ألا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذماً
أحِنُّ إلى الكأس التي شربت بها
وأهوى لمثواها التراب وما ضمَّا
بكيتُ عليها خوفاً في حياتها
وذاقَ كِلانا ثُكلَ صاحبه قِدماً
أتاها كتابي بعد يأسٍ وترحَةٍ
فماتت سُروراً بي فمُتُّ بها غمّا
حرامٌ على قلبي السرور فإنني
أُعدُّ الذي ماتت به بعدَها سُمَّا
إني لأعلم واللبيب خبير
ما كنتُ أحسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب في التراب تغورُ
ما كنتُ آمل قبل نعشك أن أرى
رضوى على أيدي الرجال تسيرُ
خرجوا به ولكل باكٍ خلفه
صعقات موسى يوم دُكَّ الطورُ
والشمس في كبد السماء مريضةٌ
والأرض واجفةٌ تكاد تموري
وحفيف أجنحة الملائكة حوله
وعيون أهل اللاذقية صورُ
حتى أتوا جدثاً كأن ضرِيحه
في قلب كل موحدٍ محفورُ
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
يا أخت خير أخٍ يا بنت خير أبٍ
كنايةً بهما عن أشرف النسبِ
أجلُّ قدرك أن تُسمى مؤبنةً
ومن يصفك فقد سماك للعربِ
لا يملك الطربُ المحزون منطِقه
ودمعه وهما في قبضة الطربِ
غدَرتَ يا موتُ كم أفنيتَ من عددٍ
بمن أصبتَ وكم أسكَّتَّ من لجبِ
وكم صحبتَ أخاها في منازلةٍ
وكم سألتَ فلم يبخل ولم تَخبِ
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ
فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ
حتى إذا لم يدع لي صدقُهُ أملاً
شرِقتُ بالدمع حتى كاد يشرِقُ بي
تعثَّرتْ به في الأفواه ألسُنُها
والبردُ في الطرق والأقلامُ في الكتبِ
كأن فعلَةَ لم تملأ مواكبها
ديار بكرٍ ولم تخلع ولم تهبِ
ولم تُغِث داعياً بالويلِ والحربِ
أرى العراق طويل الليل مذ نُعيَتْ
فكيف ليلُ فتى الفتيان في حلبِ
يظنُّ أن فؤادي غير مُلتَهِبٍ
وأن دمعَ جفوني غير مُنسكِبِ
بلى وحُرمةَ من كانت مَراعيةً
لحُرمة المجد والقُصاد والأدبِ
ومن مضت غير موروثٍ خَلائقُها
وإن مضت يدُها موروثةَ النشَبِ
وهمُّها في العُلا والمجد ناشئةً
وهمُّ أترابها في اللهو واللعبِ
يعلمنَ حين تُحيا حسنَ مَبسمِها
وليس يعلمُ إلا الله بالشَنَبِ
مَسَرَّةٌ في قلوبِ الطيبِ مفرقُها
وحسرةٌ في قلوبِ البيضِ واليَلَبِ
إذا رأى ورآها رأسَ لابسه
رأى المقانعَ أعلى منه في الرُتَبِ
وإن تكن خُلِقَت أنثى لقد خُلِقَت
كريمةً غير أنثى العقل والحسبِ
وإن تكن تغلبُ الغلباءَ عنصرُها
فإن في الخمرِ معنى ليس في العنبِ
فليت طَالعةَ الشَمسين غائبةٌ
وليت غائبةَ الشمسين لم تغِبِ
وليت عينَ التي آبَ النهار بها
فداءٌ عينَ التي زالَت ولم تَؤبِ
فما تقلَّدَ بالياقوت مشبهُها
ولا تقلَّدَ بالهنديةِ القضبِ
ولا ذكرتُ جميلاً من صناعِعِها
إلا بكيتُ ولا ودٌّ بلا سببِ
قد كان كلُّ حجابٍ دون رؤيتها
فما قنعتِ لها يا أرضُ بالحُجُبِ
ولا رأيتِ عيونَ الإنس تُدركُها
فهل حسدتِ عليها أعيُنَ الشُهُبِ
وهل سمعتِ سلاماً لي ألمَّ بها
فقد أطلتُ وما سلَّمتُ من كَثَبِ
وكيف يبلغُ موتانا التي دُفنَت
وقد يُقصِّرُ عن أحيائِنا الغيبِ
يا أحسنَ الصبرِ زُر أولى القلوبِ بها
وقل لصاحبه يا أنفعَ السُحبِ
وأكرمَ الناسِ لا مستثنياً أحداً
من الكرام سِوى آبائك النجبِ
قد كان قاسمكَ الشخصينَ دهُرهُما
وعاشَ دُرُّهُما المَفديُّ بالذهبِ
وعادَ في طلبِ المَتروكِ تاركُهُ
إنَّا لَنَغفُلُ والأيامُ في الطلبِ
ما كان أَقصَرَ وقتاً كان بينهُما
كأنّهُ الوقتُ بينَ الوردِ والقربِ
جزاكَ ربُّكَ بالأحزانِ مغفرةً
فحزنُ كلِّ أخٍ حزنٌ أخو الغضَبِ
وأنتمُ نفرٌ تسخو نفوسُكُمُ
بما يَهَبْنَ ولا يسخو بالأُسُبِ
حلَّلتمُ من ملوكِ الناسِ كلِّهِمُ
محلَّ سمرِ القَنا من سائرِ القصبِ
فلا تنلكَ الليالي إنَّ أيديها
إذا ضربت كَسَرنَ النبعَ بالغَرَبِ
ولا يعنَّ عدوًّا أنت قاهرهُ
فإنهنَّ يصدنَ الصقرَ بالخَرَبِ
وإن سررْنَ بمحبوبٍ فَجَعْنَ به
وقد أتيناكَ في الحالين بالعجبِ
وربما احتسبَ الإنسانُ غايتها
وفاجأتهُ بأمرٍ غيرِ مُحتسبِ
وما قضى أحدٌ منها لُبَانَتَهُ
ولا انتهى أربٌ إلا إلى أربِ
تخالَفَ الناسُ حتى لا اتِّفاقَ لهم
إلا على شجبٍ والخلفُ في الشجبِ
فقيلَ تخلصُ نفسُ المرءِ سالِمةً
وقيلَ تشرَكُ جسمَ المرءِ في العطبِ
ومن تفكّر في الدنيا ومهجته
أقامهُ الفكرُ بين العجزِ والتعبِ
عيد بأيّة حالٍ عدتَ يا عيد
عيدٌ بأيّة حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بما مَضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ
أما الأحِبَّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فلَيتَ دونكَ بيداً دونها بيدُ
لو لا العُلى لم تُجبْ بي ما أجوبُ بهَا
وجناءُ حرفٌ ولا جرداءُ قيدودُ
وكان أطيبَ من سيفي مُعانَقةً
أشبهَ رونقَه الغيدُ الأماليدُ
لم يترك الدهرُ من قلبي ولا كبدي
شيئاً تُتَيّمُهُ عينٌ ولا جيدُ
يا ساقَيَّ أخَمْرٌ في كؤوسكما
أم في كؤوسكما همٌّ وتسهيدُ؟
أصَخْرةٌ أنا، ما لي لا تُحركني
هذه المدامُ ولا هذه الأغاريدُ
إذا أردتُ كُمَيْتَ اللّونِ صافيَةً
وجدتُها وحبيبُ النفسِ مفقودُ
ماذا لقيتُ منَ الدنيا وأعجبُهُ
أني بما أنا شاكٍ منهُ محسودُ
أمسيّتُ أروحَ مُثرٍ خازناً ويَداً
أنا الغنيّ وأموالي المواعيدُ
إنّي نزلتُ بكذَّابين، ضيفُهُمُ
عَن القِرى وعَن الترحالِ محصودُ
جودُ الرجالِ من الأيدي وجودُهُمُ
من اللّسان، فلا كانوا ولا الجودُ
ما يَقبضُ الموتُ نفساً من نفوسهِمُ
إلا وفي يَدِهِ من نتِنِها عودُ
أكُلّمَا اغتالَ عبدُ السوء سيّدَهُ
أو خانَهُ فلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ
صارَ الخَصِيّ إمامَ الآبِقِينَ بِهَا
فالحُرُّ مُستعبدٌ والعَبدُ معبُودُ
نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالِبِها
فقد بشمنَ وما تفنى العناقيدُ
العَبْدُ ليسَ لحُرٍّ صالحٍ بأخٍ
لو أنهُ في ثيابِ الحُرِّ مولودُ
لا تشتري العبدَ إلا والعصا معهُ
إن العَبيدَ لأنجاسٌ مَنَاكيدُ
ما كنتُ أحسبُني أحيا إلى زمنٍ
يسىء بي فيه عبدٌ وهوَ مَحمودُ
ولا توهَّمتُ أنّ الناسَ قد فُقِدوا
وأن مِثلَ أبي البيضاءِ موجودُ
وأن ذا الأسوَدَ المثقوبَ مَشْفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضاريطِ الرعاديد
جَوْعانُ يأكُلُ مِن زادي ويُمَسِكني
لكي يُقالَ عظيمُ القَدْرِ مَقْصُودُ
ويلُمِّها خُطةً ويلُمِّ قَابلِهَا
مِثلَها خُلِقَ المهريّةُ القودُ
وعندها لذّ طعمَ الموتِ شاربهُ
إنّ المَنيّةَ عندَ الذلِّ قنيدُ
مَنْ علمَ الأسودَ المخصِي مكُرمةً
أقوامُهُ البيضُ أم آباؤهُ الصيدُ
أم أُذنهُ في يدِ النخّاسِ داميةً
أم قدرُهُ وهو بالفلسينِ مَردودُ
أولى اللئامِ كُويفِيرٌ بمعذرةٍ
في كل لؤمٍ، وبعضُ العذرِ تَفنيدُ
وذاك أن الفحولَ البيضَ عاجزةٌ
عن الجميلِ فكَيْفَ الخِصْيةُ السّودُ؟