أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
- يقول المتنبي:
أُغالِبُ الشوقَ فيكَ، لكن الشوقَ يُقَتِّرُ
وأتعجب من حالة الهجر، فما أدهشها من وصلٍ يُعجبُ.
ألا تخطئ الأيام فيّ برؤية
بغيضٍ يبتعد أو حبيبٍ يقترب؟
ولله سيري، ما أقلَّ تأخري
عشِيَّةَ الشرق أو الغرب وَالصَّبا.
عشِيَّةَ جافاني فيها من أحببتُ
وأخلصلك الطريقين اللذين أبتعدُ عنهما.
وكَم من ظلام الليل لديك يدٌ
تخبر أن الميول تكذب.
وقد مَضَى ردى الأعداء إليهم،
وزارك فيها ذو الدلال المستتر.
وفي يومٍ كليل العاشقين قد اختبأتُ
أراقب فيه الشمس، أيّانَ تغرب؟
وَعيناي إلى أُذنيك أَغرَّ، كأنما
من الليلِ لم تبقَ بين عينيك كَوْكَبٌ.
وددت من الشوق الذي بي أنني
- يقول قيس بن ذريح:
وَدِدتُ أن تمنحني الشوقُ الذي أعيشه
أجنحةً لطائرٍ لأطير بها.
ففي النعيم الذي يلي فقدك لا لذة،
ولا سرور ما لم تكوني فيه سعادة.
وإني لشخصٍ في بلدةٍ حائراً،
نصف روحي هنا، ونصف في أخرى.
تعرَّفتُ جسمي أسيراً في بلدةٍ،
وقلبي أسيرٌ في بلدةٍ أخرى غير تلك.
ألا، يا غرابَ الفراق، ليتك تخبرني،
بما تعرفُ في لبنَى وأنتَ العليم.
فإن لم تُخبرني بشيءٍ علمته،
فلن تَطير إلا وتكون جناحُكَ كسيرًا.
ودرتَ بأعداء محبوبكِ بينهم،
كما ترى، ولحبيبي تدورُ.
عندي فؤاد يكاد الشوق ينزعه
- يقول ابن قلاقس:
عندي فؤادٌ يكاد الشوقُ ينزعه،
وليس يدري بما تخفيه أضلُعُهُ.
يظل ظمآنَ مطوياً على حَرَقٍ،
إن بات يُبصر ماءً وهو يمنعُه.
ما شئت يا ليل، فامدُدْ من دجَاك، فقد
لاحت تباشيرُ صبحٍ حان مطلعُه.
يا أيها البدر، كم يرعاك ذو سهَرٍ،
ما تزال بالعُدوى في قربٍ تُروعه.
لله درُّكَ، كم يدعوك ذو كلف،
بانٍ يُجيب دعاهُ حين يسمعه.
بينما يرى قدرَهُ نَزراً فيؤنسه،
حتى يرى ودهُ جماً فيُنعشُه.
فهل سبيلٌ لحفظ الزمان له؟
إلى المثول بنادٍ منك يرفعه؟
أهاج لك الشوق القديم خياله
- يقول الفرزدق:
أهاجَ لك الشوق القديم خياله،
منازل بين المُنتَضى ومُنيم.
وقد حال دوني السجن حتى نَسيتُها،
وأذهلني عن ذكر كل حميم.
على أنني من ذكرها كل ليلةٍ،
كَذي حُمَةٍ يعتاد داء سليم.
إذا قيلَ قد ذلت له عن حياتها،
تُراجِعُ منه خابلات شَكيم.
إذا ما أتَتهُ الريح من نحو أرضها،
فقُل في بعيد العائلات سقيم.
فإن تُنكِري ما كنتِ قد تعرفينه،
فما الدهر مِن حالٍ لنا بذميم.
له يوم سوءٍ ليس يُخطئ حظه،
ويومٌ تلاقت شمسُهُ بنعيم.
وقد علمت أن الركاب قد اشتكت
مواقع عُريٍّ مكان كُلومِ.
الشوق يهواني واهوى طرفه
- يقول ابن الأردخل:
الشوق يهواني واهوى طرفه،
حتى كلانا في سقيم.
وكفى بأنواء الجفون إشارة،
في عارضِي إلى طلوع نجمٍ.
الشوق أكثر من أن
- يقول المكزون السنجاري:
الشوق أكثر من أن يحويه منّي كتاب،
والحب أكبر من أن يُخفيه عنّي حجاب.
عابَ اشتِهاري قومٌ
عن مشهدي فيه غابُوا.
ولو رأوه بعيني،
لِاستحسنوا ما عابُوا.
نار من الشوق إثر نار
- يقول ابراهيم ناجي:
نارٌ من الشوق إذ تحرق ناراً،
فلا هدوءٌ ولا قرار.
إنك لي مبدأ وعودٌ،
منك إلى صدري الفرار.
يا مرفأَ الروح، لا تَدعيني
بلا دليلٍ ولا منار.
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ،
فمن دمارٍ إلى دمار.
إن أنتِ أخلفتِ وعدَ حبي،
لم تُؤويني في الديار دار.
وليس لي في الهوى اصطبار،
وليس لي دونكِ اختيار.
أجد ومن أهواه في الحب عابث
- يقول ابن زيدون:
أجد ومن أهواه في الحب عابثٌ،
وأوفي له بالعهد إذ هو ناكث.
حبيبٌ نأى عنّي مع القُرب والأنس،
مقيمٌ له في مضمر القلب ماكث.
جفاني بإلطاف العدا وأزاله
عن الوصل رأيٌ في القطيعة حادث.
تغيَّرتَ عن عهدي وما زلتُ واثقاً
بعهدك، لكن غيَّرتكَ الحوادث.
وما كنتُ إذا ملكتك القلب عالماً
بأني عن حتفي بكفي باحث.
فَدَيتُكَ، إن الشوق لي مذ هجرتني
مُميتٌ، فهل لي من وصالك باحث.
ستَبلى الليالي والوداد بحاله
جديدٌ، وتفنى وهو للأرض وارث.
ولو أنني أقسمتُ أنك قاتلي
وأني مقتولٌ لما قيلَ حانث.
أضرمت نار الحب في قلبي
- يقول أبو نواس:
أَضرَمتَ نارَ الحب في قلبي،
ثم تبرأتَ من الذنب.
حتى إذا لججتُ بحر الهوى،
وطمتِ الأمواجُ في قلبي.
أفشيت سِرّي وتناسيتَني،
ما هكذا الإنصافُ يا حبي.
هبَّني لا أستطيع دَفع الهَوى،
عني، أما تخشى من الربِّ؟
يا جاهل الحب إن الحب لي سند
- يقول المعتمد بن عباد:
يا جاهِلَ الحب، إن الحب لي سندٌ،
مهما أُجَزَ عنه يوماً سوف أعتمد.
أَيَجهَلُ الحبَّ من أصحت به حرقةٌ،
تكاد من حرِّها الأحشاءُ تَتّقد.
اللَّهُ يعلم أني شَيقٌ أبداً،
لا ينقضي الشوق حتى ينقضي الأبدُ.
إن يَشرَب الجسد بَرَدَ الوصل مُنتعِشاً،
يُهدي إليه فؤادي حَرَّ ما يجد.
وقائلة ماذا لقيت من الحب
- يقول إيليا ابو ماضي:
وقائلة، ماذا لقيتَ من الحب؟
فقلتُ الرَدى والخوف في البعد والقُربِ.
فقالت، عَهَدتُ الحبَّ يَكسَبُ ربّه،
شَمائِلَ غُرّاً لا تُنالُ بلا حب.
فقلتُ لها، قد كان حباً فزادَهُ
نفورُ المهي، رأيً فأمست في حربِ.
وقد كان لي قلب وكُنتُ بلا هوًى،
فلما عرفتُ الحبّ صرتُ بلا قلبِ.
زدني بفرط الحب فيك تحيراً
- يقول ابن الفارض:
زدني بفَرْطِ الحبِ فيك تحيراً،
وارحم حشىً بلظى هواكَ تسعّراً.
وإذا سألتُك أن أراكَ حقيقةً،
فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى.
يا قلب! أنتَ وعدتني في حبهم،
صَبراً فاحذَر أن تضيقَ وتضجرا.
إن الغرامَ هو الحياة فمُت به،
صبّاً فحقّك أن تموتَ وتُعذرا.
قل للذين تقدّموا قَبلي ومن
بعدي ومن أضحى لأشجاني يرى:
عني خذوا، وبِي اقتدوا وليَ اسمعوا،
وتحدثوا بصبابتي بين الورى.
لقد خَلوتُ مع الحبيب وبَيْنَنَا
سرٌ يرقّ من النسيم إذا سرى.
وأباح طَرْفِي نظرةً أملتها،
فغدوتُ معروفاً وكنت مُنَكَّرا.
فَدهشتُ بين جمالهِ وجلالهِ،
وغدَا لسانُ الحال عنّي مُخبرًا.
فأدِرْ لحاظكَ في محاسن وجهه،
تلقَى جميعَ الحسنِ فيه مصوَّرا.
لو أن كل الحسن يكمُل صورةً،
ورآهُ كان مُهللًا ومُكبّرا.