قصيدة للمتنبي
إنَّ القلبَ أدرى يا عاذلي بمشاعري،
وأنا أولى بجفني ودمع عينيه.
فهل أُحبُّ من أجل الهوى أن أخالفك،
أقسم بقلبي وجمال حُسنك.
أأُحبُّهُ ثم أُلامُ على حُبِّه؟
فالملامةُ بالنسبة له من أعدائِه.
عجب الوشاة من الكلام ومن أقوالهم،
اترك ما رأيتَ فقد ضعف القلب عن إخفاء مشاعره.
ما الصديقُ إلا من يحمل حباً في قلبه،
وأنتَ ترى بعينٍ لا ترى سوى الجفاء.
إن المُعينَ على الحب بالألم،
أكثر استحقاقًا برحمة الله ورحمته.
اجعل العذرَ للغرام دواءً كالعلاج،
لأنّ السمع قد يصبحُ من أعضاء القلب.
اعفُ عن المشتاق في شوقه،
حتى يكون شوقك في أعماقه.
إن القتيلَ مبللٌ بدموعه،
مثل القتيل الذي غمره دمه!
والحبُ كالمعشوق شائقٌ قربه،
للذي يبتلى به ويجد متاعبه.
لو أخبرتَ المسافرَ الحزينَ أنه ضمني،
لمّا أُثنيتهُ بالصداقة والتضحية.
الأميرُ الذي يملك قلوب العيون،
يا له من صادقٍ في قوته وكثيره.
يستطيع أن يأسر البطل بنظرة،
ويتحول بين قلبه وما تعود من عزاء.
لقد دعوتُك لأوقات الأزمات،
لم يُسْمع داعيها إلا لنفرٍ قليل.
فقد جئتَ من فوق وتحت الزمان،
متسللاً ومع الآخرين خلفكم.
من يُطيح بالسيوف ويكون صديقًا،
في أصله ومنزلة التقدير.
لقد طُبِعَ الحديدُ ليكون من نوعه،
وعليٌّ مُعتَزٌّ بتاريخِ آبَائه.
قصيدة لأبو العتاهية
لعَمرك، إنّ الدنيا ليست مستقر البقاء،
يكفيك فيها أنها فانية لا محالة.
فلا تعشق الدنيا، أيها الأخ، فهي،
لن تذهب إلا بالعذابات والتعب.
حلاوتها ممزوجة بمرارات،
وسعادتها تحمل ثقل الأعباء.
فلا تمشِ يومًا بملابسٍ فاخرة،
فإنك خُلِقْتَ من طين وماء.
قليلٌ من الناس من يلقاك شاكراً،
وقليل من يرضى بحكم القضاء.
ولله نعمٌ جليلةٌ علينا،
وللّه إحسانٌ كريمٌ وعطاء.
وما الزمن يومًا واحدًا بمثله،
وما كل يومٍ للناس سواء.
إنه يومٌ من العذاب والضيق،
ويومٌ من الفرح والرخاء.
وما من شيءٍ لا أرجو أن تُحرم نفعه،
وما من شيءٍ أرجيه أن يُنزع.
يا للعجب من الدهر، لا بل من قضاياه،
يُخرّبُ ما كان يُحبُ الناس من سائر الأمور.
ويشتيت رياح الدهر كل تجمعٍ،
ويضجر سكون الأيام وانفتاحها.
إذا حلا لي صديقي فسيذهب العقل،
فحسبك نأياً وابتعاداً عن اللقاء.
أزور قبور الناس المتحدثين فلا أرى،
بَهاءً، فهم كانوا في حالاتٍ مبهرة.
وكل زمانٍ يتتابع بالتغير،
وكل زمنٍ ينسى تباين الأيام.
صعبٌ مقاومة الموت بكل حيلة،
ويوشك الدواء أن يعدم روحه.
ويفرح نفس الفتى بنبواته،
وللنقصِ دائمةً تنمو بكافة الطرائق.
كم من محاربٍ ماتَ ولم يرَ أقاربه،
عندما احتاج وكادوا أن يفكروا في الإنقاذ.
أمامك، يا نعمان، وجود السعادة،
ستبقى فيه إلى الأبد، ومكان الشقاء.
خُلِقتَ لإحدى الغايات، فلا تنم،
وكن بين خوف ورجاء.
وفي الناس شرٌ لو تُظهروا ما يتعايشوا،
لكن الله كساهم ثوب الحماية.
قصيدة لابن الرومي
ضحك الربيع على دموع السماء،
وغدًا ستُسوى الأعياد بالقمم.
بين خضرةٍ كساها كمن،
خضراً، وزهورٍ دون توزيع.
متلاحق الأطراف متساوقٌ،
كأنها طُمرت بالجلم.
مُشرقٌ ضوء الضحى،
متأرجحٌ على الأسحار والظلام.
تجد الوحوش فيه كفايتها،
والطير مشغولةً بأشهيتها.
فالذئابُ تبرز عند الوضوء،
وحَمامُهُ يعيش في لهيب التنافس.
والروضة فيها قطعٌ من الزبرجد،
وأحجار الياقوت النفيس.
أوراقٌ ترقرق على ورقٍ،
يا كأنها في تحليقٍ سريع.
وأرى البليغَ في قصور مليئة،
وغدا يُهز كالتصاميم المجيدة.
ودولة الربيع وفترة الخوف،
يُعَدُّ شافِيارًا بسبب الجُود.
إن الربيع كالشباب، وإذا
صيفٌ يكسوه سوء الهرم.
أشقائق النعمان تتلألأ،
يا نعمان، أنتِ في قمة جمال الزهر.
الشقائق باتت وصفًا،
آلاءً للذي يعتز بالعزة والقوة.
رؤيةٌ تُمتع الأعين التي رأت،
لترى كيف تعمل العجائب في الحكم.
لهبٌ يزيدك في النهار نورًا،
ويضيء في عتمتك.
أعجب بها ليتوفي مُشرعة،
لم تُشعل في ذلك الفحم الغريب.
وكأنما لمع الأسرار بالسواد،
ما احمرَّ منها في ضحوة الرحم.
عينا العاشقين كالحلم،
تهلَّلت وعزت بالدموع المجيدة.
يا للشقائق، إنها قسَمٌ،
تُزهو بها الأبصار في مجالي.
ما كان يُهدَى مثلها هدايا،
إلا تطوّل بارئِ النسم.