خصائص شعر الرثاء في العصر الجاهلي
قبل أن نعرض بعض الأبيات من شعر الرثاء في العصر الجاهلي، دعونا نستعرض خصائص شعر الرثاء التي تجسّد أهم سماته، كما يلي:
- يميل الشاعر الجاهلي إلى التعبير عن مشاعره بشكل مباشر، دون الحاجة إلى تفصيلات مبالغ فيها في الوصف أو التزيين، ويعتمد على الوصف الدقيق للأحداث.
- كان شعراء العصر الجاهلي يركزون على وصف الحقائق بدون تكلف، مما يجعل أشعارهم متشابهة إلى حد ما نتيجة لكونهم من بيئة واحدة.
- تُظهر أشعارهم وضوح المعاني، إذ لم يكن الشعراء يهتمون كثيراً بالصور الشعرية ما لم تكن تسهم في توضيح المعنى، حيث سادت سمة الوضوح في كتاباتهم.
- تتسم قصائد العصر الجاهلي بالحركة نتيجة للحياة الحيوانية في ذلك الزمن، ولهذا فإن أشعارهم غالباً ما تفتقر إلى المعاني الحسية.
- كان الشعراء يعتنون باختيار الكلمات والمعاني الدقيقة التي تعبر بوضوح عن الحالات التي يريدون تمثيلها، مما يجعل معانيهم قوية وواضحة.
أبيات من شعر الرثاء في العصر الجاهلي
تعتبر قصيدة المهلهل من أبرز قصائد عدي بن ربيعة، حيث يرثي فيها أخاه كليب بن ربيعة. وهذه بعض الأبيات من تلك القصيدة:
دَعَوتُكَ يا كُلَيبُ فَلَم تُجِبني …وَكَيفَ يُجيبُني البَلَدُ القِفارُ
أَجِبني يا كُلَيبُ خَلاكَ ذَمُّ…ضَنيناتُ النُفوسِ لَها مَزارُ
أَجِبني يا كُلَيبُ خَلاكَ ذَمُّ…لَقَد فُجِعَت بِفارِسِها نِزارُ
سَقاكَ الغَيثُ إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً…وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ
أَبَت عَينايَ بَعدَكَ أَن تَكُفّا…كَأَنَّ غَضا القَتادِ لَها شِفارُ
لَمّا نَعى الناعي كُلَيبًا أَظلَمَت…شَمسُ النَهارِ فَما تُريدُ طُلوعا
قَتَلوا كُلَيبًا ثُمَّ قالوا أَرتِعوا…كَذَبوا لَقَد مَنَعوا الجِيادَ رُتوعا
كَلّا وَأَنصابٍ لَنا عادِيَّةٍ…مَعبودَةٍ قَد قُطِّعَت تَقطيعا
حَتّى أُبيدَ قَبيلَةً وَقَبيلَةً…وَقَبيلَةً وَقَبيلَتَينِ جَميعا
وَتَذوقَ حَتفاً آلُ بَكرٍ كُلُّها…وَنَهُدَّ مِنها سَمكَها المَرفوعا
شعر الخنفساء عن الرثاء
تُعدّ تماضر بنت عمر بن الرشيد السلمي، المعروفة بالخنفساء، من أبرز الشعراء في العصر الجاهلي، وتمتاز أشعارها بالغنائية والعاطفة العميقة. وإليك مجموعة من أبيات رثاء الخنفساء:
أَلا يا عَينِ فَاِنهَمِري بِغُدرِ…وَفيضي فَيضَةً مِن غَيرِ نَزرِ
وَلا تَعِدي عَزاءً بَعدَ صَخرٍ…فَقَد غُلِبَ العَزاءُ وَعيلَ صَبري
لِمَرزِئَةٍ كَأَنَّ الجَوفَ مِنها…بُعَيدَ النَومِ يُشعَرُ حَرَّ جَمرِ
عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ…لعانٍ عائِلٍ غَلَقٍ بِوَترِ
وَلِلخَصمِ الأَلَدِّ إِذا تَعَدّى…لِيَأخُذَ حَقَّ مَقهورٍ بِقَسرِ
وَلِلأَضيافِ إِذ طَرَقوا هُدوءً…وَلِلمَكَلِ المُكِلِّ وَكُلِّ سَفرِ
إِذا نَزَلَت بِهِم سَنَةٌ جَمادٌ…أَبِيَّ الدَرِّ لَم تُكسَع بِغُبرِ
هُناكَ يَكونُ غَيثَ حَياً تَلاقى…نَداهُ في جَنابٍ غَيرِ وَعرِ
وَأَحيا مِن مُخَبَّأَةٍ كَعابٍ…وَأَشجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبرِ
هَرَيتِ الشَدقِ رِئبالٍ إِذا ما…عَدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجرِ
ضُبارِمَةٍ تَوَسَّدَ ساعِدَيهِ…عَلى طُرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ
تَدينُ الخادِراتُ لَهُ إِذا ما…سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَجرِ
دَهَتني الحادِثاتُ بِهِ فَأَمسَت…عَلَيَّ هُمومُها تَغدو وَتَسري
لَوَ أَنَّ الدَهرَ مُتَّخِذٌ خَليلاً…لَكانَ خَليلَهُ صَخرُ بنُ عَمرِو
أبيات الرثاء لهند بنت عتبة
تقول هند في رثاء أبيها الذي قُتل قبل إسلامها:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ…عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً…بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ…يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ…عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا…جَمِيلَ الْمَرَاةِ كثير العشب
أبيات الرثاء لدريد بن الصمة
يُعتبر دريد بن الصمة من أبرز الشعراء في العصر الجاهلي، وقصيدته في الرثاء تُعدّ من أفضل القصائد. ومطلعها كما يلي:
أَعاذِلَتي كُلُّ اِمرِئٍ وَاِبنُ أُمِّهِ…مَتاعٌ كَزادِ الراكِبِ المُتَزَوِّدِ
أَعاذِلَ إِنَّ الرُزءَ في مِثلِ خالِدٍ…وَلا رُزءَ فيما أَهلَكَ المَرءُ عَن يَدِ
وَقُلتُ لِعارِضٍ وَأَصحابِ عارِضٍ…وَرَهطِ بَني السَوداءِ وَالقَومُ شُهَّدي
عَلانِيَةً ظُنّوا بِأَلفَي مُدَجَّجٍ…سَراتُهُمُ في الفارِسيِّ المُسَرَّدِ
وَقُلتُ لَهُم إِنَّ الأَحاليفَ أَصبَحَت…مُطَنِّبَةً بَينَ السِتارِ فَثَهمَدِ
فَما فَتِئوا حَتّى رَأَوها مُغيرَةً…كَرِجلِ الدِبى في كُلِّ رَبعٍ وَفَدفَدِ
أبيات رثاء الحارث بن عباد
يقول الحارث بن عباد في قصيدته التي تعبر عن الزوال:
كُلُّ شَيءٍ مَصيرُهُ لِلزَوالِ…غَيرَ رَبّي وَصالِحِ الأَعمالِ
وَتَرى الناسَ يَنظُرونَ جَميعاً…لَيسَ فيهِم لِذاكَ بَعضُ اِحتِيالِ
قُل لِأُمِّ الأَغَرِّ تَبكي بُجَيرًا…حيلَ بَينَ الرِجالِ وَالأَموالِ
وَلَعَمري لَأَبكِيَنَّ بُجَيرًا…ما أَتى الماءُ مِن رُؤوسِ الجِبالِ
لَهفَ نَفسي عَلى بُجَيرٍ إِذا ما…جالَتِ الخَيلُ يَومَ حَربٍ عُضالِ
وَتَساقى الكُماةُ سُمّاً نَفيعًا…وَبَدا البيضُ مِن قِبابِ الحِجالِ
وَسَعَت كُلُّ حُرَّةِ الوَجهِ تَدعو…يا لِبَكرٍ غَرّاءَ كَالتِمثالِ
يا بُجَيرَ الخَيراتِ لا صلح حَتّى…نَملَأَ البيدَ مِن رُؤوسِ الرِجالِ
وَتَقَرَّ العُيونُ بَعدَ بُكاها…حينَ تَسقي الدِما صُدورَ العَوالي
أَصبَحَت وائِلٌ تَعِجُّ مِنَ الحَر…بِ عَجيجَ الجِمالِ بِالأَثقالِ
أبيات الرثاء أوس بن حجر
يرثي أوس بن حجر عمرو بن مسعود، مُذكّراً بمحاسنه كما يلي:
يا عَينُ جودي عَلى عَمروُ بنِ مَسعودِ…أَهلِ العَفافِ وَأَهلِ الحَزمِ وَالجودِ
أَودى رَبيعُ الصَعاليكِ الأُلى اِنتَجَعوا…وَكُلَّ ما فَوقَها مِن صالِحٍ مودي
المُطعِمُ الحيَّ وَالأَمواتَ إِن نَزَلوا…شَحمَ السَنامِ مِنَ الكومِ المَقاحيدِ
وَالواهِبُ المِئَةَ المِعكاءَ يَشفَعُه…يَومَ النِضالِ بِأُخرى غَيرَ مَجهودِ
رثاء سعدي بنت الشمردل
تُعبّر سعدي بنت الشمردل عن حزنها لفقد أخيها، فتقول:
فلْتَبْكِ أَسْعَدَ فتية بسباسب…أقوَوا وأصبح زادهم يتمزع
جادَ ابنُ مجْدعةَ الكميُّ بنفسِهِ…ولقدْ يرَى أَن الْمَكْر لأشنع
يردُ المياهَ حضيرَةً ونفيضَةً…ورْدَ القَطاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُبَّعُ