الأدب في فترة حكم الملكة فيكتوريا

تاريخ الأدب في العصر الفيكتوري

تاريخ الأدب في العصر الفيكتوري
تاريخ الأدب في العصر الفيكتوري

يمتد عصر الأدب الفكتوري تقريبًا إلى فترة حكم الملكة فيكتوريا لبريطانيا العظمى وإمبراطوريتها من عام 1837 إلى 1901م. شهدت هذه الحقبة تحولًا جذريًا في المجتمع البريطاني من الطابع الزراعي التقليدي إلى مجتمع صناعي وحضري. ساهمت الابتكارات التكنولوجية، مثل السكك الحديدية والمطبعة البخارية، في توحيد البريطانيين على الصعيدين الجسدي والفكري. وعلى الرغم من أن هذه الفترة تُعرف بأنها فترة القيم الأخلاقية المحافظة، إلا أن الفيكتوريين كانوا واعين للتغيرات السريعة التي شهدها عالمهم.

تفاوتت الإيمان الديني بين معتقدات إنجيلية وإلحاد، وكانت الطبقة العاملة والنساء والأقليات العرقية تناضل من أجل حقوقهم في التصويت وحكم أنفسهم. سعى الإصلاحيون لتحسين ظروف العمل، وإجراء إصلاحات صحية، وتعزيز التعليم الشامل. لذا، يعكس الأدب الفيكتوري هذه القيم والنقاشات والاهتمامات الثقافية.

يختلف الأدب الفيكتوري عن الأدب في القرن الثامن عشر والفترة الرومانسية لأنه لم يكن موجهًا لفئة معينة من المجتمع. فقد جعلت المطبعة البخارية نشر النصوص أكثر تكلفة، وسهلت السكك الحديدية توزيعها بسرعة، مما أتاح لجمهور أكبر الوصول إليها. كما أن هذه الفترة شهدت ظهور أنواع أدبية جديدة جذبت جماهير متنوعة.

أهم الأعمال الأدبية في العصر الفيكتوري

أهم الأعمال الأدبية في العصر الفيكتوري
أهم الأعمال الأدبية في العصر الفيكتوري

إنتاج العصر الفيكتوري من الأدب كان مليئًا بالأعمال التي عكست وتمردت على الأعراف الاجتماعية السائدة، وقدمت لنا قصصًا تستحق التأمل والتفكير لعقود وسنين طويلة.

قصيدة الباحث جيبسي

قصيدة الباحث جيبسي
قصيدة الباحث جيبسي

كتبت هذه القصيدة القصصية من قبل الشاعر ماثيو أرنولد (1822 – 1888م) الذي وُلد في مقاطعة ميدلسكس. تركزت أعماله حول الفرد الغربي المعاصر الذي يواجه الحياة بعد التخلي عن الدين. تمحورت كتاباته بين الأدب والتاريخ والسياسة واللاهوت والفن، ومن أبرز أعماله “الثقافة والفوضى”.

تناقش قصيدة الباحث جيبسي، التي كتبت عام 1853 وتتألف من 250 سطرًا، قصة طالب فقير يائس من جامعة أكسفورد ينضم إلى مجموعة من “الغجر” أو شعب الروما. لا يرغب هذا الطالب في الانسحاب من دراسة أكسفورد فقط، بل يسعى أيضًا إلى الانسحاب من العالم الحديث. وُجدت فيه عائلة “الغجر”، حيث تلقّى بعض أسرارهم، وقرر أن يبقى معهم ليتعلم قدر استطاعته.

كتاب الثقافة والفوضى

كتاب الثقافة والفوضى
كتاب الثقافة والفوضى

يعد هذا العمل النقدي البارز لماثيو أرنولد، الذي نُشر عام 1869، ويتألف من 150 صفحة، مقارنة بين الثقافة، التي يعرّفها بأنها “دراسة الكمال”، والفوضى التي كانت سائدة في الديمقراطية الجديدة في إنجلترا والتي تفتقر للمعايير والإحساس بالاتجاه. قسم أرنولد المجتمع الإنجليزي إلى فئات: البرابرة، التافهين، والجماهير. ورأى أن التافهين يمثلون مفتاح الثقافة، حيث كانوا الأكثر نفوذًا، مما يستدعي تثقيفهم وإضفاء الطابع الإنساني عليهم.

رواية مدل مارش

رواية مدل مارش
رواية مدل مارش

رواية “مدل مارش: دراسة عن الحياة الإقليمية” هي عمل اجتماعي لجورج إليوت، الاسم المستعار لماري آن إيفانز (1819 – 1880م)، الروائية الإنجليزية المعروفة. نُشرت الرواية على ثمانية أجزاء بين عامي 1871 و1872، وتناول فيها حياة المجتمع في مدينة ميدل مارش بكافة طبقاته الاجتماعية من النبلاء ورجال الدين إلى الصناعيين والعمال. تركّز الرواية بشكل خاص على المثالية الفاشلة لشخصيات رئيسية مثل دوروثيا بروك وترتيوس ليدجيت، اللتين تتعرض كل منهما لزواج كارثي.

رواية محنة ريتشارد فيفاريل

رواية محنة ريتشارد فيفاريل
رواية محنة ريتشارد فيفاريل

تحمل رواية “محنة ريتشارد فيفاريل” الرقم الثالث من مؤلفات الروائي الإنجليزي جورج ميريديث (1828 – 1909م) الذي وُلد في بورتسموث. بالإضافة إلى كونه روائيًا، كان أيضًا شاعرًا، وأشهر أعماله “ديانا تقاطع الطرق”. تتميز كتاباته باستخدام لغة معقدة، مما يجعل بعض أعماله صعبة الفهم، كما كان يشجع النساء على أن يكنّ أقوياء أمام الرجال.

نشرت محنة ريتشارد فيفاريل عام 1859، وهي رواية اجتماعية تعكس الواقع الاقتصادي لتلك الفترة. تحتوي على إشارات واستعارات ونثر غنائي، مع تناول عميق لعلم النفس في العلاقات. تستعرض الرواية العلاقة المضطربة بين أب قاسي وابنه الذي يحب فتاة من الطبقة العاملة، مما يؤدي إلى نهاية مأساوية للقصة.

الأناني

الأناني
الأناني

تُعَد “الأناني” رواية كوميدية لجورج ميريديث، نُشرت في ثلاثة مجلدات عام 1879، وهي واحدة من أكثر أعمال ميريديث شعبية رغم عدم كونها الأبرز له. تتعلق الرواية بأنانية السير ويلوبي باتونتي، الشخص المغرور الذي يرغب في الزواج من امرأة لا يستحقها، بينما تخطو الأحداث للوقوع في حب رجل آخر.

سوناتات الحب الحديث

سوناتات الحب الحديث
سوناتات الحب الحديث

رغم شهرة جورج ميريديث في الروايات، إلا أن ميوله الأولى للشعر مكنته من أن يكون شاعرًا موهوبًا. تُعتبر “سوناتات الحب الحديث” المنشورة عام 1862 واحدة من أبرز أعماله الشعرية، حيث تحتوي على مجموعة من 50 سونيتًا تتحدث عن فشل زواجه الأول. تعكس هذه السوناتات خيبة أمله بعد ترك زوجته له وهروبها مع الرسام هنري واليس، كما تتناول شخصيات مركزية تشمل الزوج والزوجة والرجل الآخر والمرأة الأخرى، مع تركيز المحور على هجر الزوج لزوجته وعذابه الناتج عن ذلك.

رواية عمدة كاستربريدج

رواية عمدة كاستربريدج
رواية عمدة كاستربريدج

تُعَد رواية “عمدة كاستربريدج” للروائي والشاعر الإنجليزي توماس هاردي (1840 – 1928م) من أبرز أعماله. وُلد هاردي في دورست، وتوفي فيها، وقد تأثرت رواياته بشدة بالرومانسية واحتوت على تصوير دقيق للطبقة الريفية. نُشرت الرواية عام 1886، وتتناول قصة مايكل هنشارد، الذي يقرر تغيير مساره بعد أن تخلى عن زوجته وابنته في نوبة غضب، ويحاول تحقيق تغيير إيجابي في حياته، لكنه يظل ملاحقًا بماضيه.

أبرز الأدباء في العصر الفيكتوري

أبرز الأدباء في العصر الفيكتوري
أبرز الأدباء في العصر الفيكتوري

شهد العصر الفيكتوري ازدهار الأدب، لاسيما في مجال الرواية، حيث أُنتِجَت العديد من الأعمال الأدبية التي اكتسبت شهرة دائمة. إليكم بعض الأدباء المتميزين في ذلك العصر:

  • تشارلز ديكنز: (1812 – 1870م)، وُلِد في لاندبورت، وقد تميز بعرض المسائل الأخلاقية، ومن أشهر أعماله “أوليفر تويست”.
  • روبرت لويس ستيفنسون: (1850 – 1894م)، وُلِد في إدنبرة، وقد كان شاعرًا وروائيًا تميز في أدب الرحلات، ومن أشهر أعماله “جزيرة الكنز”.
  • فيكتور هوجو: (1802 – 1885م)، وُلِد في فرنسا، وقدم مواضيع سياسية جريئة في أعماله، ومن أبرزها “البؤساء”.
  • إيميلي برونتي: (1818 – 1848م)، وُلِدت في تورنتو، وهي شاعرة، وتعتبر روايتها “مرتفعات ويذرينغ” من أشهر أعمالها.
  • شارلوت برونتي: (1816 – 1855م)، وُلِدت في تورنتو، وهي شاعرة وروائية تميزت بأسلوبها القوطي، من أشهر أعمالها “جين أير”.
  • آن برونتي: (1820 – 1849م)، وُلِدت في تورنتو، وهي شاعرة وروائية تميزت بأسلوبها الذي يبتعد عن الرومانسية، ومن أشهر أعمالها “أغنيس غراي”.
  • ألكسندرا دوما: (1802 – 1870م)، وُلِد في فرنسا، كاتب مسرحيات وروايات تميزت بجو من المغامرة، ومن أهم أعماله “الفرسان الثلاثة”.
  • إليزابيث جاسكل: (1810 – 1865م)، وُلِدت في تشيلسيا، روائية وكاتبة سير ذاتية، تميزت بالحديث عن الواقع الاجتماعي لمن هم في الطبقات المتدنية، ومن أشهر أعمالها “سيرة شارلوت برونتي”.
  • أنتوني ترولوب: (1815 – 1882م)، وُلِد في لندن، روائي تناول قضايا النوع الاجتماعي والسياسة، ومن أشهر أعماله “سجلات بارسيتشاير”.
  • جورج جيسينغ: (1857 – 1903م)، وُلِد في يوركشير، روائي تميز بأعماله الجادة والصحيحة، ومن أشهر أعماله “العالم السفلي”.

تطور الأدب في العصر الفيكتوري

تطور الأدب في العصر الفيكتوري
تطور الأدب في العصر الفيكتوري

في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان الفيكتوريون يتمتعون بشغف كبير بقراءة الروايات. كانت المسارح تُعرف بسمعتها السيئة، في حين كان شعر بايرون يحظى بشعبية كبيرة، ومع ذلك، كان الناس يتطلعون لقراءة القصص. جدير بالذكر أن النساء قد أظهرن قدرتهن على المنافسة في عالم الرواية، حيث شهدت فترة تلك الفترة ارتفاعًا سريعًا في شعبية الروايات، نتيجة لزيادة عدد القراء من الطبقة المتوسطة والمثقفين.

لكن نشر الأعمال بشكل متسلسل كان يمثل ضغطًا ماليًا وفنيًا على الروائيين من الطبقات المتوسطة. ومع ذلك، تم نشر العديد من الأعمال الكبرى، وكانت أعمال تشارلز ديكنز، وويليام م. ثاكيراي، وتوماس هاردي تُوزّع على هذا النحو.

طوّر الكتاب أنفسهم في النصف الأول من القرن ضمن مناخ خاص من الأفكار والمشاعر، حيث تم قبول فكرة التقدم بشكل عام. يُمثّل هذا العصر انتصارًا للبروتستانتية، وظهرت مواضيع كانت تُعتبر محظورة في السابق مثل الجنس. في وقت لاحق من تلك الفترة، بدأ كتّاب العصر في التساؤل والنقد للأفكار السائدة، ليصبحوا أكثر التزامًا بالانتقادات الاجتماعية من خلال كتاباتهم، وبرز تأثير الاكتشافات العلمية التي كانت تسبب قلق لهم.

ومع ذلك، كانت القضايا الاجتماعية أكثر ما يثير قلق النقاد في ذلك الوقت، حيث كانت معظم شخصيات الأدباء الفيكتوريين تنتمي إلى الطبقة الوسطى. كان لديهم آراء متناقضة تجاه فئات العمال، often كان هناك تمييز بين الحرفيين المهرة وعمال المصانع، مما دفع الأديب ماري بارتون إلى تقديم صورة تعاطفية عن الطبقات العاملة. في روايات أخرى، مثل “الأوقات الصعبة” لكاتبها تشارلز ديكنز، تم تصوير تلك الفئة بشكل مختلف.

في ظل المعانات التي واجهها كثير من البريطانيين في العصر الفكتوري، لعب الأدب دورًا مهمًا في توثيق تلك الظروف، حيث كانت الطبقات الدنيا تُعتبر قاسية وصعبة، ولكن بعض الأعمال استطاعت أن تنقل تلك الرسائل، وتصل إلى القلوب وتؤثر في الرأي العام.

Scroll to Top