قصيدة نبكي الشباب
يكتب الشاعر ابن الرومي:
نبكي الشباب لأجل احتياجات النساء، ولي
فيه مآرب أخرى سأنعيها.
أبكي الشباب لرَوْقٍ كان يثير إعجابي،
عندما أرى عيوني تتأمل ملامحه.
ما أعظم قدر نعمة الشباب عندي،
ليس فقط لخدٍ كان يسحرني.
لقد كانت عيوني تجذبني منه بحركات عجيبة،
أقل من جمال العيون التي كانت تثيرني.
كان للإعجاب بالنساء فيه نصيب،
ولكن النفس تلتف أكثر بما فيها.
كم كان يُبهجني من لطافةٍ عند لقاءه،
وخصوصًا عندما كنت أراه يدمع لها.
تبدأ النساء بصيادته بعقولهن،
فبالسهام التي ترميها تتقصد جلبه.
يثني عليهن بشجاعةٍ، ويظن أن لا يوجد شيء يثنيهن.
أبكي الشباب للذة القنص عندما،
تخلفه الثقل ويدعونه إلى المشاركات.
هنا لا توجد مودة من الشبان تأسرني،
ولا النفس خانعٌ ترضى بتقيد.
فإن غدوت، أفعل ذلك مع نفسي المعذبة،
مثل المرهق الذي يقضي وقته.
أبكي الشباب لتلك اللحظات الشاملة،
عندما تغنى الحسان وحثت الكأس مرافقها.
هناك لا تكون في راحة وأنت تحتسيها،
ولا أخٌ يشغلني عنها ويشغل معها.
كم زفرت في صدري في تلك اللحظات،
من حسرات لا تطوى من قلبي.
أبكي الشباب للنفس التي كانت تُعِينُها،
بكل ما خططت له من ملذات.
أبكي الشباب لأحلام تكسرت،
كانت مصدر سعادة بالنسبة لي.
أبكي الشباب لنفس لا ترى مكاناً لها،
ولا تعويضا يُحصِّن قلبها.
أبكي الشباب لعينٍ أصابها التعب،
بعدما تاهت في استكشافات.
عينٌ عهدتُ أن تلقي بها في نعيم،
أصبحت صماء ولم تعد تلتقط النبض.
أبكي الشباب لأذن قد تهاونت،
إذ أن تستجيب من بعيد فإنها لأدنى هوان.
أذنٌ على الرغم من برودتها،
فهي محتملة لأي شيء آخر.
أبكي الشباب لكفٍ كانت تمنح،
وقد تعيد وتعصر كفًا لن تدوم.
كفٌ عشتُ طعم البهجة منها،
فقد بادرني أن يكون يتوارى بعيدًا.
كان الشباب وقلبي غارقٌ فيه،
في سكينةٍ لا أدرك سببها.
روحٌ على نفسي كانت تُريحها،
ببرودة النسيم التي انتعشتها.
كأن نفسي كانت ضالةً في بستان،
حيث ساقي المُزن يسقيها.
كأن نفسي كانت تستقبل نسيمًا،
تعيث فيه حبًا وتعيش.
من مات ماتت كما قيل حاجته،
إلا الشباب فحاجات لا تسود.
يمضي الشباب ويترك من آثاره،
شجونًا على النفس تؤذيها.
ليت الزواجر اختفت معه،
أو كان يستمر ويظل الدهر مثله.
كلا ولكنه يرحل ويبقى،
في النفس آثار تعذبه.
وإذا ما أبعدت ما أودعته عدم،
فإن الزواجر لا تستطيع إزالة ما فيها.
وكانت النفس تنهره إذا غشت،
والمُنهي غيرها فكان منها ناها.
قصيدة وا حرَّ قلباه
يقول الشاعر المتنبي:
واحَرّ قلباه ممن قلبه شَبنُ
ومن بجسمي وحالي عنده سَقَمُ.
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قد برَى جَسدي،
وتَدّعي حب سيف الدولة الأممُ.
إن كان يجمعنا حبٌ لغرته،
فليت أنا بقدر الحب نقتسِمُ.
قد زُرته وسيوف الهند مغمدةٌ،
وقد نظرت إليه والسيوف دمُ.
فكان أحسن خلق الله كلهم،
وكان أحسن ما في الأحسن الشيمُ.
فوت العدو الذي يممته ظفرٌ،
في طيه أسفٌ وفي طيه نعمُ.
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت،
لك المهابة ما لا تصنع البهمُ.
ألزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها،
أن لا يُوارِيهم أرضٌ ولا علمُ.
أكلما رمت جيشاً فانثنى هرباً،
تصرفت بك في آثارهم الهممُ.
عليك هزيمتهم في كل معتركٍ،
وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا.
أمَا ترى ظفراً حلواً سوى ظفرٍ،
تصافحت فيه بيض الهند واللِممُ.
يا أعدل الناس إلا في معاملتي،
فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ.
أُعيذها نظراتٍ منك صادقةً،
أن تحسب الشحمَ فيمن شحمه ورمُ.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره،
إذا استوت عنده الأنوار والظُلَمُ.
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا
بأنني خير من تسعى به قدَمُ.
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدَبـي،
وأسمعت كلماتي من به صممُ.
أنام ملء جفوني عن شواردها،
ويسهر الخلق جراها ويختصمُ.
وجاهلٍ مده في جهله ضحكي،
حتى أتته يدٌ فراسةٌ وفمُ.
إذا رأيتَ نِيُوبَ اللّيثِ بارزةً،
فلا تظن أن اللّيثَ يبتسمُ.
ومهجتي مهجتي من هم صاحبها،
أدركتها بجوادٍ ظهره حرمُ.
رجلاه في الركض رجلٌ واليدان يدٌ،
وفعله ما تريد الكف والقدمُ.
ومرهفٍ سرت بين الجحفلين به،
حتى ضربت وموج الموت يلتطمُ.
الخيل والليل والبيداء تعرفني،
والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ.
صحبت في الفلوات الوحش منفردا،
حتى تعجبت مني القور والأكَمُ.
يا من يعز علينا أن نفارقهم،
وجداننا كل شي بعدكم عدمُ.
ما كان أخلقنا منكم بتكرمةٍ،
لو أن أمركم من أمرنا أَمَمُ.
إن كان سركم ما قال حاسدنا،
فما لجُرحٍ إذا أرضاكم ألمُ.
وبيننا لو رعيتم ذا معرفةٌ،
إن المعارف في أهل النُهى ذممُ.
كم تطلبون لنا عيباً فيُعجزكم،
ويكره الله ما تأتون والكرمُ.
ما أبعد العيب والنقصان من شرفي،
أنا الثريّا وذانِ الشيب والهرمُ.
ليت الغمام الذي عندي صواعقه،
يزيلهن إلى من عنده الديمُ.
أرى النوى تقتضيّني كل مرحلةٍ،
لا تستقل بها والخادة الرُسمُ.
لئن تركنا ضميراً عن مياميننا،
ليحدثن لمن ودعتُهم ندمُ.
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا،
ألا تفارقهم فالرّاحلون هم.
شر البلاد مكانٌ لا صديق فيه،
وشر ما يكسب الإنسان ما يصمُ.
وشر ما قنصتْهُ راحتي قنصٌ،
شهب البزاة سواءٌ فيه والرخمُ.
بأي لفظ تقول الشعرَ زع نِفَةٌ،
تجوز عندك لا عُربٌ ولا عجمُ.
هذا عتابك إلا أنه مُقرةٌ،
قد ضمن الدر إلا أنه كلمُ.
قصيدة أبت عبراته إلّا انسكاباً
يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
أبت عبراته إلا انسكابا،
ونار غرامه إلا التهابا.
ومن حق الطلول عليّ ألا،
أغبّ من الدموع لها سحابا.
وما قصّرت في تسآل ربعٍ،
ولكنّي سألت فما أجابا.
رأيت الشيب لاحَ فقلت أهلاً،
وودّعت الغواية والشبابا.
وما إن شِبت من كِبَرٍ ولكن،
رأيت من الأحبّة ما أَشابا.
بعثن من الهموم إليّ ركبًا،
وصيّنّ صدودَ لها رِكابا.
ألم ترَنا أعزّ الناس جارا،
وأمرعهم وأمنعهم جنابا.
لنا الجبل المطلّ على نزارٍ،
حللنا النجد منه والهضابا.
تفضّلنا الأنام ولا تحاشي،
ونُوصف بالجليل ولا نحابي.
وقد علمت ربيعة بل نزارٌ،
بأنّا الرأس والناس الذنابى.
ولما طغت سفهاء كعبٍ،
فتحنا بيننا للحرب بابا.
منحناها الحرائب غير أنا،
إذا جارَت منحناها الحِرابا.
ولما ثار سيف الدين ثُرنا،
كما هيّجت آساداً غِضابا.
أسِنّته إذا لاقى طعاناً،
صوارمه إذا لاقى ضِرابا.
دعانا والأسنّة مشرعاتٌ،
فكنّا عند دعوته الجوابا.
صنائع فاقت صانِعَها ففاقت،
وغرسٌ طاب غارسه فطابا.
وكنا كالسهام إذا أصابت،
مراميها فراميها أصابا.
قطعن إلى الجبار بنا معاناً،
ونكّبن الصبيرة والقبابا.
وجاوزن البدِيَّة صادياتٍ،
يلاحِظن السَراب ولا سرابا.
عبرن بماسحي والليل طفلٌ،
وجئن إلى سلمية حين شابا.
وقاد ندي بن جعفر من عقيلٍ،
شعوبًا قد أسال بها الشِعابا.
فما شعروا بها إلا ثباتًا،
دوين الشدّ تصخَبُ اصطيخابا.
تناهبن الثناء بصبر يومٍ،
به الأرواح تُنتَهَبُ انتهابا.
تَنادوا فانبرَت من كل فَجٍّ،
سابقٌ يُنتجَبنَ لنا انجابا.
فما كانوا لنا إلا أسارى،
وما كانت لنا إلا نِهَابا.
كأن ندي بن جعفر قاد منهم،
هدايا لم يُرِغ عنك ثوابا.
وشدّوا رأيهم ببني قرَيعٍ،
فخابوا لا أبا لهم وخابا.
Sوقناهم إِلَى الحيران سَوقاً،
كما نَستاقُ آبالاً صعابا.
سقينا بالرماح بني قشير،
ببطن العثير السمّ المذابا.
فلما اشتدّت الهَيجاء كنا،
أشدّ مخالِباً وأحدّ نابا.
وأمنع جانباً وأعزّ جاراً،
وأوفى ذِمَّةً وأقلّ عابا.
ونكبنا الفُرُقلُسَ لم نرِدهُ،
كَأن بِنا عن الماء اجتنابا.
وأمطَرْنَا الجِباهَ بمُرجَحنّ،
ولكن بالطِعان المُرّ صابا.
وجُزنَ الصَحصَحان يخِدنَ وخداً،
ويجتنبنَ الفَلَاةَ بِنا اجتنابا.
ومِلنا عن الغوير وسِرنا حتى،
وردن عيون تدمُر والجِبابا.
قرَينَا بالسماوة مِن عُقيلٍ،
سباع الأرض والطير السغابا.
وبالصَبّاحِ والصبّاحُ عبدٌ،
قتَلنا مِن لُبابهِمُ اللُبابا.
تَرَكنا في بيوتِ بني المُهنّا،
نوادبَ ينتحِبنَ بها انتحابا.
شفت فيها بنو بكرٍ حُقوداً،
وغادَرتِ الضبابَ بها ضبابا.
وأبعدنا لسوء الفعل كعبًا،
وأدنينا لطاعته كِلابا.
وشردنا إلى الجولان طيئًا،
وجنبنا سماوته جِنابا.
سحابٌ ما أناخَ على عُقَيلٍ،
وجَرَّ على جِوارِهِمُ ذُبابا.
ومِلنا بالخُيول إلى نميرٍ،
تُجاذبُنا أعِنَّتَها جِذابا.
بكل مشيعٍ سمحٍ بنفسٍ،
يعز على العشيرة أن يُصابا.
وما ضاقت مذاهبُه وَلَكِن،
يُهاب مِن الحمية أن يُهابا.
ويأمرنا فنكفيه الأعداء،
هُمامٌ لو يشاء كفى ونابا.
فلما أيقنوا أن لا غياثٌ،
دعوه للمغوثة فاستجابا.
وعاد إلى الجميل لهم فعادوا،
وقد مدوا لصارمهم الرقابا.
أمر عليهم خوفًا وأمنًا،
أذاقهم بِهِ أريًا وصابا.
أحلّهم الجزيرة بعد يأسٍ،
أخو حلمٍ إذا ملك العقابا.
ديارهم انتزعناها انتزاعًا،
وأرضهم اغتصبناها اغتصابا.
ولو شئنا حميناها البوادي،
كما تحمي أسود الغاب غابا.
إذا ما أنهض الأمراء جيشًا،
إلى الأعداء أنفذنا كتابا.
أنا ابن الضارين الهام قدمًا،
إذا كره المحامون الضِرابا.
ألم تعلم ومثلُكَ قال حقًا،
بأني كنتُ أَثقَبها شِهابا.
قصيدة يسلم المرء أخوه
يقول الشاعر أبو العتاهية:
يسلم المرء أخوه
للمنايا وأبوه
وأبو الأبناء لا يب
قى ولا يبقى بَنوهُ.
ربَّ مذكورٍ لقومٍ
غابَ عنهم فنَسوهُ.
وإذا أفنى سنينه
المؤرخ أفنته سِنونُ.
وكأن بالمرء قد يَب
كي عليه أقرَبوهُ.
وكأن القوم قد قاما
فقالوا أدرِكوهُ.
سائلوه كلِّموهُ
حرِّكوه لقّنوهُ.
فإذا استيأس منهم القومُ
قالوا حرِّفوهُ.
حرِّفوه وجِّهوهُ
مدِّدوه غمِّضوهُ.
عجِّلوهُ لرحيلٍ
عجِّلوا لا تحبسوهُ.
ارفعوه غسِّلوهُ
كفِّنوه حنِّطوهُ.
فإذا ما لُفَّ بالأكفانِ
قالوا فاحمِلوهُ.
أخرِجوه فوق أعوادِ
المنايا شَيِّعوهُ.
فإذا صلَّوا عليهِ
قيلَ هاتوا واقبِروهُ.
فإذا ما استودعوهُ الأرضَ رَهْنًا
ترَكوهُ.
خلَّفوهُ تحت ردمٍ
أوقروه أثقَلوهُ.
أبعَدوهُ أسحَقوهُ
أوحَدوهُ أفرَدوهُ.
ودَّعوه فارَقوهُ
أسلموهُ خلفوهُ.
وانثنوا عنهُ وخلّوهُ
كأن لم يعرفوهُ.
وكأن القومَ فيما
كان فيه لم يلوهُ.
ابتنى الناسُ من البُن
يانِ ما لم يسكنوهُ.
جمع الناسُ من الأَم
والِ ما لم يأكلوهُ.
طلبَ الناسُ من الآ
مالِ ما لم يُدركوهُ.
كُلُّ مَن لم يجعل النا
سِ إِمامًا تركوهُ.
ظَعَن الموتى إلى ما
قدَّمونه وجدوهُ.
طابَ عيشُ القومِ ما كانَ ا
إذا القومُ رضوهُ.
عش بما شئتَ فمن تَس
رُره دُنياهُ تسوهُ.
وإذا لم يكرم الناسَ امرؤٌ لم يكرِموهُ،
كُلُّ مَن لم يفتَجِ النّاسُ إليه صغرُهُ.
وإلى من رغِبَ النّاسُ إليه أكبَرُهُ،
من تصدّى لأخيه بالغِنى فهو أخوهُ.
فهو إن ينظر إليه
يرءَ منه ما يسوهُ.
يُكرَمُ المرءُ وإن أملَقَ اقصاهُ بَنوهُ،
لو رأى الناسُ نَبِيًّا سائلاً ما وصلوهُ.
وهمُ لو طمعوا في
زادِ كَلْبٍ أكَلوهُ.
لا تراني آخِرَ الدَّه
رِ بتسآلٍ أَفوهُ.
إنّ مَن يسأل سِوى الرَّحمنِ يَكثر حارِموهُ،
والذي قامَ بأرزاقِ الورى طُرّاً سَلُوهُ.
وعن الناسِ بفضلِ اللهِ فاغنوا واحمِدوهُ.
تلبَسوا أثوابَ عِزٍّ فاسمعوا قَولي وعوهُ.
إنما يُعرَفُ بالفَضلِ مَن النّاسِ ذَوّوهُ،
أفضَلُ المعروفِ ما لم تُبتذَل فيه الوُجوهُ.
أنتَ مَا استَغنيتَ عَن صادِقِكَ الدَهرَ أخوهُ،
فإذا احْتَجتَ إِلَيْهِ ساعةً مَجَّكَ فوهُ.
قصيدة صوت صفير البلبل
يقول الأصمعي:
صوتُ صفير البلبُلِ
هيّجَ قلبي التململُ.
الماءُ والزهرُ معًا،
مع زهر لحظ المُقَلِ.
وأنتَ يا سيّدَ لي،
وسيدي ومولى لي.
فكم فكم تيمَّني
غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي.
قطفتَهُ من وَجنَةٍ،
من لثم ورد الخجلِ.
فقالَ لا لا لا لا لا،
وقد غدا مُهَرولِ.
والخُوذُ مالَت طَرَباً،
من فِعل هذا الرجلِ.
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت
ولي ولي يا ويل لي.
فقلتُ لا تُوَلِّي،
وبَيِّني اللُؤلُؤَ لي.
قالت له حينَ كذا،
انهَض وجد بالنقلِ.
وفتيّةٍ سقَوْنَنِي،
قهوةً كالعسلِ لي.
شَمَمتُها بأنفي،
أزكى مِنَ القَرَنفُلِ.
في وَسط بستانٍ حُلِي،
بالزهرِ والسرور لي.
والعودُ دندَن دنا لي،
والطَبلُ طَبطَب طَبَ لي.
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب،
طَب طَبَطَب طَبطَبَ لي.
والسقفُ سَق سَق سَق لي،
والرَقْصُ قَد طابَ لي.
شوى شوى وَشاهشُ،
على حِمارِ أَهزَلِ.
يمشي على ثلاثَةٍ،
كَمَشِيَةِ العَرَنَجلِ.
والناسِ تَرجم جَمَلِي،
في السواق بالقُلقلَلِ.
والكُلُّ كَعْكَع كَعِكَع،
خلفي ومن حُوَيللي.
لكن مَشَيتُ هارِبًا،
من خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي.
إلى لقاء ملكٍ،
مُعظَّمٍ مُمَجَّلِ.
يأمُرُ لي بخَلْعَةٍ،
حمرا كالدَم دَمَلِي.
أجُرُّ فيها ماشِياً،
مُبَغدِداً لذيذ.
أنا الأديبُ الأَلْمَعِي،
من حَيِّ أَرْضِ الموصلِ.
نَظمتُ قِطعًا زُخرفَت،
يَعجز عَنْها الأدبُ لي.
أقولُ في مطلَعِها،
صوتُ صفير البلبُلِ.
قصيدة لأي حبيب
يقول أبو تمام:
لأي حبيبٍ يحسن الرأي والودّ،
وأكثرُ هذا الناس ليس له عهدُ.
أرى ذمّي الأيام ما لا يضرّها،
فهل دافعٌ عنّي نوائبها الحمدُ.
وما هذه الدنيا لنا بمُطيعَةٍ،
وليسَ لخلقٍ من مُداراتِها بُدُ.
تحوزُ المعالي والعُبيد لِعاجزٍ،
ويخدمُ فيها نفسه البطَلُ الفردُ.
أكلّ قريبٍ لي بعيدٌ بودّهِ،
وكلّ صديقٍ بين أضلعي حقدُ.
ولله قلبٌ لا يبلُّ غليلَهُ،
وصالٌ ولا يُلهيه عَن خِلِّهِ وَعدُ.
يكَلّفُني أَن أطلُبَ العزّ بالمُنى،
وأين العُلى إن لم يُساعدني الجَدُ.
أحنُ وما أَهواهُ رُمحٌ وصارمٌ،
وسابغةٌ زُعفٌ وذو مَيْعةٍ نهدُ.
فيا لي مِن قلبٍ مُعَنّىً به الحَشا،
ويا لي مِن دمعةً قَريحةٍ به الخَدُ.
أُريدُ مِن الأيام كلّ عَظيمةٍ،
وما بين أضلاعي لها أُسَدٌ وردُ.
وليسَ فتىً مَن عاقَ عن حَمَلِ سيفه،
إسارٌ وحلّاهُ عن الطَلَبِ القِدُّ.
إذا كان لا يَمضي الحُسام بِنَفسِهِ،
فَلِلضَارِبِ الماضي بقائِمِهِ الحَدُ.
وحَوْلِيَ مِن هؤلاء الأنام عِصابَةٌ،
تَوَدُّدُها يخفى وأضغانُها تبدو.
يسرُّ الفتى دهرٌ وقد كان ساءَهُ،
وتخدمُه الأيام وهوَ لها عَبدٌ.
ولا مالَ إلا ما كسبَت بنيله،
ثناءً ولا مالٌ لمَن لا له مَجدُ.
وما العيشُ إلا أن تُصاحِبَ فتيَةً،
طواعِن لا يَعنيهِمُ النحسُ والسعدُ.
إذا طربوا يَوْمًا إلى العزِّ شَمَّروا،
وإن نُدِبوا يَوْمًا إلى غارةٍ جدّوا.
وكَم لي في يومِ الثّوِيَّةِ رقدةٌ،
يُضاجعُني فيها المهَنّدُ والغمدُ.
إذا طَلَبَ الأعداءُ أثرِيَ ببلدةٍ،
نجوتُ وقد غطى على أثَري البردُ.
ولو شاءَ رُمحي سدَّ كلَّ ثَنِيَّةٍ،
تُطالِعُني فيها المناوَلَ والجردُ.
نَصَلنا على الأكوَارِ مِن عَجزِ لَيلَةٍ،
تَرامى بِنا في صدرِها القورُ والوَهدُ.
طَرَدنا إليها خُفَّ كُلِّ نَجيبَةٍ،
عليها غُلامٌ لا يُمارسُهُ الوَجدُ.
ودَسنا بأيدي العيسِ ليلًا كأنَّما،
تَشابَهَ في ظلامهِ الشيبُ والمَرَدُ.
ألا لَيتَ شِعري هَل تُبَلِّغُنِي المُنى،
وتلقى بيَ الأعداءَ أَحصُنَةٌ جُردُ.
جِيادٌ وقد سَدَّ الغُبارُ فُروجَها،
تَروحُ إلى طعِنِ القَبائِلِ أو تَغدو.
خِفافٌ على إِثر الطريدةِ في الفَلا،
إذا ما جَعتِ الرمضاءُ واختلطَ الطردُ.
كَأَنَّ نُجومَ اللَيلِ تحت سُروجِها،
تَهاوى على الظلماءِ والليلُ مُسودُ.
يُعيدُ عليها الطعنَ كُلّ اِبنِ هِمّةٍ،
كَأَنَّ دَمَ الأَعداءِ في فمِهِ شَهدُ.
يُضاربُ حتّى ما لصَارمِهِ قُوىً،
ويَطعَنُ حتّى ما لذبيلِهِ جَهدُ.
تَغَرَّبَ لا مُستَحقِباً غَيرَ قوتِهِ،
ولا قائِلاً إِلّا لِما يَهَبُ المجدُ.
ولا خائِفاً إِلّا جَريرَةَ رُمحِهِ،
ولا طالِبًا إِلّا الذي تَطلبُ الأُسدُ.
إذا عَرَبيٌّ لم يكن مِثلَ سَيفِهِ،
مَضاءً على الأعداءِ أَنكرَهُ الجَدُ.
وما ضاقَ عنه كُلُّ شَرقٍ ومَغرِبٍ،
مِنَ الأرضِ إِلّا ضاقَ عَن نَفسِهِ الجِلْدُ.
إذا قَلَّ مالُ المرء قَلَّ صديقُهُ،
وفارقَهُ ذاكَ التَحنُنُ والوُدُ.
أصبح يُغضي الطَرفَ عَن كُلِّ مَنظَرٍ،
أنيقٍ ويُلهيهِ التَغَرُّبُ والبُعدُ.
فما لي وللأيامِ أُرضى بجورهَا،
وتعلمُ أني لا جَبانٌ ولا وَغدُ.
تغاضى عُيونُ الناسِ عَنّي مَهابَةً،
كما تتَّقي شَمسَ الضحى الأعيُنُ الرُمدُ.
تَخَطَّت بيَ الكُثبانَ جَرداءَ شَطبَةٌ،
فلا الرَعيُ دانٍ مِن خُطاها ولا الوِردُ.
تُدافِعُ رِجلاها يَدَيها عن الفَلا،
إلى حَيثُ يُنمى العِزُّ والجَدُّ والجِدُ.
فجاءتكَ وارهاءَ العِنانِ بفارسٍ،
تَلَفَّتَ حتّى غابَ عن عينِهِ نجدُ.
ومثلُكَ مَن لا تُوحِشُ الرَكبَ دارُه،
ولا نازِلٌ عَنْهَا إِذا نَزلَ الوَفدُ.
فيا آخِذًا مِن مَجدِهِ ما استحَقَّهُ،
نصيبُكَ هَذا العِزِّ والحَسَبُ العِدُ.
أبٌ أنتَ أعلى مِنهُ في الفَضلِ والعُلى،
وأمضى يَدًا والنارُ والدُ كالعَدُ.
وما عارضٌ عنوانُهُ البيضُ والقَنا،
أخو عارضٍ عنوانُهُ البَرقُ والرعدُ.
وكَم لكَ في صدرِ العدوِّ مَرَشَّةٌ،
يُخَضِّبُ منهُ الرمحُ مُنبعِقٌ وَردُ.
وفَوقَ شَواةِ الذِمرِ ضَربَةُ ثائرٍ،
يَكادُ لهُ السَيفُ اليَمَاني يُنقَدُ.
يَوَدُّ رجالٌ أَنَّني كُنتُ مُفحَماً،
ولولا خِصامي لم يَوَدّوا الذي وَدّوا.
مَدَحتُهُم فاستقبِحَ القَولُ فيهِمُ،
ألا رُبَّ عُنقٍ لا يليقُ بهِ عِقدُ.
زهدتُ وزهدي في الحَياةِ لِعِلَّةٍ،
وحُجَّةُ مَن لا يَبلُغُ الأملَ الزهدُ.
وهانَ عَلى قَلبي الزمانُ وأهلهُ،
وَوِجدَانُنا والمَوتُ يَطلبُنا فَقدُ.
وأرضى منَ الأيامِ أن لا تُميتَني،
وبي دونَ أقراني نَوائِبُها النُكدُ.