معلقة عمرو بن كلثوم
يقول الشاعر عمرو بن كلثوم:
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا
وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها
إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ
إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا
تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت
عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو
وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا
وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو
بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا
وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ
وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا
وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا
مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا
قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا
نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا
قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرمًا
لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا
بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعنًا
أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا
وَإنَّ غَداً وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ
وَبَعدَ غَدٍ بِمَا لا تَعلَمينا
تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ
وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا
ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ
هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا
وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخصًا
حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا
وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت
رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا
وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنها
وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا
وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ
يَرِينُ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا
فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ
أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا
وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاها
لَها مِن تِسعَةٍ إِلّا جَنينا
تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّا
رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا
فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت
كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا
أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا
وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا
بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضًا
وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا
وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ
عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا
وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ
بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا
تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا
وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ
إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا
وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّا
وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا
مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحانا
يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا
يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ
وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا
نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّا
فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا
قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم
قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا
نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم
وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا
نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّا
وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا
بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ
ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا
كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيها
وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا
نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقًّا
وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا
وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو
عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا
وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ
نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا
وَنَحنُ إِذا عَمادُ الحَيّ خَرَّت
عَنِ الأَحفاضِ نَمنَعُ مَن يَلينا
نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ
فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا
كَأَنَّ سُيوفَنا فينا وَفيهِم
مَخاريقٌ بِأَيدي لاعِبينا
كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم
خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا
إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ
مِنَ الهَولِ المُشَبَّهِ أَن يَكونا
نَصَبنَا مِثلَ رَهوَةَ ذاتَ حَدٍّ
مُحافَظَةً وَكُنّا السابِقينا
بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجدًا
وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينَا
حُدَيّا الناسِ كُلِّهِمُ جَميعًا
مُقارَعَةً بَنيهِم عَن بَنينا
فَأَمّا يَومَ خَشيَتِنا عَلَيهِم
فَتُصبِحُ خَيلُنا عُصَباً ثُبينا
وَأَمّا يَومَ لا نَخشى عَلَيهِم
فَنُمعِنُ غارَةً مُتَلَبِّبينا
بِرَأسٍ مِن بَني جُشَمِ بنِ بَكرٍ
نَدُقُّ بِهِ السُهولَةُ وَالحُزونا
أَلا لا يَعلَمُ الأَقوامُ أَنّا
تَضَعضَعنا وَأَنّا قَد وَنينا
أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا
فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
نَكونُ لِقَيلِكُم فيها قَطينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا
تَهَدَّدنا وَأَوعِدنا رُوَيدًا
مَتى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقتَوينا
فَإِنَّ قَناتَنا يا عَمرُو أَعيَت
عَلى الأَعداءِ قَبلَكَ أَن تَلينا
إِذا عَضَّ الثِقافُ بِها اِشمَأَزَّت
وَوَلَّتهُم عَشَوزَنَةَ زَبونا
عَشَوزَنَةً إِذا اِنقَلَبَت أَرَنَّت
تَشُجُّ قَفا المُثَقَّفِ وَالجَبينا
فَهَل حُدِّثتَ في جُشَمَ بنِ بَكرٍ
بِنَقصٍ في خُطوبِ الأَوَّلينا
وَرِثنا مَجدَ عَلقَمَةَ بنِ سَيفٍ
أَبَاحَ لَنا حُصونَ المَجدِ دينا
وَرِثتُ مُهَلهِلاً وَالخَيرَ مِنهُ
زُهَيراً نِعمَ ذُخرُ الذاخِرينا
وَعَتّاباً وَكُلثوماً جَميعًا
بِهِم نِلنا تُراثَ الأَكرَمينا
وَذا البُرَةِ الَّذي حُدِّثتَ عَنهُ
بِهِ نُحمى وَنَحمي المُحجَرينا
وَمِنّا قَبلَهُ الساعي كُلَيبٌ
فَأَيُّ المَجدِ إِلّا قَد وَلينا
مَتى نَعقِد قَرينَتَنا بِحَبلٍ
تَجُزُّ الحَبلَ أَو تَقُصُّ القَرينا
وَنوجَدُ نَحنُ أَمنَعُهُم ذِمارًا
وَأَوفاهُم إِذا عَقَدوا يَميناً
ونَحنُ غَداةَ أُوقِدَ في خَزازى
رَفَدنا فَوقَ رِفدِ الرافِدينا
وَنَحنُ الحابِسونَ بِذي أُراطى
تَسُفُّ الجِلَّةُ الخورُ الدَرينا
ونَحنُ الحاكِمونَ إَذا أُطِعنا
وَنَحنُ العازِمونَ إَذا عُصينا
وَنَحنُ التارِكونَ لِما سَخِطنا
وَنَحنُ الآخِذونَ لِما رَضينا
وَكُنّا الأَيمَنينَ إذا اِلتَقَينَا
وَكانَ الأَيسَرين بَنو أَبينا
فَصالوا صَولَةً فيمَن يَليهِم
وَصُلنا صَولَةً فيمَن يَلينا
فَآبوا بِالنِهابِ وَبِالسَبايا
وَأُبنا بِالمُلوكِ مُصَفَّدينا
إِلَيكُم يا بَني بَكرٍ إِلَيكُم
أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا اليَقينا
أَلَمّا تَعرِفوا مِنّا وَمِنكُم
كَتائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرتَمينا
عَلَينا البَيضُ واليَلَبُ اليَماني
وَأَسيافٌ يَقُمنَ وَيَنحَنينا
عَلَينا كُلُّ سابِغَةٍ دِلاصٍ
تَرى فَوقَ النِطاقِ لَها غُضونا
إِذا وُضِعَت عَلى الأَبطالِ يَومًا
رَأَيتَ لَها جُلودَ القَومِ جونا
كَأَنَّ غُضونَهُنَّ مُتونُ غُدرٍ
تُصَفِّقُها الرِياحُ إِذا جَرَينا
وَتَحمِلُنا غَداةَ الرَوعِ جُردٌ
عُرِفنَ لَنا نَقائِذَ وَاَفتُلينا
وَرَدنَ دَوارِعاً وَخَرَجنَ شُعثًا
كَأَمثالِ الرَصائِعِ قَد بَلينا
وَرِثناهُنَّ عَن آباءِ صِدقٍ
وَنُورِثُها إِذا مُتنا بَنينا
عَلى آثارِنا بيضٌ حِسانٌ
نُحاذِرُ أَن تُقَسَّمَ أَو تَهونا
أَخَذنَ عَلى بُعولَتِهِنَّ عَهدًا
إِذا لاقَوا كَتائِبَ مُعلَمينا
لَيَستَلِبُنَّ أَفراساً وَبيضًا
وَأَسرى في الحَديدِ مُقَرَّنينا
تَرانا بارِزينَ وَكُلُّ حَيٍّ
قَدِ اِتَّخَذوا مَخافَتَنا قَرينا
إِذا ما رُحنَ يَمشينَ الهُوَينى
كَما اِضطَرَبَت مُتون الشارِبينا
يَقُتنَ جِيادَنا وَيَقُلنَ لَستُم
بُعولَتَنا إِذا لَم تَمنَعونا
ظَعائِنَ مِن بَني جُشَمَ بنِ بَكرٍ
خَلَطنَ بِمَيسَمٍ حَسَباً وَديناً
وَما مَنَعَ الظَعائِنَ مِثلُ ضَربٍ
تَرى مِنهُ السَواعِدَ كَالقُلينا
كَأَنّا وَالسُيوفُ مُسَلَّلاتٌ
وَلَدنا الناسَ طُرّاً أَجمَعينا
يُدَهدونَ الرُؤوسَ كَما تُدَهدي
حَزاوِرَةٌ بِأَبطَحِها الكُرينا
وَقَد عَلِمَ القَبائِلُ مِن مَعَدٍّ
إِذا قُبَبٌ بِأَبطَحِها بُنينا
بِأَنا المُطعِمونَ إِذا قَدَرنا
وَأَنّا المُهلِكونَ إِذا اِبتُلينا
وَأَنّا المانِعونَ لِما أَرَدنا
وَأَنّا النازِلونَ بِحَيثُ شينا
وَأَنّا التارِكونَ إِذا سَخِطنا
وَأَنّا الآخِذونَ إِذا رَضينا
وَأَنّا العاصِمونَ إِذا أُطِعنا
وَأَنّا العازِمونَ إِذا عُصينا
وَنَشرَبُ إِن وَرَدنا الماءَ صَفوًا
وَيَشرَبُ غَيرُنا كَدَراً وَطينا
أَلا أَبلِغ بَني الطَمّاحِ عَنّا
وَدُعمِيّاً فَكَيفَ وَجَدتُمونا
إِذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسفًا
أَبَينا أَن نُقِرَّ الذُلَّ فينا
مَلَأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّا
وَنَحنُ البَحرُ نَملأُهُ سَفينا
إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ
تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا
عُقاراً عُتِّقَت مِن عَهدِ نوحٍ
بِبَطنِ الدَنِّ تَبتَذِلُ السِنينا
كَأَنَّ الشُهبَ في الأَذانِ مِنها
إِذا قَرَعوا بحافَتِها الجَبينا
إِذا صَمَدَت حُمَيّاها أَريبًا
مِنَ الفِتيانِ خِلتَ بِهِ جُنونا
فَما بَرِحَت مَجالَ الشِربِ حَتّى
تَغالوها وَقالوا قَد رَوينا
أَفي لَيلى يُعاتِبُني أَبوها
وَإِخوَتُها وَهُم لي ظالِمونا
وَنَحراً مِثلَ ضَوءِ البَدرِ وافي
بِإِتمامٍ أُناساً مُدجِنينا
قصيدة جفون العذارى من خلال البراقع
وتغزل عنترة بن شداد بمحبوبته عبلة قائلاً:
جُفونُ العَذارى مِن خِلالِ البَراقِعِ
أَحَدُّ مِنَ البيضِ الرِقاقِ القَواطِعِ
إِذا جُرِّدَت ذَلَّ الشُجاعُ وَأَصبَحَت
مَحاجِرُهُ قَرحى بِفَيضِ المَدامِعِ
سَقى اللَهُ عَمّي مِن يَدِ المَوتِ جَرعَةً
وَشُلَّت يَداهُ بَعدَ قَطعِ الأَصابِعِ
كَما قادَ مِثلي بِالمُحالِ إِلى الرَدى
وعَلَّقَ آمالي بِذَيلِ المَطامِعِ
لَقَد وَدَّعَتني عَبلَةٌ يَومَ بَينِه
وَداعَ يَقينٍ أَنَّني غَيرُ راجِعِ
وَناحَت وَقالَت كَيفَ تُصبِحُ بَعدَن
إِذا غِبتَ عَنّا في القِفارِ الشَواسِعِ
وَحَقِّكَ لا حاوَلتُ في الدَهرِ سَلوَةً
وَلا غَيَّرَتني عَن هَواك مَطامِعي
فَكُن واثِقاً مِنّي بِحسنِ مَوَدَّةٍ
وَعِش ناعِماً في غِبطَةٍ غَيرِ جازِعِ
فَقُلتُ لَها يا عَبلَ إِنّي مُسافِرٌ
وَلَو عَرَضَت دوني حُدودُ القَواطِعِ
خُلِقنا لِهَذا الحب مِن قَبلِ يَومِنا
فَما يَدخُلُ التَفنيدُ فيهِ مَسامِعي
أَيا عَلَمَ السَعدِي هَل أَنا راجِعٌ
وَأَنظُرُ في قُطرَيكَ زَهرَ الأَراجِعِ
وَتُبصِرُ عَيني الرَبوَتَينِ وَحاجِرًا
وَسُكّانَ ذاكَ الجِزعِ بَينَ المَراتِعِ
وَتَجمَعُنا أَرضُ الشَرَبَّةِ وَاللِوى
وَنَرتَعُ في أَكنافِ تِلكَ المَرابِعِ
فَيا نَسَماتِ البانِ بِاللَهِ خَبِّري
عُبيلَةَ عَن رَحلي بِأَي المَواضِعِ
وَيا بَرقُ بَلِّغها الغَداةَ تَحِيَّتي
وَحَيِّ دِياري في الحِمى وَمَضاجِعي
أَيا صادِحاتِ الأَيكِ إِن مُتُّت فَاِندُبي
عَلى تُربَتي بَينَ الطُيورِ السَواجِعِ
وَنوحي عَلى مَن ماتَ ظُلماً وَلَم يَنَل
سِوى البُعدِ عَن أَحبابِهِ وَالفَجائِعِ
وَيا خَيلُ فَاِبكي فارِساً كانَ يَلتَقي
صُدورَ المَنايا في غُبار المَعامِعِ
فَأَمسى بَعيداً في غَرامٍ وَذِلَّةٍ
وَقَيدٍ ثَقيلٍ مِن قُيودِ التَوابِعِ
وَلَستُ بِباكٍ إِن أَتَتني مَنِيَّتي
وَلَكنَّني أَهفو فَتَجري مَدامِعي
وَلَيسَ بِفَخرٍ وَصفُ بَأسي وَشِدَّتي
قَد شاعَ ذِكري في جَميعِ المَجامِعِ
بِحقِّ الهَوى لا تَعذلوني وَأَقصِروا
عَنِ اللَومِ إِن اللَومَ لَيس بِنافِعِ
وَكَيفَ أُطيقُ الصَبرَ عَمَّن أُحِبُّهُ
وَقَد أُضرِمَت نارُ الهَوى في أَضالِعي
قصيدة لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
يقول أبو العتاهية:
لعَمْرُكَ ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ
كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما
يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ
حَلاَوَتُهَا ممزوجةٌ بمرارةٍ
ورَاحتُهَا ممزوجَةٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوْمًا في ثِيابِ مَخيلَةٍ
فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً
وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة
وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ
ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدةٍ
ويومُ سُرورٍ مرَّةً ورخاءِ
وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ
وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ
أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ
يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ
وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جماعةٍ
وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ
إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى
فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ
أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى
بَهاءً وكانوا قَبلُ أهل بهاءِ
وكلُّ زمان واصِلٌ بصَريمَةٍ
وكلُّ زمان مُلطَفٌ بجَفَاءِ
يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلةٍ
ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ
ونفسُ الفَتَى مسرورَةٌ بنمائِهَا
وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ
وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ
حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ
أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَةٍ
يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ
خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،
وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ
وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا
ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ
معلقة قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزِل
قال امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفَائِيْ عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ
فهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَـا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
وَلا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِيْ
فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ
يَظَلُّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا
وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا
عَقَرْتَ بَعِيْرِيْ يَا امْرَأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِيْ وَأَرْخِي زِمَامَهُ
وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعًا
فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِيْ تَمَائِمَ مُغْيَلِ
إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ
بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لم يُحَوَّلِ
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ
عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ
وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِيْ فَأَجْمِلِي
وَإنْ كنتِ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّيْ خَليْقَةٌ
فَسُلِّيْ ثِيَابِيْ مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقْدَحِي
بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
وَبَيْضَةِِ خِدْرٍٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍاً
عَلَيَّ حِرَاصٍ لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي
إذا ما الثُّرَيَّا في السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ
تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لنَوْمٍ ثِيَابَهَا
لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقَالَتْ يَمُيْنَ اللهَ ما لَكَ حِيْلَةٌ
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي
خَرَجْتُ بِهَا تَمْشِيْ تَجُرُّ وَرَاءَنَا
عَلَى أثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى
بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ ذِيْ رُكَامٍ عَقَنْقَلِ
إِذَا التَفَتَتْ نَحْوِيْ تَضَوَّعَ رِيْحُهَا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّـا القَرَنْفُلِ
إِذَا قُلْتُ هَاتِيْ نَوِّلِيْنِيْ تَمَايَلَتْ
عَلَيَّ هَضِيْمَ الكَشَحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
تَرَائِبُهَا مَصْقُوْلَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
كِبِكْرِ مُقَانَاةِ البَيَاضِ بِصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرِ المُحَلَّلِِ
تَصُدُّ وَتُبْدِيْ عَنْ أَسِيْلٍ وَتَتَّقِيْ
بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
وَجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ
إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلا بِمُعَطَّلِ
وَفَرْعٍ يُغَشِّي المَتْنَ أَسْودَ فَاحِمٍ
أَثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلى العُلا
تَضِلُّ المَدَارَى في مُثَنًى وَمُرْسَلِ
وَكَشْحٍ لَطِيْفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ
وَسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
وَتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّهُ
أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاوِيْكُ إِسْحِلِ
تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا
مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ