قصيدة العلم بين الهبات والمنع
يقول الإمام الشافعي:
أأنثر درراً وسط ساحة الغنم
وأصيغ الأشعار للمربين؟
لَعمري إذا ضيعت في بلدةٍ
فلا يمكنني إضاعتها بين درر الكلام.
لئن سهل الله العزيز برحمته
ووجدت أهلاً للمعرفة والحكمة
فقد وزعت وأفدت من ودهم
وإلا فالمخزون لديّ ومكتوم.
ومن يمنح الجهال علمًا يتلفه
ومن يمنع المستوجبين فقد ظلم.
قصيدة الحالان شدّة ورخاء
يقول علي بن أبي طالب:
الحياة حالتان: شدّة ورخاء
ومدار نعمة وبلاء.
والشاب الحاذق الأديب، إذا ما
غدر به الدهر، لا يخونه العزاء.
إن نزلت بمحنة بي، فأنا
في الملمات كالصخر الصماء.
عالم ببلاء العلم بأن ليس
يدوم النعيم والبلاء.
قصيدة الأبلغ بما يفيض في التمثال
يقول جبران خليل جبران:
الأبلغ بما أفرغته في تمثال
من مأرب ثمين ومعنى سامي.
فن بذلت له الحياة بكل جدّ
في ساحة الآلام والآمال.
وإذا تمنت أن تكون الحياة كبيرة،
فستحققها بأعمال عظيمة.
ذاك هو النبوغ، فلا ينال سعادة
ترضيه إلا من ذي طلب عال.
خذ بالعظيم من الأمور، ولا تجعل
لك في الهموم سوى هموم الرجال.
اجعل خيالك ساميًا، فقد كثّر
تحقيق الحقيقة بامتطاء الخيال.
ابتعد عن أمانيك الدائمة، فكلما
اقتربت من النجاح، علت مني الأبطال.
أخلى خلق نعيش لذائذ الحكم،
من عاش في هذه الدنيا متنقلًا خال.
ليس الذي أوتيت، يا مختار،
من عفو العطايا، ذاك سهير ليال.
في كل فنٍ، ليس أن تدرك المدى
للأدعياء، وليس للجهال.
كلا، وليست في طلب الراحة
قبل التمام، ثم تظن كمال.
إني لأستجلي الفلاح فينجلي
لي عن مثابرة وغر فعال.
مصر تحيا بك ناشر مجدها،
مجد الصناعة في الزمن الخالي.
وهي التي ما زالت أغلى إرثها
من خالد الألوان والأشكال.
لبثت دهورًا لا يجدد شعبها
رسمًا، ولا يعنى برسم بال.
حتى انبرى الإفرنج يبعثون ما
دفنته من ذخائر مدى الأجيال.
وبرزت تثأر للبلاد موفقًا،
فطرحت الحال غير الحال.
اليوم إن سأل المافر عن عصرنا
عما أجد، ففيه رد سؤال.
اليوم في مصر العزيزة، إن قيل
ما فنها شيء سوى الأطلال.
أليوم موضع زهوها وفخارها
بجميل ما صنعته كفك حال.
صورت نهضتها فجاءت آية
تدعو إلى الإكبار والإجلال.
يا حبذا مصر الفتاة، وقد بدت
غيداء ذات حصافة وجمال.
في جانب الرئبال، قد ألقت يدًا
أدماءً ناعمة على الرئبال.
بتلطف ورشاقة وتعفف،
وطلاقة بتصون ودلال.
فإذا أبو الهول الذي اختبأ به
حقب العثار، أقيل خير مقال.
تمثال نهضة مصر أشرق جامعا،
أنسى منى الأوطان في تمثال.
ناهيك بالرمز العظيم وقد حوى
معنى الرقى وروح الاستقلال.
قصيدة رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ
يقول الشريف المرتضى:
رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ
مصابًا مثل يوم ردى الأوحد.
وعادتني الرزايا مر الزمان
ومثل الذي حلّ لم أعتد.
وفارقني بغتةً، مثلما
يفارق مقبض سيفي يدي.
على حين دانت له الأبيات
وقاد القُروم ولم يُقتدِ.
وقد كنت أحسب أن الحمام بعيد
عنه فلم يبتعد.
وما كان إلا كقول العجول
لمن قام وسط الندى: أقعد.
وساعدني في بكائي عليه
كل بعيد الأسى أصياد.
تلين القلوب وفي صدره
أصم الجوانب كالجلمد.
وكم ذا رأينا عيونًا بكاءً
عند الرزايا بلا مُسعِد.
جرين فألحقن عند الدموع
صحاح النواظر بالأرمد.
وأعيَت محاسنه أن تنال،
فإن حسد القوم لم يحسد.
وكم قعد القوم بعد القيام،
ومذ قام بالفضل لم يقعد.
ومات وغادره جوده
خلي اليدين من العسجد.
ولم يدخر غير عز الرجال،
وعزّ يبين مع الفرقَد.
وغير ضِرابٍ يقطع الرؤوس،
إذا خمد الجمر لم يخمد.
وطعنة تمزق أهب النحور
كمعمعات النار بالفَرْقَد.
وكم قد شهدناه يوم الوغى
وبياض النصول بلا أغمد.
يشل الكماة بصدر القناة،
شلّك للنعام الشُرْد.
وتهديه في الظلمات السيوف،
وكم ضل في الرّوع من مهتد.
فتى في المشيب، وما كل من
حوى الفضل في الشعر الأسود.
فيا لوعتي فيه، لا تقصري،
ويا دمعتي فيه، لا تجمُدي.
يا سلوتي فيه، لا تقربي،
وإن كنت دانيةً فاِبعدي.
ويا لائمي في ثناءٍ له:
هجدتُ وعيني لم تَهجد.
فلم أرثه وحده، بل رثيتُ
معالم عرين من سواد.
وما جاد جفني وقد كان لا
يجودك إلا على الأجود.
ووافقني بالوفاق الصريح
موافقة النوم للسهد.
وإنّ التناسب بين الرجال
بالود خير من المحتد.
وخلّفني بانتحابٍ عليه
يقضّ على أضلعي مرقدي.
فإن عاد مضجعي العائدون،
خفيتُ نحولاً على العود.
فقُل للقنابل: لا تركبي،
وقل للكتائب: لا تحشدي.
وقل للصلاة بنار الحرب:
قد ذهب الموت بالموقِد.
وقل للصوارم مسلولةً:
فجعتن بالصّارم المغمَد.
وقل للجياد يلكن الشكيم
بلا مسرجٍ وبلا ملبد.
أقمن، فما بعده للخيول
مقادير حتى مع القوّاد.
وقل لأنابيب سمر الرماح:
ثوين حيامًا بلا مورد.
فلا تطلعن فوقكن النّجوم،
فذاك طلوع بلا أسعد.
وكيف يرِدْن نجيع الكماة
بغير شديد القوّة آيدِ.
وقالوا: تسلّ وكل امرئٍ
أرى ذا أسىً فبمَنْ أقتدي؟
وكيف السّلو وعندي الغرام
يبرح بالرجل الأجلَد.
وليس لي أسفٌ بافتقادٍ له،
نفَدتُ حنينًا ولم ينفد.
فيا غافلاً عن طروق الحمام،
رقدتَ اغترارًا ولم يرقُد.
ويا كادحًا جامعًا للألوف،
وغيرُك يأخذها من غد.
وهل للفَتى عن جميع الغنى
سوى بل أنملةٍ من يد؟
فبمثل ما بان ظل الغمام
عن طالبي سحّه الرود.
وبت كارهًا في بطون التراب،
وكم سكن الترب من سيد.
ولا زال قبرك بين القبرين
ينضح بالسائل المزد.
ويندى وإن جاورته القبور،
وفيهن بالقاع غير الندي.
وحيّاك ربك عند اللقاء
بعفوٍ ومغفرة سرمد.
وخصّك يوم مفرّ العبء
بالعطن الأفسح الأرغد.
ذكرى صداقتنا وذاك الموقف
تقول ختام حمودة:
ذكرى صداقتنا وذاك الموقف،
اصنع كل ذاك بجملة لا تُصرف.
ذُكر الهوى بقصيدة يمنية،
تغرّي العبير بما يقول المدنف.
الحب، يا للحب، كم ذبنا به
وبهي تمر مواقف لا توصَف.
ما بي وما بك، كيف أشرح ما بنا،
بل كيف أشرح ما أرى وأوصَف.
سُرورًا جنينا وسرّا عجيبًا
يقول علي الغراب الصفاقسي:
سرورًا جنينا وسرًا عجيبًا،
أعاد الشباب وزان المشيبا.
وقد عمّ كل الورى أنسه،
فلم تر في الناس شخصًا كئيبًا.
فلم يشكُ دهرًا أخو حاجة،
ولا أوحش البين يومًا غريبًا.
بختن بني الملك، من لم تجد
لهم في بني الدهر يومًا ضريبًا.
أسود شرى، ونجوم سرى،
شمس ضحى في العلى لن تغيبا.
سليمان يتلوه حمودة،
ونجلا مليك تسامى حسيبا.
أيا ملك الفضل، فاهنأ وطب
بهذا الختن قلبًا وصدرًا رحيبًا.
وأصغِ لما قال تاريخهُ:
ختانٌ به الله زادك طيبا.
حمَاك ربي ولا قد ضَرّك المرض
يقول المفتي عبداللطيف فتح الله:
حمَاك ربي ولا قد ضَرّك المرض،
فالجوهَر الفرد لا يؤذي به العرض.
شكوتَ من مرض، والله داركه
بلطفه حتى تلاشى ذاك المرض.
لما سمعنا ومن ذا جاءنا خبرٌ،
فالكل من كدر، والله قد مرضوا.
لكنهم بافتقار غبّ مسكنة،
نحو السماء بأيدي الفقر قد نهضوا.
تضرعوا يملأ الإخلاص مهجاتهم،
حتى أُجيبوا وزال الهم والحرض.
والحمد لله ربي قد شفَاك لنا،
والحمد منا عليه الدهر مفترض.
والله يحمينا محل الدهر من علل،
ومن عوارض منها النفس تنقبض.
صحيح جسم قسيًا ثوب عافيةٍ،
طويلَ عمرٍ وهذا القصد والغرض.
والله يُبقيك، يا شمس الوزارة، في
أوج السعادة تعلو ليس تنخفض.
في حلة المجد من أسمى ذرى شرف،
في دولة العز تبقى ليس تنقرض.
ما لاح نجم وما برق أضاء لنا،
وما بدا الفجر فوق الأفق يعترض.
ما للقوافي عرفت أغفالها
يقول صفوان التجيبي:
ما للقوافي عرفنه أغفالها،
وغدت أنوفًا شُمخت أكفالها.
كيف استوى معتلّها بصحيحها،
أو رام شأو المستقيم محالها؟
يا رحمةً لأسودها، أنى ادّعت
عبثًا بها أفزارها وسخالها.
عيثي جعارين، فإنما هي فرصة،
بل غصّة، ريشتي إليك نبالها.
إن الضفادع في السباخ إذا ادّعت
شدو المطوقين، استبان ضلالها.
وإذا الكلاب تمثلت مختالةً،
غلطةً، فمن أذنابها أذيالها.
يا مجريً بخلائه، لا تفتخر
بحلى السباق، فما أراك تنالها.
ما للتعاصي جد عندك جدّه،
في قولك الأشعار، قلّ رجالها.
أنّى تقل رجالها، وأنا الذي
بيدي تنقض أو تمرّ حبالها؟
أخطاي تضعف عن طريقك في العلا،
وتعوقها بيداؤها ورمالها.
هبلتك أمك، قلّما اعتنت العُلا
بسواي، أو هشّت إليه رجالها.
ولمفرقي أبداً يُكلّل تاجها،
ولأخمصي أبداً تقدّ نعالها.
وأسأل زماني بي، فعند جهينة
خبرٌ يقررّه لديك مقالها.