الحروب
شهد العالم في أوائل القرن العشرين تطورات سياسية وعسكرية عدة، مما ساهم في اندلاع النزاع بين الدول الكبرى، وهو ما أدى إلى الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها معظم دول العالم بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد اكتسبت هذه التسميات لأنها كانت الحرب الأولى التي تشمل غالبية بلدان العالم.
أسباب الحرب العالمية الأولى
انخرطت القوى الكبرى في أوروبا – النمسا، المجر، ألمانيا، روسيا، فرنسا، والمملكة المتحدة – في الصراع المعروف بالحرب العالمية الأولى خلال فترة زمنية قصيرة استمرت ثمانية أيام، بدءًا من نهاية يوليو إلى بداية أغسطس عام 1914. وقد كانت تكلفة هذه الأعمال الحربية هائلة، مما أدهش القادة السياسيين الذين كانوا على دراية بتفاصيلها.
تعود جذور النزاع بين هذه الدول إلى عوامل تاريخية عميقة، حيث أسهمت انتصارات ألمانيا، بقيادة أوتوفون بسمارك، في الحرب البروسيّة الفرنسية من 1870 إلى 1871 في ظهور ألمانيا كقوة موحدة، مما أدى إلى نشوء حالة من التوتر المستمر. كما طرأ تغيير كبير على المصالح البريطانية نتيجة لهذه القوة الصاعدة، مما ساهم بدوره في تدهور العلاقات بين ألمانيا وبريطانيا.
علاوة على ذلك، هنالك مجموعة أخرى من العوامل مثل بناء ألمانيا لأسطول بحري ضخم، مما أثار قلق بريطانيا، التي رأت في ذلك تهديداً لأمنها، لاسيما فيما يتعلق بتأمين الإمدادات الغذائية. (1)
يعتبر حادث اغتيال ولي عهد النمسا، فرانز فرديناند، وزوجته على يد الطالب الصربي غافريلو برينسيب، في 28 يونيو 1914 في سراييفو، السبب الرئيسي لاندلاع الحرب. تبعت عملية الاغتيال إعلان النمسا الحرب على صربيا، التي قوبلت بدعم روسيا، مما أدى لتسلسل الأحداث نحو الحرب الأسرع بين القوى الكبرى.
انقسمت الدول خلال هذه الحرب إلى جبهتين: قوات الحلفاء بزعامة المملكة المتحدة، ودول المركز بزعامة ألمانيا. ومع اتساع نطاق النزاع، أضيفت دول جديدة إلى جانب كل طرف، واستمرت الحرب لأكثر من أربع سنوات، حيث تحولت من صراع إقليمي إلى صراع عالمي. (2)
مسار الحرب العالمية الأولى
انطلقت الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914، مع هجوم ألماني كبير على الجبهة الغربية، معتقدين أنهم قادرون على هزيمة العدو بضربة واحدة. لكن الفرنسيين بدأوا بدورهم هجومًا في الأراضي الألمانية، إلا أن كلا الهجومين باء بالفشل التام.
ومع بداية عام 1915، اتخذت الهجمات طابعًا جديدًا، ومع تزايد اليأس على كلا الجانبين، تم إدخال أسلحة جديدة، بما في ذلك استخدام الغاز السام منذ العام 1915. وفي عام 1916، ظهرت الدبابات لأول مرة في ساحات المعارك.
في عام 1917، تكثف اليأس مما دفع الفرنسيين للهجوم ضد الألمان في شامبانيا، إلا أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم وحدثت تمردات في صفوف الجيش الفرنسي. من جانبها، استخدمت ألمانيا الغواصات للمرة الأولى، وعلى الرغم من تحقيق بعض النجاحات، إلا أن نهايتها لم تكن كما كانت تأمل.
بدأت السنة الأخيرة من الحرب بهجوم ألماني على الجبهة الغربية، حيث توقع الألمان انتصارات قبل وصول القوات الأمريكية التي تغذّي صفوف الحلفاء. ومع ذلك، صمدت قوات التحالف أمام هذا الهجوم. (1)
التعبئة في الحرب العالمية الأولى
استُخدمت مجموعة من الأسلحة لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، وهذه تشمل: (3)
- الرشاشات.
- المدافع والغوّاصات.
- الطائرات البدائية المستخدمة في القتال والتجسّس.
- المناطيد المربوطة لمراقبة الأوضاع.
- الدبابات.
- الغاز السام لطرد الجنود أو قتلهم.
قبل هذه الحرب، كانت أوروبا مقسومة إلى معسكرين رئيسيين: (3)
- التّحالف الثلاثي: تشكل من ألمانيا بقيادة المستشار أوتوفون بسمارك التي قامت بتكوين تحالفات مع النمسا-المجر. في عام 1879، اتفقت كلتا الدولتين على دعم بعضهما البعض إذا تعرضت إحداهما لهجوم. انضمت إيطاليا لاحقًا لهذا التحالف.
- الأباطرة الثلاثة: حيث دعا بسمارك النمسا-المجر وألمانيا للدخول في تحالف مع روسيا، مع الاتفاق على الحياد في حالة مشاركة أي دولة منهما في الحرب. بذل بسمارك جهودًا لمنع تحالف بين فرنسا وروسيا.
شخصيات مهدت للحرب العالمية الأولى
يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأفراد الذين ساهموا في تهيئة الأرضية للحرب العالمية الأولى، منهم:
نابليون
يُعد نابليون، أول أباطرة فرنسا، من الشخصيات البارزة في السياسة الأوروبية خلال فترة حكمه. عُرف بنجاحاته وإخفاقاته العسكرية، وقد أسفرت حروبه عن استثارة درامية للقوى العظمى، ما أدى إلى تشكيل تحالفات ضدّه، ناهيك عن هزيمته في معركة واترلو. وقد خاض حروبًا ضد القوى الكبرى كروسيا والنمسا وبريطانيا، حيث حصل على انتصارات، لكنه فشل في غزو روسيا عام 1812 مما أدى إلى خسارته الفادحة.
أوتوفون بسمارك
يعتبر أوتوفون بسمارك، المستشار الأول للرايخ الألماني، من الشخصيات التي تؤثر بشكل كبير في التاريخ الأوروبي. وُصف بأنه “الرجل الحديدي”، وكانت سياسته سببًا غير مباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى.
إن سياسة الحديد والدم التي اتبعها بسمارك ساهمت في توحيد ألمانيا، لكنها أيضًا هيأت بيئة خصبة لنشوء التطرّف الفكري والقومي. وتسببت انتصارات بروسيا على النمسا في خلق توتر بين ألمانيا وفرنسا، حيث كانت حربًا متوقعة تحتاج فقط لشرارة صغيرة، التي حدثت عندما عارضت فرنسا تولي ليوبولد العرش الإسباني مما أسفر عن نشوب الحرب الفرنسية-البروسية.
عقب الحرب، عمل بسمارك على تأمين اتحاد ألمانيا، حيث تم تتويج الملك فيلهلم الأول إمبراطورًا لألمانيا في قاعة المرايا بقصر فرساي، لتشكل الإمبراطورية الجديدة اتحادًا من 25 ولاية. (3)
نتائج الحرب العالمية الأولى
أسفرت الحرب العالمية الأولى عن انهيار قوى دول المركز، وكانت بلغاريا أول من وقعت على الهدنة في 29 سبتمبر 1918. تلتها اتفاقيات استسلام أخرى، وأعلنت ألمانيا هدنة كومبين مع الحلفاء في 11 نوفمبر عام 1918.
خلال المعارك، تكبد كلا الطرفين خسائر فادحة حيث قُتل أكثر من ثمانية ملايين شخص، وتعرض الملايين للإصابة أو الفقدان. كما تركت الحرب آثارًا اقتصادية جسيمة، إذ أسفرت عن تفشي الفقر والبطالة في الدول المتحاربة، وازدادت ديون الدول الأوروبية مما أدى لتراجع قوتها الاقتصادية ليصب في صالح الولايات المتحدة واليابان.
تغيرت خريطة أوروبا بعد الحرب، حيث انهارت الأنظمة الإمبراطورية القديمة وسقطت الأسر الحاكمة، ما أسفر عن تغيير الحدود بظهور دول جديدة. كما شهدت الثورة الروسية الظهور الأول لنظام اشتراكي تحت الاتحاد السوفيتي.
أما بخصوص الدول العربية، كانت الخلافة العثمانية جزءًا من دول المركز، مما شكل بداية النهاية لتاريخ الدولة العثمانية، حيث تركت هزيمة ألمانيا والدولة العثمانية مصير الدول العربية تحت السيطرة البريطانية والفرنسية. (2)