قصيدة برق الربيع برونق مائه
يقول بديع الزمان الهمذاني في تجسيد مشاعر الربيع:
برق الربيع لنا برونق مائه،
فهل تلاحظ جمال أرضه وسماواته؟
فالترب بين ممسك ومعنبر،
من نوره ومائه وروائه.
والماء بين مُصندل ومكفر،
من جمال كدرته ولون صفائه.
وطير مثل المحسنات صوادح،
يشبه المغنّي الشادي بغنائه.
والورد ليس بممسك رياه، بل
يهدي لنا نفحاته من مائه.
زمن الربيع جلبت أزكى متجر،
وجلوّت للرائين خير جلائه.
فكأنه هذا الرئيس إذا بدا،
في خلقه وصفائه وعطائه.
يعشو إليه المجتدي والمجتني،
والمجتوي هو هارب بذَمائه.
ما البحر في تزخاره والغيث في،
أمطاره والجود في أنوائه،
بأجلّ منه مواهب ورغائب،
لا زال هذا المجد حول فنائه.
والسادة الباقون سادة عصره،
متمددين بمدحه وثنائه.
قصيدة أكان الصبا إلا خيالاً مسلماً
وفيما يلي قصيدة البحتري حول الربيع:
أكَان الصّبا إلاّ خَيالاً مسلِّما،
أقَامَ كَرجعِ الطرف ثم تَصرّما.
أرى أقصر الأيّام أحمد في الصِّبا،
وأطولها ما كَان فيه مذمَما.
تَلَوّمتُ في غيّ التّصابي فلم أرد،
بَدِيلاً بهِ لو أنّ غَيّاً تلوِما.
وَيومَ تلاقٍ في فراق شهدته،
بعينٍ إذا نهنهتها دَمَعَت دَما.
لحِقْنا الفرِيقَ المُستَقلّ ضُحَى وقد،
تيمّمَ من قصد الحمى ما تيمّما.
فقلت انْعِمُوا مِنّا صَبَاحاً وإنّما،
أردت بِما قُلتُ الغزال المُنَعَّمَا.
وما بَاتَ مَطويّاً عَلى أريحيّة،
بعُقْبِ النّوَى إلاّ امرُؤ باتَ مُغرَمَا.
غَنِيتُ جَنِيباً للغَوَانِي يَقُدْنَني،
إلى أنْ مَضَى شرخ الشّباب وبعدَما.
وَقِدماً عَصيتُ العاذلات ولم أُطع،
طَوَالِعَ هذا الشّيْبِ إذْ جِئنَ لُوَّمَا.
أقُولُ لثَجّاجِ الغَمامِ، وقد سَرَى،
بمحتفلِ الشّؤبوبِ صاب فعمّمَا.
أقِلَّ وأكثر لستَ تَبلُغ غايَةً،
تَبينُ بِها حتّى تُضَارِعَ هَيْثَما.
وهُو المَوتُ ويلٌ منهُ لا تَلْقَ حَدّهُ،
فمَوْتُكَ أن تَلقاهُ في النّقعِ مُعلَمَا.
فَتًى لَبِسَتْ منهُ اللّيالي محاسِناً،
أضاءَ لها الأفق الذي كانَ مُظلمَا.
مُعاني حُرُوبٍ قَوّمَتْ عَزْمَ رَأيِهِ،
وَلَن يصدُقَ الخَطّيُّ حتّى يُقَوَّمَا.
غَدا وَغدت تَدعو نزارٌ وَيَعرُبٌ،
لَهُ أنْ يَعيشَ الدّهرَ فيهِم، وَيَسلَمَا.
تَوَاضَعَ مِنْ مَجْدٍ لَهُمْ وَتَكَرّمٍ،
وَكُلُّ عظيمٍ لا يُحِبُّ التّعَظّمَا.
لِكُلّ قَبيلٍ شُعْبَةٌ مِن نَوَالِهِ،
وَيَختصهُ منهُم قَبيلٌ إذا انتمى.
تَقصّاهم بالجُودِ حتّى لأقسمُوا،
بأنّ نَداهُ كانَ والبَحْرَ تَوْءَمَا.
أبَا القَاسم استَغْزَرتَ دَرّ خَلائقٍ،
مَلأنَ فِجَاجَ الأرضِ بُؤسَي وأنْعُمَا.
إذا مَعشَرٌ جَارَوْكَ في إثرِ سُؤدَدٍ،
تأخّرَ من مَسعاتهِمْ ما تَقَدّما.
سَلامٌ وَإن كان السّلامُ تَحِيَّةً،
فوَجْهُكَ دونَ الرّدّ يكفي المُسَلِّمَا.
ألَستَ تَرَى مَدّ الفُراتِ كأنّهُ،
جبالُ شَرورى جِئنَ في البَحرِ عُوَّمَا.
وَلَمْ يَكُ مِنْ عاداتِهِ غَيرَ أنّهُ،
رَأى شِيمَةً مِنْ جَارِهِ فَتَعَلَّما.
وَمَا نَوّرَ الرّوْضُ الشآميُّ بَلْ فَتًى،
تَبَسّمَ مِنْ شعرقِيّهِ، فَتَبَسّما.
أتَاك الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً،
منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا.
وَقَد نَبّهَ النّوروزُ في غلسِ الدّجى،
أوائِلَ وَردٍ كن بالأمسِ نوَّمَا.
يُفَتقهَا بَردُ النّدَى فكَأنّه،
يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا.
وَمِنْ شَجرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ،
عليه كَمَا نَشَّرتَ وَشياً مُنَمْنَما.
أحَلَّ فأبْدَى لِلْعُونِ بَشَاشَةً،
وَكَان قَذى للعينِ إذ كانَ مُحْرِما.
وَرَقّ نسيم الرّيح حتّى حسِبته،
يَجىء بأنفَاسِ الأحِبّةِ نعَّمَا.
فَما يَحبِسُ الرّاحَ التي أنتَ خِلُّهَا،
وَمَا يَمنَع الأوتارَ أن تَتَرَنّما.
وَمَا زِلت خِلاً للنّدَامى إذا انتَشُوا،
وَرَاحُوا بدوراً يستحثون أنْجُمَا.
تَكَرّمتَ من قَبلِ الكؤوسِ عَلَيهِمِ،
فَما اسطَعنَ أنْ يُحدِثنَ فيكَ تَكَرُّما.
قصيدة ورد الربيع فمرحبا بوروده
يقول صفي الدين الحلي في وصف الربيع:
ورد الربيع فمرحباً بوروده،
وبنور بهجته ونور وروده.
وبحسنِ منظرِه وطيب نسيمه،
وأنيق ملبسه ووشي بروده.
فصل إذا افتخرَ الزمانُ فإنه،
إنسان مقلَته وبَيت قَصيده.
يغني المزاج عن العلاج نسيمه،
باللطف عند هبوبه وركوده.
يا حبذا أزهاره وثماره،
ونبات ناجمه وحبّ حصيده.
وتجاوب الأطيار في أشجاره،
كبنات معبد في مواجب عوده.
والغصن قد كسي الغلائل بعدما،
أخذت يدا كانون في تجريده.
نال الصّبا بعد المشيب وقد جرى،
ماء الشبيبة في منابت عوده.
والورد في أعلى الغصون كأنه،
ملك تحف به سراة جنوده.
وكأنما القداح سمط لآلىء،
هو للقضيب قلادة في جيدهِ.
والياسمين كعاشق قد شَفّه،
جور الحبيب بهجره وصدوده.
وانظر لنرجسه الشهيّ كأنه،
طرفٌ تنبيه بعد طول هجوده.
واعجب لأذريونه وبهاره،
كالتبر يزهو باختلافِ نقوده.
وانظر إلى المنظوم من منثوره،
متنوعاً بفصوله وعقوده.
أو ما ترى الغيم الرقيق وما بدا،
للعينِ من أشكاله وطروده.
والسحب تعقد في السّماءِ مآتماً،
والأرض في عرسِ الزّمانِ وعيده.
ندبت فشقّ لها الشقيقُ جيوبه،
وازرقّ سَوسنها للَطمِ خُدودِه.
والماء في تيار دجلة مطلقٌ،
والجِسر في أصفاده وقيوده.
والغيم يحكي الماء في جريانه،
والماء يحكي الغيم في تجعيده.
فابكُرْ إلى روض أنيق ظلُّه،
فالعيش بين بسيطه ومديده.
وإذا رأيت جديد روض ناضر،
فارشف عتيق الراح فوق جديدة.
من كفّ ذي هيف يضاعف خلقه،
سكر المدام بشدوِه ونشيده.
صافي الأديم ترى إذا شاهدته،
تمثال شَخصِك في صَفاءِ خدوده.
وإذا بَلغت من المدامَةِ غاية،
فأقلل لتُذكي الفهمَ بعدَ خمودِهِ.
إنّ المُدام إذا تَزايد حدُّها،
في الشّربِ كان النّقصُ في محدودة.
قصيدة ضحك الربيع إلى بكا الديم
يقول ابن الرومي في مدح الربيع:
ضحك الربيعُ إلى بكا الدَيم،
غدا يسوى النبت بالقممِ.
من بين أخضر لابس كمماً،
خُضراً وأزهرَ غير ذي كُمَم.
متلاحق الأطراف متسقٌ،
فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلم.
مُتَبلِّجِ الضَّحواتِ مُشرِقها،
متأرّجُ الأسحار والعتم.
تجد الوحوشُ به كفايتَها،
والطير فيه عتيدةُ الطِّعم.
فظباؤه تضحى بمنتطَح،
وحمامُه تَضْحِي بمختصم.
والروضُ في قِطَع الزبرجد والـ،
ياقوتُ تحت لآلىءٍ تُؤم.
طلٌّ يرقرقه على ورق،
هاتيك أو خيلان غالية.
وأرى البليغ قصورَ مبلغه،
فغدا يهُزُّ أثائثَ الجُمم.
والدولة الزهراء والزمن الـ،
هار حسبك شافَيى قَرَم.
إن الربيعَ لكالشَّباب وإنْ،
صيف يكسعه لكالهرم.
أشقائقَ النَعمان بين رُبَى،
نُعمانَ أنتِ محاسنُ النِّعم.
غدتِ الشقائقُ وهي واصفة،
آلاء ذى الجبروت والعظم.
تَرَفٌ لأبصارٍ كُحلنَ بها،
ليُرين كيف عجائبُ الحكم.
شُعَلٌ تزيدك في النهار سنًى،
وتُضيءُ في مُحلَولك الظُّلمِ.
أعجب بها شعلا على فحم،
لم تشتعل في ذلك الفحم.
وكأنما لُمَعُ السوادِ إلى،
ما احمرَّ منها في ضُحَى الرَهَم.
حَدَقُ العواشق وسِّطَتْ مُقَلاً،
نَهلت وعلّت من دموع دم.
يا للشقائق إنها قِسَمٌ،
تُزهى بها الأبصارُ في القسم.
ما كان يُهدى مثلَها تُحفاً،
إلا تطوّل بارئِ الناس.
قصيدة جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا
يقول إبراهيم ناجي في وصف الربيع:
جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا،
إنني عشت للجمال تبيعا.
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيكِ،
وأثْوي خلف الزهورِ صريعا.
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعاً،
واجعل الشمل في الربيع جميعا.
لا تقل لي أشتر المسرَّة والجاه،
فإنِّني حُسنَ الربى لن أبيعا.
فلغيري الدنيا وما في حماها،
إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا.
أنا من أجله عصيتُ وعُدِّبْتُ،
وأقسمتُ غيرهَ لن أطيعا.
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهراً وعبيراً،
ولا أُكابد جوعاً.
فَهو حسبي زاداً إذا عَفَت الدُّنيا،
وأقْوَتْ منازلاً وربوعا.
قصيدة من أغاني الربيع
يقول بدر شاكر السياب في وصف الربيع:
حلم بآفاق السرور رسمته أجنحة الطيور،
وبشائر فوق الربى بين الخمائل في الصدور.
ونسائم رقصت على زهر الجنائن والغدير،
وفراشة قد روحت عن زهرة الحقل النضير.
تعلو وتهبط في الرياض كأنها نغم الحبور،
الفجر يبني للندى ركناً جميلاً في الزهور.
فلنبنِ من قبلاتنا
للحبِّ عشاً في الثغور.
قصيدة ميلاد الربيع
يقول عبد الله البردوني في وصف الربيع:
ولد الربيع معطّر الأنوار،
غرد الهوى ومجنّح الأشعار.
ومضت مواكبه على الدنيا كما،
تمضي يد الشادي على الأوتار.
جذلان أحلى من محاورة المنى،
وأحبّ من نجوى الخيال السّاري.
وألذّ من سحر الصبا وأرقّ من،
صمت الدموع ورعشة القيثار.
هبط الربيع على الحياة كأنّه،
بعث يعيد طفولة الأعمار.
فصبت به الأرض الوقور وغردت،
وتراقصت فتن الجمال العاري.
وكأنّه في كلّ واد مرقص،
مرح اللّحون معربد المزمار.
وبكلّ سفح عاشق مترنّم،
وبكلّ رابية لسان قاري.
قصيدة مرحبًا بالربيع في ريعانه
يقول أحمد شوقي في وصف الربيع:
مَـرحَـبـاً بِـالرَبـيـعِ فـي رَيـعانِهِ،
وَبِــــأَنـــوارِهِ وَطـــيـــبِ زَمـــانِه.
رَفَّتـــِ الأَرضُ فـــي مَــواكِــبِ آذا،
رَ وَشَــبَّ الزَمــانُ فــي مِهـرَجـانِه.
نَـزَلَ السَهـلَ ضـاحِـكَ البِشرِ يَمشي،
فـيـهِ مَـشـيَ الأَمـيـرِ في بُستانِه.
عــادَ حَـليـاً بِـراحَـتَـيـهِ وَوَشـيـاً،
طــولُ أَنــهــارِهِ وَعَــرضُ جِــنــانِه.
لُفَّ فــي طَــيــلَســانِهِ طُــرَرَ الأَر،
ضِ فَـطـابَ الأَديـمُ مِـن طَـيـلَسانِه.
ســاحِــرٌ فِـتـنَـةَ العُـيـونِ مُـبـيـنٌ،
فَـصَّلـَ المـاءَ فـي الرُبا بِجُمانِه.
عَـبـقَـرِيُّ الخَـيالِ زادَ عَلى الطَي،
فِ وَأَربـــى عَـــلَيــهِ فــي أَلوانِه.
صِـبـغَـةُ اللَهِ أَيـنَ مِـنـها رَفائي،
لُ وَمِــنــقــاشُهُ وَسِــحــرُ بَــنــانِه.
رَنَّمــَ الرَوضُ جَــدوَلاً وَنَــســيـمـاً،
وَتَــلا طَــيــرَ أَيـكِهِ غُـصـنُ بـانِه.
وَشَدَت في الرُبا الرَياحينُ هَمساً،
كَــتَــغَــنّـي الطَـروبِ فـي وُجـدانِه.
كُـــلُّ رَوحـــانَــةٍ بِــلَحــنٍ كَــعُــرسٍ،
أُلِّفَــت لِلغِــنــاءِ شَــتّــى قِـيـانِه.
نَـغَـمٌ فـي السَـمـاءِ وَالأَرضِ شَـتّى،
مِـن مَـعـانـي الرَبيعِ أَو أَلحانِهِ.
أَيـنَ نـورُ الرَبيعِ مِن زَهرِ الشِع،
رِ إِذا مـا اِسـتَـوى عَـلى أَفنانِه.