تعتبر التفرقة بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية ذات أهمية بالغة في التوصل إلى فهم شامل للعوامل المشتركة بين الجرائم التي تستدعي تعويضات مالية. يترتب على هذه الجرائم التعويض عن الأضرار الناتجة عن الإهمال من قبل الشخص الذي ارتكب الجريمة. في هذه المقالة، سنتناول الفروقات بين المسؤولية المدنية والجنائية وفقاً لمواد القانون.
الفروق بين المسؤولية المدنية والجنائية
تتباين المسؤولية المدنية عن الجنائية في العديد من الجوانب، ومن أبرزها ما يلي:
1- من حيث السبب
تكمن أسباب المسؤولية الجنائية في أفعال ضارة تؤثر على المجتمع ككل، مما يجعل الضرر عاماً. على العكس من ذلك، فإن أسباب المسؤولية المدنية تنشأ عن أفعال ضارة تلحق بشخص معين، مما يعطيها صبغة خاصة. قد ينتج عن نفس الفعل الضار مسؤوليتين: المدنية والجنائية، كما في الجرائم المتعلقة بحقوق الأفراد المالية والشخصية.
يتعلق كل جريمة بحق في إقامة دعوى عامة بهدف تطبيق قواعد قانون العقوبات، والتي تشمل عقوبات جسدية ومالية على حد سواء. في الوقت نفسه، يمكن رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن الجريمة المذكورة.
2- من حيث الجزاء
تتمثل العقوبات في المسؤولية الجنائية بين الحرمان من الحرية أو التقييد أو فرض غرامة مالية، بينما العقوبة في المسؤولية المدنية هي التعويض المالي الذي يجب دفعه للمتضرر. وبالتالي، تتمحور شدة الجزاء في المسؤولية الجنائية حول قواعد محددة، بينما المخالفات المدنية ليست محددة بنفس الصورة، إذ ينص القانون المدني على أن كل من يرتكب خطأ يلحق الضرر بغيره ملزم بالتعويض.
3- من حيث التنازل والصلح
لا يجوز التنازل أو الصلح في كيان المسؤولية الجنائية، في حين يمكن ذلك في المسؤولية المدنية. ويعود ذلك إلى أن المسؤولية الجنائية تمثل حقًا عامًا للمجتمع، بينما تمثل المسؤولية المدنية حقًا خاصًا للمتضرر، الذي يملك الحق في التنازل أو الصلح.
4- من حيث الدعوى المرتبطة بالمسؤولية
الدعوى الناتجة عن المسؤولية الجنائية تمثل دعوى عامة تخص المجتمع، وتتولى النيابة العامة مسؤولية رفعها ومتابعتها، حيث يخضع الأمر للاختصاص في القضاء الجنائي. بينما الدعوى المدنية الناشئة عن المسؤولية المدنية تخص المتضرر فقط، وهذه الدعوى تعود اختصاصها إلى المحاكم المدنية، ما لم تكن مرتبطة بدعوى جنائية، مما يغير اختصاص المحكمة.
5- من حيث التأمين على المسؤولية
لا يجوز التأمين على المسؤولية الجنائية بسبب تعلقها بالنظام العام. بينما يسمح بالتأمين في المسؤولية المدنية حتى وإن كان ناتجاً عن خطأ. كمثال على ذلك، التأمين الذي تقدمه شركات التأمين عن الأضرار التي قد تنجم عن حادث سيارة لشخص آخر، مما يتطلب دفع التعويض، ولكن لا يمكن التأمين على الأخطاء العمدية أو الاحتيال، حيث لا يمكن أن تكون موضوعًا للتأمين بأي صورة كانت.
6- من حيث التقادم
تسقط دعوى التعويض عن الأضرار الناجمة عن جرم أو شبه جرم بعد مرور 5 سنوات، تبدأ من وقت علم المتضرر بالضرر والمسؤول عنه. وتتقادم الدعوى في كافة الحالات بعد 20 سنة تبدأ من لحظة حدوث الضرر. بينما تسقط الدعوى العمومية ذات الحق العام وفق أمور محددة بالشكل التالي:
- 20 سنة كاملة من تاريخ ارتكاب الجريمة.
- 15 سنة كاملة من تاريخ ارتكاب الجنحة.
- سنتان كاملتان من تاريخ ارتكاب المخالفة.
النتائج المترتبة على اجتماع المسؤولية الجنائية والمدنية
عندما لا ينتج عن الفعل نفسه مسؤوليتين جنائية ومدنية، فإن المسؤولية الجنائية قد تؤثر على المسؤولية المدنية بشكل كبير، وذلك نتيجة لقوتها كونها تمثل حقًا عامًا للمجتمع، بينما المسؤولية المدنية تعتبر حقًا خاصًا للفرد. يظهر تأثير هذه المسؤولية في عدة جوانب من أهمها:
1- وقف الدعوى
إذا لم يترتب على الفعل الواحد كلاً من المسؤوليتين الجنائية والمدنية وقُدم طلب الدعوى المدنية في المحاكم، فإن رفع الدعوى أمام المحكمة الجنائية يؤدي إلى وقف إجراءات الدعوى المدنية. ويتعين على المحكمة المدنية الالتزام بأوامر المحكمة الجنائية.
2- الاختصاص القضائي
في حالة تداخل المسؤوليتين الجنائية والمدنية، يستطيع المتضرر رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية، لأن الدعوى المدنية تتبع الدعوى الجنائية، ما يؤدي إلى نقل الاختصاص من المحكمة المدنية إلى الجنائية.
3- قوة الحكم الصادر
إذا لم تكن المحكمة الجنائية قد أصدرت حكمًا معينًا، فإن ذلك الحكم يكتسب قوة الأمر المقضي، مما يستدعي أن تلتزم المحكمة المدنية بما توصلت إليه المحكمة الجنائية من وقائع. كما أن دعوى التعويض المدنى لن تُسقط إلا حال سقوط الدعوى الجنائية، فإذا لم تنشأ دعوى مدنية وجنائية من الفعل الواحد، فإن عدم تقادم الدعوى الجنائية يؤدي إلى وقف تقادم الدعوى المدنية. بعبارة أخرى، تتجدد الدعوى المدنية بوجود الدعوى الجنائية ما دامت قائمة.
تمثل المسؤولية وسيلة تهدف إلى إزالة الأضرار التي تلحق بالغير، ويشكل مفهوم الخطأ في القانون أساس المسؤولية المدنية عن الأفعال الضارة الناتجة عن الشخص. لذلك، فإن الأضرار التي تلحق بالآخرين تستدعي الالتزام بالتعويض، كما أن من لا يقوم بذلك يواجه الجزاء القانوني.