الشعر
يُعتبر الشعر أحد أهم أشكال الفن الأدبي، ويتكون من مجموعة من الأبيات الشعرية التي تلتزم بنمط قافية معينة في نهايتها. يتميز الشعر بقدرته الفائقة على إيصال المشاعر والأفكار التي يحملها الإنسان في قلبه وعقله، كما يُعبر عن تجارب الحياة التي عاشها الشاعر، مستندًا إلى أوزان شعرية محددة. يُعد الشعر من أجمل الطرق للتعبير الفني عن الكلام، ويأتي في أشكال متنوعة مثل: الشعر الموزون، وشعر التفعيلة، والشعر الحر. في هذا المقال، سوف نستعرض بعض القصائد للشاعر حاتم الطائي.
لست آكله وحدي
حاتم الطائي كان شاعرًا عربيًا من العصر الجاهلي، وأمير قبيلة طيء التي عاشت في شبه الجزيرة العربية. وُلِد قبل الإسلام وكان يتبع الديانة المسيحية، وتوفي قبل مجيء الإسلام. عُرف عنه السخاء والجود، وكان دائم الدعوة إلى مكارم الأخلاق. في قصيدته التي يخاطب فيها زوجته ماويا بنت عبدالله، يُظهر كرم الضيافة بما يلي:
أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِك
وَيا اِبنَةَ ذي البُردَينِ وَالفَرَسِ الوَردِ
إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ
أكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي
أَخاً طارِقاً أَو جارَ بَيتٍ فَإِنَّني
أَخافُ مَذَمّاتِ الأَحاديثِ مِن بَعدي
وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ ثاوِي
وَما فيَّ إِلّا تِلكَ مِن شيمَةِ العَبدِ
مهلاً نوار اقلي اللوم والعذلا
حاز حاتم الطائي على شهرة واسعة لطابع شعره الذي يجسد سخاءه وكرمه. تميز شعره بالبلاغة وعمق المعاني. تُوفي حاتم في عوارض، وهو جبل داخل بلاد طيء. ومن أبرز قصائده التي كتبت بعد لوم زوجته، نجد القصيدة التالية:
مهلاً نوار اقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي، لشيء فات، ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه
مهلاً وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سيل المال واحدة
إن الجواد يرى في ماله سيلا
إن البخيلَ إذا ما مات يتبعه
سُوءُ الثّناءِ ويحوي الوارِثُ الإبِلا
فاصدقْ حديثك إن المرء يتبعه
ما كان يَبني إذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ
كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا
لا تعذليني على مال وصلت بهِ
رحماً وخير سبيل المال ما وصلا
يَسعى الفتى وحِمامُ الموْتِ يُدرِكُه
وكلُّ يوْمٍ يُدَنّي للفتى الأجَلا
إني لأعلم أني سوف يدركني
يومي أصبح عن دنياي مشتغلا
فليتَ شعري وليتٌ غيرُ مُدرِكة
لأيّ حالٍ بها أضْحَى بنُو ثُعَلا
أبلغْ بني ثعل عني مغلغلة
جهد الرسالة لا محكاً ولا بطلا
أغزوا بني ثعل، فالغزو حظكم
عُدّوا الرّوابي ولا تبكوا لمن نكَلا
ويهاً فداؤكم أمي وما ولدتْ
حامُوا على مجدِكم، واكفوا من اتّكلا
إذْ غاب مبن غاب عنهم من عشيرتنا
وأبدَتِ الحرْبُ ناباً كالِحاً، عَصِلا
اللَّهُ يَعْلَمُ أنّي ذو مُحافَظَة
ما لم يَخُنّي خَليلي يَبْتَغي بَدَلا
فإنْ تَبَدّلَ ألفاني أخا ثِقَة
عَفَّ الخليقة لا نِكْساً ولا وكِلا
أماوي قد طال التجنب والهجر
ارتبط الكرم والجود بشخصية حاتم الطائي، الذي لديه ديوان شعري واحد مليء بالمفردات البلاغية الفائقة. تحكي إحدى الروايات أنه استضاف ثلاث شعراء، وهم عبيد وبشر والنابغة، وقد نحر لهم ثلاثة من الإبل دون أن يعرف هويتهم، وعندما اكتشف من هم، أعطاهم جميعاً. نعرض لكم من أبرز قصائده:
أماوي قد طال التجنب والهجر
وقد عذرتني من طلابكم العذرُ
أماوي إن المال غادٍ ورائح
ويبقى من المال الآحاديث والذكرُ
أماوي إني لا أقول لسائلٍ
إذا جاءَ يوْماً حَلّ في مالِنا نَزْرُ
أماوي إما مانع فمبين
وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجرُ
أماوي ما يغني الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ
إذا أنا دلاني الذين أحبهم
لِمَلْحُودَة زُلْجٌ جَوانبُها غُبْرُ
وراحوا عجلاً ينفصون أكفهم
يَقولونَ قد دَمّى أنامِلَنا الحَفْرُ
أماوي إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لا ماء هناك ولا خمرُ
ترى ْ أن ما أهلكت لم يك ضرني
وأنّ يَدي ممّا بخِلْتُ بهِ صَفْرُ
أماوي إني رب واحد أمه
أجرت، فلا قتل عليه ولا أسرُ
وقد عَلِمَ الأقوامُ لوْ أنّ حاتِماً
أراد ثراء المال كان له وفرُ
وإني لا آلو بكالٍ ضيعة
فأوّلُهُ زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ
يُفَكّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيّباً
وما إن تعريه القداح ولا الخمرُ
ولا أظلِمُ ابنَ العمّ إنْ كانَ إخوَتي
شهوداً وقد أودى بإخوته الدهرُ
عُنينا زماناً بالتّصَعْلُكِ والغِنى
كما الدهر في أيامه العسر واليسرُ
كَسَينا صرُوفَ الدّهرِ لِيناً وغِلظَة
وكلاً سقاناه بكأسيهما الدهرُ
فما زادنا بأواً على ذي قرابة
غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقرُ
فقِدْماً عَصَيتُ العاذِلاتِ وسُلّطتْ
على مُصْطفَى مالي أنامِلِيَ العَشْرُ
وما ضَرّ جاراً يا ابنة َ القومِ فاعلمي
يُجاوِرُني ألاَ يكونَ لهُ سِترُ
بعَيْنيّ عن جاراتِ قوْميَ غَفْلَة
وفي السّمعِ مني عن حَديثِهِمِ وَقْرُ
وعاذلة هبت بليل تلومني
استنادًا إلى تقييم حياة الشاعر الكريم حاتم الطائي، نجد أن ثلاث نساء كان لهن أثر كبير في شعره وحياته: أمه، وزوجته، وابنته. تجسد زوجته محبة صادقة له، وقد حاولت إقناعه بالتوقف عن إنفاق أمواله بسخاء. ومن روائع حاتم الطائي القصيدة الآتية:
وعاذلة هبت بليل تلومني
وقد غاب عيوق الثريا فعردا
تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة
إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
تقولُ ألا أمْسِكْ عليكَ، فإنّني
أرى المال عند الممسكين معبَّدا
ذَريني وحالي إنّ مالَكِ وافِرٌ
وكل امرئٍ جارٍ على ما تعودا
أعاذل لا آلوك إلا خليقني
فلا تَجعَلي فوْقي لِسانَكِ مِبْرَدا
ذَرِيني يكُنْ مالي لعِرْضِيَ جُنّة
يَقي المالُ عِرْضِي، قبل أن يَتَبَدّدا
أرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لَعَلّني
أرَى ما تَرَينَ، أوْ بَخيلاً مُخَلَّدا
وإلاّ فكُفّي بَعضَ لومكِ واجعلي
إلى رأي من تلحين رأيك مسندا
ألم تعلمي، أني، إذا الضيف نابني
وعزّ القِرَى ، أقري السديف المُسرْهدا
أسودُ سادات العشيرة عارفاً
ومن دونِ قوْمي في الشدائد مِذوَدا
وألفى ، لأعراض العشيرة حافظا
وحَقِّهِمِ حتى أكونَ المُسَوَّدا
يقولون لي أهلكت مالك فاقتصد
وما كنتُ لولا ما تقولونَ، سيّدا
كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا،
فإنّ، على الرّحمانِ رِزْقَكُمُ غَدا
سأذخرُ من مالي دلاصاً وسابحاً،
وأسمرَ خطياً، وعضباً مهندا
وذالكَ يكفيني من المال كله
مصوفاً إذا ما كان عندي متلدا
ألا إنني هاجني الليلة الذكر
تروي قصة حاتم الطائي كيف تمكن من الفوز بقلب ماوية بنت عفزر، إحدى النساء اللاتي كان لهن خيار اختيار أزواجهن. ذات يوم، أرسلت رسالة إلى مجموعة من الشعراء، منهم الشاعر النبيتي والنابغة وحاتم، وطلبت منهم أن يقولوا شعراً، لتنقضي عليهم جميعاً، إلا أن حاتم فاز بقلبها. من أجمل قصائده:
ألا إنني هاجني الليلة الذكرْ
وما ذاكَ منْ حُبّ النساءِ ولا الأشَرْ
ولكنني، مما أصاب عشيرتي
وقَوْمي بأقرانٍ، حَوالَيهمِ الصُّبَرْ
ليالي نمسي بين جوٍ ومسطحٍ
نشاوى ، لنا من كل سائمة ٍ جزرْ
فيا لَيتَ خيرَ الناسِ حيّاً ومَيّتاً
يقول لنا خيراً ويمضي الذي إئتمرْ
فإنْ كانَ شَرٌّ، فالعَزاءُ، فإنّنا
على وقعات الدهر، من قبلها، صبرْ
سقى الله، رب الناس سحاً وديمة ٍ
جَنُوبَ السَّراة ِ من مَآبٍ إلى زُعَرْ
بلادَ امرىء لا يَعرِفُ الذّمُّ بيتَهُ
له المشرب الصافي وليس له الكدرْ
تذكّرْتُ من وَهمِ بن عمرٍو جلادة ً
وجرأة معداه، إذا نازح بكرْ
فأبشرْ وقرَّ العين منك فإنني
أجيء كريماً، ولا ضعيفاً ولا حصرْ