أمر الله تعالى
خلَق الله تعالى الكون بقدره، وجعل جميع الأمور بيده سبحانه وتعالى، فلا يعارض أمره أو حكمه أحد. لقد أراد الله -عزّ وجلّ- أن تكون الدنيا محطةً لتجربة البشر وابتلائهم، فقد كتب على كل نفس فيها الفناء؛ كما ورد في قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ). جعل الله لهذه الدنيا وقتًا محددًا، فهي لن تستمر إلى الأبد، وبعد انقضاء أجلها، ينتقل الخلق إلى الحياة الآخرة لتكون دائمة وسرمدية. وقد غيب الله موعد انتهاء الدنيا عن جميع خلقه حتى يبقوا في حالة استعداد للقاء الله، فلا يغفلوا عن طاعته ولا يتراجعوا عن عبادته. ومع ذلك، جعل الله -عزّ وجلّ- قرب الساعة له علامات وأمارات تنبه الناس وتوقظ الغافلين منهم. وقد أخبر الله تعالى ببعض من هذه العلامات المتنبئة بقرب يوم القيامة، كما أشارت العديد من الأحاديث النبوية إلى ذلك. ومع ذلك، لا يزال بعض أهل الشرك والكفر يصرّون على إنكارها بل ويستهزئون بها، فيما يبدو إدعاءً للجحود والنكران للرسالة والرسول. لذا، تبقى التساؤلات حول علامات الساعة وموقف المسلمين منها.
معنى “أتى أمر الله فلا تستعجلوه”
تجسد الآية خبرًا من الله تعالى عن قرب قيام الساعة وتنفيذ حكمه بحق الكفار الذين كانوا يستعجلون العذاب استهزاءً بوعيد النبي لهم. وقد وردت آيات أخرى تشير إلى قرب الساعة، مثل قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)، وقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، وغيرها. وفي لغة العرب، “الأمر” يمكن أن يُفهم من سياق الكلام على أنه إما مصدر أو مفعول. و”أتى أمر الله” تعني المفعول، أي قيام الساعة، فيما جاءت الصيغة “أتى” لتدل على الحدث المؤكد القادم.
مفهوم علامات الساعة وأقسامها
تناول العلماء مسألة الساعة وعلاماتها ومواقف المسلمين منها، وقاموا بتقسيم تلك العلامات بناءً على النصوص الشرعية الواردة.
المفهوم الشرعي للساعة
تحدد الساعة في الاصطلاح الشرعي على أنها: نهاية الدنيا وزمان قيام القيامة، وهو الزمن الذي تنتهي فيه حياة جميع المخلوقات ويفقد الكون توازنه. سُمّيت الساعة بهذا الاسم لأنها تحدث فجأة أو بسبب سرعة الحساب فيها، حيث يموت الخلق بصرخة واحدة. أما علامات الساعة، فهي الإشارات التي تسبق يوم القيامة وتدل على قرب وقوعها.
أقسام الساعة وعلاماتها
قسم العلماء علامات الساعة بحسب اعتبارات مختلفة، وأدرجوا تحت كل قسم ما يتعلق به من علامات. تتضمن هذه التقسيمات ما يلي:
- بعض العلماء قسموا علامات الساعة بناءً على وقت ظهورها، وبهذا تم تصنيفها إلى ثلاثة أقسام:
- الأول: ما وقع في الماضي وانتهى، كما أخبر به رسول الله، مثل بعثة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وفتح بيت المقدس وظهور نار الحجاز.
- الثاني: علامات لا تزال تظهر باستمرار، مثل ضياع الأمانة، وإسناد الأمور لغير أهلها، ونشر الجهل وكثرة موت العلماء، وغيرها.
- الثالث: العلامات العظيمة التي لم تظهر بعد، والتي تعقبها قيام القيامة، مثل خروج المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج.
- ذهب بعض العلماء إلى تقسيم علامات الساعة حسب مكان وقوعها إلى علامات سماوية وأخرى أرضية:
- العلامات السماوية: مثل انتفاخ الأهلة، وانشقاق القمر في زمن النبي، وطلوع الشمس من مغربها.
- العلامات الأرضية: مثل خروج المسيح الدجال، وخروج النار، وظهور دابة تتحدث مع الناس.
- بعض العلماء رتبوا علامات الساعة بناءً على طبيعة العلامات:
- علامات صغرى: تسبق قيام الساعة بمدة طويلة، مثل انقراض العلم وتفشي الجهل.
- علامات كبرى: هي الأحداث العظيمة التي تسبق قيام الساعة بفترة قصيرة، مثل خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام.
فوائد الإيمان بالساعة وعلاماتها
ينتج عن الإيمان بعلامات الساعة ثمرات عدة، منها:
- الإيمان بعلامات الساعة يعزز ركنًا من أركان الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر. تعتبر علامات الساعة من مقدمات هذا اليوم، كما أن الإيمان بها هو إيمان بالغيبيات التي امتحن الله عباده بتصديقها. إن وقوع تلك الغيبيات كما وردت في النصوص الشرعية يعزز من قناعة المؤمنين بما يجري من أحداث، مما يقوي إيمانهم.
- علامات الساعة تلبي حاجة غريزية لدى البشر لاستكشاف ما خفي عنهم واستشراف الأحداث المستقبلية، مما يساعد في منع الدجالين والمشعوذين من ادعاءات معرفة الغيب.
- إن إخفاء موعد الساعة يعزز من إصلاح النفس، حيث يجعل الفرد دائم الاستعداد لها. وفي إعلام الناس بالأشراط التي تسبق وقوع الساعة يوجد حث على التوبة واستعداد، ويشير النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ضرورة المبادرة بالأعمال جملةً.