ بَعدَ النَومِ واضِعَةً.
عَن ذي مَثانٍ تَمجّ المِسكَ وَالبانا.
بِتنا نَرانا كَأَنّا مالِكونَ لَنا.
يا لَيتَها صَدَّقَت بِالحَقِّ رؤيانا.
قالَت تَعَزَّ فَإِنَّ القَومَ قَد جَعَلوا.
دونَ الزِيارَةِ أَبواباً وَخزّانا.
لَمّا تَبَيَّنت أَن قَد حيلَ دونَهم.
ظَلَّت عَساكِر مِثل المَوتِ تَغشانا.
ماذا لَقيت مِنَ الأَظعانِ يَومَ قِنىً.
يَتبَعنَ مغتَرِباً بِالبَينِ ظَعّانا.
أَتبَعتهم مقلَةً إِنسانها غَرِقٌ.
هَل يا ترى تارِكٌ لِلعَينِ إِنسانا.
كَأَنَّ أَحداجَهم تحدى مقَفِّيَةً.
نَخلٌ بِمَلهَمَ أَو نَخلٌ بِقرّانا.
يا أمَّ عثمانَ ما تَلقى رَواحِلنا.
لَو قِستِ مصبَحَنا مِن حَيث ممسانا.
تَخدي بِنا نجبٌ دَمّى مَناسِمَها.
نَقل الحَزابِيِّ حِزّاناً فَحِزّانا.
أشعار جرير في الحب مكتوبة
يُعتبر الشاعر جرير بن عطية التميمي من أبرز الشعراء في العصر الأموي، حيث نافس ببراعة شعراء عصره وكسب احترام جمهور الأدب، فلم يستطع الوقوف أمامه سوى الأخطب والفرزدق. إليكم بعض أشعاره في الحب مكتوبة:
قصيدة طاف الخيال وأين منك لماماً
طافَ الخَيال وَأَينَ مِنكَ لِماما.
فَاِرجِع لِزَورِكَ بِالسَلامِ سَلاما.
فَلَقَد أَنى لَكَ أَن توَدِّعَ خلَّةً.
فَنِيَت وَكانَ حِبالها أَرماما.
فَلَئِن صَدَرتَ لَتَصدرَنَّ بِحاجَةٍ.
وَلَئِن سقيتَ لَطالَ ذا تَحواما.
يا عَبدَ بَيبَةَ ما عَذيركَ محلِباً.
لِتصيبَ عرَّةَ مجرِبٍ وَتلاما.
نبِّئت أَنَّ مجاشِعاً قَد أَنكَروا.
شَعَراً تَرادَفَ حاجِبَيهِ تؤاما.
يا ثَلطَ حامِضَةٍ تَرَوَّحَ أَهلها.
عَن ماسِطٍ وَتَنَدَّتِ القلّاما.
أنبِئت أَنَّكَ يا اِبنَ وَردَةَ آلِفٌ.
لِبَني حدَيَّةَ مقعَداً وَمقاما.
وَإِذا انتَحَيتكم جَميعاً كنتم.
لا مسلِمينَ وَلا عَلَيَّ كِراما.
وَلَقَد لَقيتَ مَؤونَةً مِن حَربِنا.
نَزَلَت عَلَيكَ وَأَلقَتِ الأَجراما.
وَلَقَد أَصابَ بَني حدَيَّةَ ناطِحٌ.
وَلَقَد بعِثت عَلى البَعيثِ غَراما.
قصيدة لمن طلل هاج الفؤاد المتيم
لِمَن طَلَلٌ هاجَ الفؤادَ المتَيَّما.
وَهَمَّ بِسَلمانينَ أَن يَتَكَلَّما.
أَمَنزِلَتي هِندٍ بِناظِرَةَ اسلَما.
وَما راجَعَ العِرفانَ إِلّا تَوَهّما.
وَقَد أَذِنَت هِندٌ حَبيباً لِتَصرِما.
عَلى طولِ ما بَلّى بِهِندٍ وَهَيَّما.
وَقَد كانَ مِن شَأنِ الغَوِيِّ ظَعائِنٌ.
رَفَعنَ الكسا وَالعَبقَرِيَّ المرَقَّما.
كَأَنَّ رسومَ الدارِ ريش حَمامَةٍ.
مَحاها البِلى فَاستَعجَمَت أَن تَكَلَّما.
طَوى البَين أَسبابَ الوِصالِ وَحاوَلَت.
بِكِنهِلَ أَسباب الهَوى أَن تَجَذَّما.
كَأَنَّ جِمالَ الحَيِّ سربِلنَ يانِعاً.
مِنَ الوارِدِ البَطحاءَ مِن نَخلِ مَلهَما.
سقيتِ دَمَ الحَيّاتِ ما بال زائِرٍ.
يلِمّ فَيعطى نائِلاً أَن يكَلَّما.
وَعَهدي بِهِندٍ وَالشَباب كَأَنَّه.
عَسيبٌ نَما في رَيَّةٍ فَتَقَوَّما.
بِهِندٍ وَهِندٌ هَمّه غَيرَ أَنَّها.
تَرى البخلَ وَالعِلّاتِ في الوَعدِ مَغنَما.
لَقَد عَلِقَت بِالنَفسِ مِنها عَلائِقٌ.
أَبَت طولَ هَذا الدَهرِ أَن تَتَصَرَّما.
دَعَتكَ لَها أَسباب طولِ بَلِيَّةٍ.
وَوَجدٌ بِها هاجَ الحَديثَ المكَتَّما.
عَلى حينِ أَن وَلّى الشَباب لِشَأنِهِ.
وَأَصبَحَ بِالشَيبِ المحيلِ تَعَمَّما.
أَلا لَيتَ هَذا الجَهلَ عَنّا تَصَرَّما.
وَأَحدَثَ حِلماً قَلبه فَتَحَلَّم.
أنيخَت رِكابي بِالأَحِزَّةِ بَعدَما.
خَبَطنَّ بِحَورانَ السَريحَ المخَدَّم.
وَأدني وِسادي مِن ذِراعِ شِمِلَّةٍ.
وَأَترك عاجاً قَد عَلِمتِ وَمِعصَما.
وَعاوٍ عَوى مِن غَيرِ شَيءٍ رَمَيته.
بِقارِعَةٍ أَنفاذها تَقطر الدَما.
وَإِنّي لَقَوّالٌ لِكلِّ غَريبَةٍ.
وَرودٍ إِذا الساري بِلَيلٍ تَرَنَّم.
خَروجٍ بِأَفواهِ الرواةِ كَأَنَّها.
قَرا هندوانِيٍّ إِذا هزَّ صَمَّم.
فَإِنّي لَهاجيهِم بِكلِّ غَريبَةٍ.
شَرودٍ إِذا الساري بِلَيلٍ تَرَنَّما.
غَرائِبَ ألّافاً إِذا حانَ وِردها.
أَخَذنَ طَريقاً لِلقَصائِدِ مَعلَما.
لَعَمري لَقَد جارى دَعِيّ مجاشِعٍ.
عَذوماً عَلى طولِ المجاراةِ مِرجَما.
وَلاقَيتَ مِنّا مِثلَ غايَةِ داحِسٍ.
وَمَوقِفِهِ فَاِستَأخِرَن أَو تَقَدَّما.
فَإِنّي لَهاجيكم وَإِنّي لَراغِبٌ.
بِأَحسابِنا فَضلاً بِنا وَتَكَرّما.
سَأَذكر مِنكم كلَّ منتَخَبِ القوى.
مِنَ الخورِ لا يَرعى حِفاظاً وَلا حِمى.
فَأَينَ بَنو القَعقاعِ عَن ذَودِ فَرتَنى.
وَعَن أَصلِ ذاكَ القِنِّ أَن يَتَقَسَّما.
فَتؤخَذَ مِن عِندِ البَعيثِ ضَريبَةٌ.
وَيترَكَ نَسّاجاً بِدارينَ مسلَما.
يَبين إِذا أَلقى العِمامَةَ لؤمه.
وَتَعرِف وَجهَ العَبدِ حينَ تَعَمَّما.
فَهَلّا سَأَلتَ الناسَ إِن كنتَ جاهِلاً.
بِأَيّامِنا يا اِبنَ الضَروطِ فَتَعلَما.
وَرِثنا ذرى عِزٍّ وَتَلقى طَريقَن.
إِلى المَجدِ عادِيَّ المَوارِدِ مَعلَما.
وَما كانَ ذو شَغبٍ يمارِس عيصَنا.
فَيَنظرَ في كَفَّيهِ إِلّا تَنَدَّما.
أجمل أشعار جرير في الحب
تتميز أشعار الشاعر جرير بن عطية التميمي بلغة عفيفة، حيث كتب العديد من القصائد الغزلية التي تحافظ على ذوق الأدب الرفيع. إليكم مجموعة من أجمل أشعار جرير في الحب:
كتب جرير في رثاء زوجته:
لولا الحياء لها جني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار.
ولهت قلبي إذ علتني كبـرة وذوو التمائم من بنيك صغار.
صلى الملائكة الذين تخيروا والطيبون عليـك والأبـرار.
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ليل يكـر عليهـم ونهـار.
قصيدة أمامة ليست للتي شاع سرها
أمامَة لَيسَت لِلَّتي شاعَ سِرّها.
بِإِلفٍ وَلا ذاكَ المريب خَدين.
لَها في بَني ذبيانَ نَبتٌ بِمَفرَعٍ.
وَفي مِنقَرٍ عالي البِناءِ كَنين.
وَما كانَ عِندي في أمامَةَ عاذِلٌ.
مطاعاً وَلا الواشي لَدَيَّ مَكين.
لَقَد شَفَّني بَين الخَليطِ بِساجِرٍ.
وَمَحبِس أَجمالٍ لَهنَّ حَنين.
فَكَيفَ بِوَصلِ الغانِياتِ وَلَم يَزَل.
لِقَلبِكَ مِن أَقرانِهِنَّ قَرين.
فَإِن كنتم كَلبى فَعِندي شِفاؤكم.
وَلِلجِنِّ إِن كانَ اِعتَراكَ جنون.
بِوادي أشَيَّ الخبثِ يا آلَ منقِذٍ.
مَعاذِر فيها سِرقَةٌ وَمجون.
وَتعجِب قَيساً وَالقباعَ إِذا اِنتَشَوا.
سَوالِف مالَت لِلصِبا وَعيون.
بَني منقِذٍ لا صلحَ حَتّى تصيبَكم.
مِنَ الحَربِ صَمّاء القَناةِ زَبون.
وَحَتّى تَذوقوا كَأسَ مَن كانَ قَبلَكم.
وَيَزرِقَ مِنكم في الحِبالِ قَرين.
وَحَتّى تَضمَّ الحَرب مَعكم عطارِداً.
وَيَبرَأَ تَخليجٌ بِهِ وَجنون.
بَني منقِذٍ ما بال مِنحَةِ جارِكم.
تَدَفَّن أَظلافٌ لَها وَقرون.
وَلَو نَزَلوا بِالبَيتِ ما باتَ آمِناً.
حَمامٌ لَدى البَيتِ الحَرامِ قَطون.
وَلَو يَعلَم السلطان ما تَفعَلونَه.
لَبانَت يَمينٌ مِنكم وَيَمين.