قصيدة أرى القول يحلو بذكر الرجال
ينشد أحمد فارس الشدياق:
أرى القول يصبح جميلاً بذكر الرجال
وليس بذكر ذوات الدلال
رجال السياسية وأهل القرار
أرباب الحكمة، أمثال العالي
لقد بدأت حديثي كما يليق
وإن قلت بالمشابهة، فقد أسأت إلى المقال
لأن الذي أردت مدحه من عظماء
ظهر في المراتب دون مثال
وزير يقوي به الملك عزيمته
موضحاً آرائه الناجحة المفضلة
إذا أراد أمراً، أمر عليه
فهو حازم يذلل صعب المنال
فيجمع كل زائل ويقربه
بعيداً عن المآسي إلى كل حال
وأقلامه السود من فوق صفحات بيضاء
تفعل أفعال العظام
تخشى لها كل عاصٍ وتنقاد
لأمرها كالسيف الجازم
تدبر ملكاً بعيد الأرجاء
وتفصل بالحق كل اعتبار
وتبني للمخلصين منازل
وأما دور الأعداء فهي قواتهم
يرى في العواقب ما لا يراه غيره
ويرى في أحداث الماضي والحاضر
فللبر بحر وللعلم صفحات
والملك صدر حكيم الأفعال
حميد الصفات، محظوظ الأفعال
وحيد المراتب، فريد الكمال
تبارك من أودع الخير فيه
ونزهه عن عيوب الرجال
فما يمجده اقتدار أو شموخ
ولا ما لمكانته من جدارة
ولا مال أو طول بقاء
ولا مجد الأجداد أو بلاد سعيدة
إذا ما تحدى علوه أمير
فما هو إلا جل في الخيال
استشر الحرب عنه، وإن أحببت
فالسلم هو كل من لديه خيارات
ألم يحن للروم أن يروا ما
تجليه فكره في الليالي
ألم يكن في زجره لذلك من تنبيه
يخوفهم أمرهم في المال
ألم يكن في أخبارهم من بشرى
تعيدهم إلى أمان الموالين
وتسكنهم في مساكن آمنة
على النفس والمال ثم العيال
أليس لهم ما لنا وعليهم
سوى ما علينا من هدى لكل منهم
هل بعد هذا الحديث مراء
وعدو جائر وداعي مجادلة؟
إلى متى الخداع ولا خير فيه
وكم تطلبون كما تطلب الثعالب
فطورا تقولون أنتم أعداء
وطورا تقولون نحن موالين
إلى متى تسعون لدينا أموراً
وتقترحون نوال المحال؟
أكنتم رجالاً وكنا نساء
لتحملوا اغتيالكم واختيالكم
لقد أصبح في الحقيقة ما قد ذكرتم
وما هي إلا مهاوي الضلال
أطيعوا الخليفة بالحق واحتفظوا
بصوارمه فهي ذات اغتيال
إذا أعملتها كمة من الأشداء
توقعوا ما لم يخطر في بال
منايا تسير سريعاً تدور عليكم
رحاها وأنتم لها كالثمار
أليس لعبد العزيز ملك الملوك
جيوش كعدد الرمال
إذا كان يدعو رعاياه جميعاً
يقولون لبيك يا للنزال
خليفة رب العباد، مغدق الأيادي
المساعدات قبل السؤال
رؤوف بالذي جاء إليك مستنجداً
ولكنه صارم على ذي المحال
وينصره الله نصراً عظيماً
على كل باغٍ يتوق للقتال
فخير لكم أن تكونوا كآبائكم
في حماه الشاسع تحت ظلاله
فليس لكم من دونه من نصير
فلا يغرنكم مكر من قال
وليس لكم غيره من ملاذ
ولو كنتم في أعز الجبال
وما لكم دونه من مكافأة
فلا يغرنكم ذو خبال
تعالوا إلى ما دعاكم إليه
وإن هو إلا خلوص امتثال
وأنتم منه في أمان
وعيش هنيء وغبطة حال
فكم مرة قال إني بر
بأهل الصليب كاهل الهلال
فما لكم لا تعون حديثاً
ولا تهتدون بنصح مقالي
أعز السلاطين قدراً وجاهاً
وأكرمهم عند بذل النوال
وأرحمهم بالعباد قلوباً
وأحلمهم عن مسيء طال
لطالب رضوانه كل خير
وطالب عصيانه في وبال
فعددوا قوافي الثناء عليه
نجوماً لسعدك دون زوال
وصيد حماه محط الرحال
وعز الذلال وكنز النفال
فهل مثله في الجنوب
وفي الشرق والغرب أو في الشمال
وهل مثله من جميل مغرب
أصيل حسيب جليل بجال
يبهرك فوق الأريكة والطرف
يوم النوال ويوم النضال
له الله في السر والعلن واق
وينصره بالسيوف الحادة
ودامت أعداؤه كهباء
وشمس مشاهده في كمال.
شعر سبحان من خلق الرجال
يقول محمد مهدي الجواهري:
سبحان من خلق الرجال فلم يجد
رجلاً يستحق أن يُخلد في موطن
ما إن يزالُ مرشحاً لأموره
مُتعجرفاً أو طامعاً أو أحمقاً
وطني، وداؤك أرواح مملوءة
جشعاً فمن لي أن تُبلِّ ولم تبق
بلوى الشعوب مخادعة إذ ادعوا
للنصح، كذبت الفعال المنطقاً
الآن يلتمسون فك أيضاً
من بعد ما نزل البلاء وأحاط
وطني ومن لك أن تعود فترتقي
من بعد ما أعيا وعزت المرتقى
ما إن ترى عين لصبحي مصبحاً
للعاشقين، ولا كصيفك مغبقا
زَهَرَت رياضك واجتليت محلاً
وصفت مياهك واحْتسيْتَ مرنقا
أفتلك دجلةُ بالنعيم مرفرفاً
تجري وبالعذب الزلال مصفقا
باتت تدفقها الرياح وإنما
ضاقت مسايل مائها فتدفقا
وبكت لواردها أسى وكأنها
أمست تصعد منه صدراً ضيقاً
أقضى مرامي أن تفيض فتشتكى
ظمأ ربوعك أو تفيض فتغرقا
لو يعلم الشجر الذي أنبتَّهُ
ما حل فيك من الأذى ما أورقا
رجعت خلاءً كفهم بك ثرةً
ورجعت أنت أبا الخزائن مفلساً
أشفقت مما قد ملكت قساوةً
أن لا ترقَّ إذا ملكتَ فترقّ
مالي وطارقة الخطوب إذا دهمت
فلكم سألت الله أن لا تُطرقا
عزم الرجال إذا تناهى حده:
مثل الكمام إذا استوى فتفتقا
مثلٌ جرى فيما مضى لمحنكٍ
من “يعرب” رام السداد فوفق
أعيى به جمع العصي فلم يُطق
تحطيم وحدتهنَّ حتى فرَّقا
أهدى لكم لو تقتفون سبيله
مثلاً به كان السبيل إلى البقاء
شعر ذهب الرجال المقتدى بفعالهم
يقول أبو الأسود الدؤلي:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم
والمُنكرون لكل أمرٍ منكر
وبقيت في خلف يزكي بعضهم
بعضاً ليدفع معورٌ عن معور
فطينٌ لكل مصيبة في ماله
وإذا أصيب بعرضه لم يشعرِ.
شعر فخر الرجال سلاسل وقيود
يقول عنترة بن شداد:
فخر الرجال سلاسل وقيود
وكذا النساء بخانق وعقود
وإذا غبار الخيل مد رواقة
سكر به لا ما جنى العنقود
يا دهر لا تبق علي فقد دنا
ما كنت أطلب قبل ذا وأريد
فالقتل لي من بعد عبلة راحة
والعيش بعد فراقها منكود
يا عبلة! قد دنت المنايا فاندبي
إن كان جفنك بالدموع يجود
يا عبلة! إن بكى علي فقد بكى
صرْف الزمان علي وهو حسود
يا عبلة! إن سفكوا دمي ففعائلي
في كل يوم ذكرهن جديد
لهفي عليك إذا بقيتي سبية
تدعين عنتر وهو عنك بعيد
ولقد لقيت الفرس، يا ابنة مالكِ
وجيوشها قد ضاق عنها البيد
وتموجُ موج البحر إلا أنها
لاقت أسوداً فوقهن حديد
جاروا فحكمنا الصوارم بيننا
فقضت وأطراف الرماح شهود
يا عبلة! كم من جحفل فرقته
والجو أسود والجبال تميد
فسطا علي الدهر سطوة غادرٍ
والدهر يبخل تارة ويجود.
جل والله ما دهاك وعزا
شعر أبو الحسن الجرجاني:
جل والله ما دهاك وعزا
فعزاء إن الكريم معزّى
والحصيف الكريم من إن أصابته
نكبة بعد ما يعز يُعزى
هي ما قد علمت أحداث دهرٍ
لم تدع عدةً تصان وكنزاً
قصدت دولة الخلافة جهراً
فأبادت عمادها والمعزا
وقديماً أفنت جديساً وطسماً
حفَزتهُم إلى المقابر حفزا
أصغ والحظ ديارهم هل ترى من
أحدٍ منهم وتسمع ركزا
ذهب الطرف فاحتسب وتصبّر
للرزايا فالحر من يتعزى
فعلى مثله استُطير فؤاد الحا
زم لنَدب حسرة واستفزّا
لم يكن يسمح القياد على الهو
ولا كان نافراً مشمئزّا
رب يومٍ رأيته بين جردٍ
تتقفاه وهو يجمز جمزا
وكأن الأبصار تعلق منه
بِحسام يهز في الشمس هزّا
وتراه يلاعب العين حتى
تحسب العين أنه يتحدّى
وسواءٌ عليه هجّر أو أس
رى أو انحط أو تسنّم نشزا
وكأن الميدان يبرز منه
مَتن حسي ينز بالماء نزّا
استراحت منه الوحوش وقد كان
يراه فلا ترى منه حرزا
كم غزالٍ أنحى عليه وعير
نال منه وكم تصيد فزّا
وصروفُ الزمان تقصد فيما
يستفيد الفتى الأعز الأعزّا
فإذا ما وجدت من جزع النك
بة في القلب والجوانح وخزّا
فتذكر سوابقاً كان ذا الطر
فإليهن حين يُمدح يُعزّى
أين شق وداحس وضبيب
غمزتها حوادت الدهر غمزاً
غلن ذا اللمة الجواد ولزت
ضرباً واللزازة والسكب لزّا
ولقد بَزَّت الوجيه ومعكُتو
م بناء أعصر وأعوجّ بزّا
وتصدت لاحق فرمته
وغراب وزهدم فاستفزّا
فاحمد الله إن أهون ترزأُ
ما كنت أنت فيه المعزّى
قد رثينا ولم نُقصّر وبالغ
نا وفي البعض ما كفاه وأجزى
ومن العدل أن تُثابَ أبا عي
سى على قدر ما فعلنا ونُجزى
يا ليت شعري بأنباء أنبؤها
يقول أبو زبيد الطائي:
يا ليت شعري بأنباء أنبؤها
قد كان يعيا بها صدري وتقديري
عن امرئ ما يزده الله من شرفٍ
أفرح به ومريم غير مسرورة
إن الوليد له عندي وحق له
ود الخليل ونصح غير مذخور
إن امرأً خصني عمداً مودته
على التنائي لعندي غير مكسور
لقد رعاني وأدناني وأظهرني
على الأعداء بنصر غير تعطير
فشدذ القوم عني غير مكتَرثٍ
حتى تناهوا على رغم وتصغير
نفسي فداء أبي وهبٍ وقَلَّ له
يا أم عمرو فحلي اليوم أو سيري
يا أهل جيرون هل لسامركم
يقول الواساني:
يا أهل جيرون هل لسامركم
إذا استقلت كواكب الحمل
في ملح كرياض باكرها
نوء الثريا بعارض هطل
أو مثل نظم العقود بالددر وال
در ووشي البرود والكلل
يلذ للسامع الغناء بها
على خفيف الثقيل والرمل
كنت على باب منزلي سحراً
أنتظر الشاكري يسرج لي
وطال ليلي لحاجة عرضت
باكرتها والنجوم لم تمل
فمر بي في الظلام أسود كال
فيل عريض الأكتاف ذو عضل